بين نظرة إيجابية وأخرى سلبية لإجراءات الحكومة: الاقتصاد الإيراني يعاني
خطوات حكومة روحاني الاقتصادية بين التفاؤل والتشاؤم.. ما المؤشرات؟
يشهد الاقتصاد الإيراني هذه الأيام أزمات عديدة، أدت إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية، نتيجة أسباب مختلفة قد يكون أبرزها العقوبات الأميركية. أمام هذا الواقع، حاولت حكومة الرئيس حسن روحاني اتخاذ اجراءات للتحكم بالسوق وبالتضخم الحاصل. هذه الإجراءات، شهدت ردتي فعل: الأولى إيجابية نظراً للصعوبات التي تمر بها البلاد، أما الثانية فسلبية تماماً إلى حد وصف الخطوات الحكومية بأنها فاشلة.
النظرة الإيجابية مبنية على إحصاءات نشرتها منظمة تنمية التجارة والجمارك الإيرانية ونقلتها وكالة “ارنا” الرسمية في تقرير يوم الأربعاء 9 أيلول/سبتمبر. حيث أظهرت تطوّر حجم الصادرات غير النفطية بنسبة 43% وذلك بين عامي 2013 و2019 (أي بعد وصول حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية في المرة الأولى).
الوكالة الرسمية، أوضحت أنه “رغم العقوبات الأميركية، حطمت الحكومة العام الماضي رقماً قياسياً لم تصل إليه في الأربعين سنة الماضية، بعد أن بلغ حجم الصادرات 134 مليون طن أي بزيادة قدرها 43 مليون طن مقارنة بعام 2013″، مشيرة إلى أن “هذه الأرقام الإيجابية تحققت رغم المشاكل في التجارة التي سببتها العقوبات الأميركية”. وعزت الوكالة سبب هذا التطور إلى إجراءات حكومة روحاني الثانية، والتي تمثلت وفق قولها في “إجراءات الحكومة الكبيرة لتحسين التجارة والصادرات غير النفطية، وأهم هذه الجهود توقيع الاتفاقيات الثنائية مع العديد من الدول لتسهيل عمل المصدرين”.
في تفاصيل هذه الأرقام، أفادت إحصائيات منظمة تنمية التجارة والجمارك، أنه في العام 2013 بلغ وزن الصادرات غير النفطية 93.886 مليون طن بقيمة 41.848 مليار دولار، أما العام الماضي فقد بلغت 134.331 مليون طن بقيمة 41.424 مليار دولار، أي بزيادة في الوزن بنسبة 43%. لكن الوكالة توقّفت عند انخفاض قيمة الصادرات المالية بنسبة 14.1%. واعتبر التقرير أن “هذا الهبوط سببه العقوبات الأميركية”، وهذا رقم لا يُعد برأيها “مهماً طالماً ان كمية السلع المصدرة مرتفعة، وهذا دليل على نجاح استراتجية الحكومة”.
على صعيد الاستيراد، حاولت الحكومة الحالية، وفق الوكالة، استيراد الاحتياجات الأساسية والضرورية في الصناعات المحلية، متبعة بذلك توصيات المرشد الإيراني علي خامنئي من ناحية الاعتماد على الإنتاج المحلي ومنع الاستيراد العشوائي. وبلغت واردات عام 2013 نحو 33.684 ألف طن بقيمة 49.709 مليار دولار بينما بلغت عام 2019، 35.825 ألف طن بقيمة 44.092 مليار دولار.
أما هذا العام (الشمسي)، وبعد مضي 6 أشهر تقريباً على بدايته، أوضحت الوكالة أنه لم يصدر بعد أي تقييم دقيق، لكن حسب مدير عام مكتب خدمات المعلومات التجارية عباس خالقي تيبار، فإن حجم الصادرات قد تضاءل كثيراً والسبب الأساسي بذلك هو إغلاق الحدود بعد جائحة كورونا، وهذا حال التجارة على صعيد العالم كله الذي انخفض فيه متوسط الصادرات بنسبة 20%.
