الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة6 سبتمبر 2020 15:27
للمشاركة:

هل يتحوّل الاقتصاد الإيراني إلى النموذج الفنزويلي؟

نشرت صحيفة "جهان صنعت" الاقتصادية أخيرًا، مقالةً للمحلل الاقتصادي سعيد مسغري، تناول فيها المخاطر التي تحيق بالاقتصاد الإيراني خلال العام الحالي، والتي من الممكن أن تحوّله إلى النموذج الفنزويلي خلال الفترة المقبلة، حيث خلص مسغري إلى أن المشكلة الرئيسية للاقتصاد الإيراني هي استمرار النمو الاقتصادي المنخفض والتضخم "ذو الرقمين""، وفقًا للمقالة التي ترجمتها "جاده إيران".

أثيرت لأول مرة  قضية خطر تحول الاقتصاد الإيراني إلى الاقتصاد الفنزويلي، من قبل بعض  الخبراء ووسائل الاعلام منذ أوائل عام 2011 مع الارتفاع الشديدة لمعدل التضخم والقفز في سعر الصرف، وهو الخطر الذي تم تجاهله بمجرد بدء عمل الحكومة الحادية عشر، وبداية المنحنى الهبوطي لمعدل التضخم. لكن في الأسابيع الأخيرة، ومع استمرار ارتفاع نسب التضخم والمستمر منذ بداية عام 2019، أصبحت قضية تحول الاقتصاد الايراني الى الاقتصاد الفنزويلي موضوعًا ساخنا في وسائل الإعلام وحتى في المحافل العلمية للبلاد.

منذ الأيام الأولى لتقديم مشروع قانون الموازنة لعام (2019-2020)، تبيّن أن هذه الموازنة ستشهد عجزًا حادًا، وتشير التوقعات إلى عجز في الموازنة بمقدار 120-140 ألف مليار تومان عام 2019-2020. لكن جائحة كورونا أدّت إلى تعميق عجز الموازنة، إذ تشير التقديرات إلى زيادة حادة في عجز الموازنة، بل قد تصل إلى 200 ألف مليار تومان.

تسبب هذا العجز الحاد في الميزانية والافتقار إلى وجود حلول أقل تكلفة لتعويضها إلى خلق تخوف من الزيادة البالغة في الاستقراض من البنك المركزي والتوصل إلى أموال أكثر قوة؛ الحدث الذي إذا وقع يمكن ان يكون له عواقب مدمرة لدرجة الوصول إلى تشكل تضخم مفرط . وهذا الذي تسبب في تداول من جديد مصلح “تحول الاقتصاد الايراني الى الاقتصاد الفنزويلي”، ولكن يبدو أنه على الرغم من أن هذا الخطر محتمل إلا أن احتمال وقوعه ليس كبيرًا للغاية، وهناك خطر أهم وأكثر احتمالًا يهدد اقتصاد إيران.

يوضح أداء الحكومة خلال الأربعة أشهر الأولى لهذا العام عدم زيادة نمو القاعدة النقدية زيادة بالغة واستخدام الأوراق المستحقة “سندات الدين” من أجل تغطية عجز ميزانية الحكومة الآخذ بالتوسع. وهذان الأمران بإمكانهما أن يوضحا جيدًا احتمالية حدوث التضخم الجامح في الاقتصاد الإيراني. إن توفير جزء كبير من عجز الميزانية من خلال سوق الدين والاستقراض المحدود للحكومة من البنك المركزي من العوامل التي تمنع تشكل تضخم مرتفع للغاية. مما لا شك فيه هناك أسباب أخرى مطروحة بإمكانها أن تقلل احتمال حدوث التضخم المفرط، لا مجال لذكرها هنا.

يبدو وجود خطر أهم وأكثر احتمالًا بالنسبة إلى الاقتصاد الإيراني، وهو  تحول الاقتصاد الإيراني إلى نموذج من الاقتصادات غير الناجحة أو الفاشلة في الأداء والأعمال السياسية والخطط الاقتصادية. إذا تحولت فنزويلا إلى نموذج اقتصادي غير ناجح بسبب تشكل التضخم المفرط، فمن الممكن أن يتحول الاقتصاد الإيراني كذلك  إلى نموذج اقتصادي آخر غير ناجح. 