هذه النظرة الإيجابية لحجم التجارة الإيرانية وعمل الحكومة على هذا الصعيد، تقابلها نظرة سلبية كبيرة. فوفق تقرير لصحيفة “آفتاب يزد” نشر الأربعاء في 9 أيلول/سبتمبر، فإن الحكومة الحالية لا تضع الموضوع الاقتصادي أولوية بالنسبة لها ولا تستعين بالخبراء للخروج من الحالة الحالية، مشيرة إلى أن “الحكومة قد تكون مستفيدة أساساً من هذه التقلبات التي يشهدها السوق”، وعليه أكدت أن “وضع الاقتصاد يسوء كل ساعة”.
ونقلت الصحيفة عن خبراء اقتصاديين قولهم إن “عدم الاستقرار في سوق الصرف سببه تطلع العديد من الناس لشراء العملات الصعبة، إما للاستفادة من هذا التلاعب، أو للحصول على المال لاستيراد بعض البضائع، وإما لسد بعض الديون بالعملات الصعبة”، مشيرين إلى أن “التجار والمستوردين في إيران يضطرون للتوجه إلى سوق الصرف لشراء العملات الأجنبية ما يزيد من خسائرهم”.
بما يخص عدم استقرار سعر الصرف، تساءلت الصحيفة “لا يجيب أحد عن سبب ما يحصل، فالإعلام التابع للحكومة يحاول التبرير دائماً، والإعلام المناهض للدولة يحاول تشويه الصورة، لكن من يعرف الحقيقة؟”. للإجابة عن هذا السؤال، لجأت الصحيفة إلى الخبير الاقتصادي الدكتور لطف علي بخشي، الذي اعتبر أن “هناك أشخاصاً حققوا أرباحاً خيالية من التجارة في البورصة، بعدما فشلت الحكومة في تحقيق الاستقرار النقدي”، موضحًا أن “هذا النوع من الأرباح عبر البورصة وسوق الأسهم، خيّب آمال المستثمرين في الصناعة والزراعة”.
وعن عدم إقدام خبراء الاقتصاد في الحكومة على أي إجراء لتحسين الوضع، رأى أن هؤلاء عملوا على الاستفادة من هذه الأزمة وانتهزوا الفرصة لتحقيق المزيج من الأرباح”، لافتاً إلى أن “إيران هي الدولة الوحيدة في العالم التي يخضع اقتصادها للسياسة ولا تشكل مصالحها الاقتصادية أولوية في قرارات مسؤوليها”.
“عدم الاستقرار في سوق الصرف سببه تطلع العديد من الناس لشراء العملات الصعبة، إما للاستفادة من هذا التلاعب، أو للحصول على المال لاستيراد بعض البضائع، وإما لسد بعض الديون بالعملات الصعبة”
في سياق آخر، تطرّقت صحيفة “ايران” الحكومية في تقرير لها اليوم الخميس 10 أيلول/ سبتمبر إلى موضوع التضخّم، مشيرة إلى أنه حسب آخر تقرير رسمي للبنك المركزي، فقد بلغ حجم السيولة في السوق حتى حزيران/ يونيو من هذا العام أكثر من 2657 ألف مليار تومان(تقريبًا 131 مليار$ بسعر السوق)، بزيادة 34.2 في المائة مقارنة بشهر حزيران/ يونيو من العام الماضي، لافتة إلى أنه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام (الشمسي) نما حجم السيولة بمقدار 185 ألف مليار تومان(تقريبًا 7.2 مليار$ بسعر السوق)، مما يعني نموًا شهريًا قدره 61.6 مليار تومان(تقريبًا 2.4 مليون$ بسعر السوق) في السيولة.
وأوضحت الصحيفة أنه “عندما يتم وضع توقعات التضخم جنبًا إلى جنب مع السيولة الضخمة الموجودة حالياً، ترتفع الأسعار بشكل كبير”، مضيفة “في الأشهر الماضية، قام بعض الخبراء بتقييم النمو الكبير لمؤشر سوق الأوراق المالية على أنه له تأثير سلبي على قطاعات أخرى من الاقتصاد وعلى مؤشر التضخم”، ونبهت الصحيفة من أن “دخول هذه السيولة الضخمة في القطاعات الأخرى كالذهب مثلاً سيؤدي إلى أثار سلبية كبيرة”.
تعدّدت الأسباب، إلا أن النتيجة واحدة وهي معاناة الاقتصاد الإيراني حالياً. هذه المعاناة، قد تدفع الحكومة إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات الاقتصادية للحد من التدهور، تجنباً لوصول إيران إلى “النموذج الفنزويلي”، حسب تعبير بعض الخبراء.