اقتصادات الدول النامية لها  ظروف وخصائص مختلفة ومتنوعة، وليس من المفترض ان تكون جميعا متشابهة. وكذلك ليس من المقرر أن يكون الطريق الوحيد لانهيار الاقتصادات هو تشكل التضخم الجامح فيها. بلغة بسيطة المسار الوحيد لانهيار الاقتصادات ليس المسار الذي اتخذته فنزويلا، فهناك طرق مختلفة أخرى. فلابد أن نحرص على جميع المسارات، ولا ننعطف إلى مسار واحد فقط ألا وهو التضخم الجامح.

الاقتصاد الإيراني أصابه التضخم المزمن “ذو رقمين”  في نصف القرن الماضي وكان متوسط التضخم فيه أكثر من 15٪ في فترات زمنية مختلفة. كان نموه الاقتصادي منخفضا باستثناء بضع سنوات وكان متوسط نموه الاقتصادي في فترات زمنية مختلفة أقل من 5٪. وبناءً على ذلك يمكن القول أن الاقتصاد الإيراني يواجه ركودًا مزمنًا وعميقًا  منذ سنوات، الركود الذي ساء  منذ عام 2011 وحتى هذا النمو البسيط أيضا فقده واشتد التضخم.

الخطر الذي تواجهه إيران هو استمرار النمو الاقتصادي الذي يقترب من الصفر والتضخم بنسبة تتعدى 20% خلال العقد القادم، فالاقتصاد الإيراني في وضع التحول إلى اقتصاد بلا نمو مع ارتفاع معدلات التضخم؛ الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى انخفاض مستمر في الناتج المحلي للفرد، وبالتالي من غير الممكن عمليًا الوصول إلى حالة من الرفاهية للإيرانيين، أو تحقيق التنمية الاقتصادية.

إذا كنا قلقين على الاقتصاد لا بد أولًا، بدلًا من أن نقلق على التضخم الجامح أن نقلق على التضخم المستمر الذي تزيد نسبته عن 20%، التضخم الذي يمكنه أن يدمر البنية الاقتصادية، وستكون له آثاره المدمرة المتعددة على الاقتصاد الإيراني ومعيشة الأسر. لو كنا قلقين على الاقتصاد الإيراني، فلابد أن نقلق من فقدان النمو الاقتصادي المنخفض في نصف القرن الماضي وثبات النمو الاقتصادي بنسبة تقترب من الصفر في الاقتصاد المحلي

أدى تراكم المشاكل الهيكلية للاقتصاد الايراني وتشديد العقوبات الخارجية، وتكرار السياسات الاقتصادية غير الصحيحة من قبل الحكومات المختلفة إلى توقف عجلة النمو الاقتصادي، وتسارع عجلة التضخم المتزايد عن المعتاد. هذه كارثة كبيرة حلّت على الاقتصاد الإيراني وهي أساس جميع المشاكل والتحديات الاقتصادية للدولة. لا أمل في تحسين التحديات الأخرى والمشاكل الاقتصادية للبلد حتى يتم معالجة هاتين المشكلتين.

نجد اليوم بعض الدول النامية  تخشى من التحول إلى الاقتصاد الإيراني؛ ليس فقط الاقتصاد الذي لا ينمو، بل انخفاض قيمة عملته الوطنية بشكل مستمر، ولذلك بينما نحن حريصون على مخاطر التضخم الجامح علينا أن نفكر في خروج الاقتصاد الإيراني من مساره الحالي، ونتأكّد من أن المشكلة الرئيسية للاقتصاد الإيراني هي استمرار النمو الاقتصادي المنخفض والتضخم  “ذو الرقمين”.

المصدر/ صحيفة جهان صنعت الاقتصادية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: