الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة5 سبتمبر 2020 15:15
للمشاركة:

هل كان “الخطر الإيراني” سببًا لتطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل؟

قراءات إيرانية في خلفية التقارب الإماراتي- الإسرائيلي

برغم المستوى المتقدم الذي وصلت إليه علاقات أبو ظبي الاقتصادية مع طهران، إلا أن ذلك لم يجعل الأخيرة تتورع عن التعبير بمنتهى الوضوح عن رفضها لاتفاق السلام الإماراتي- الإسرائيلي، الذي أُبرم برعاية أميركية، وقد تشارك سياسيو إيران وعسكرها في تقديم موقف بلادهم من هذا الاتفاق الذي أُطلق عليه اسم “إبراهيم”.

ردود الفعل الإيرانية الرافضة والمحذرة من هذه الخطوة وإن كانت تستند في الخطاب، والمضمون إلى دعم طهران التاريخي للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن ذلك لا يمنع أن يكون لدى إيران عدة اعتبارات للرفض لا تقل أهمية عما سبق. فنجاح إسرائيل في إيجاد قاعدة رسمية لها في أي من دول جوار إيران بحسب الكاتب الإيراني حميد رضا عزيزي، “يمثل حلقة جديدة تُضاف لسلسلة طويلة الأمد في جهود إسرائيل الهادفة لحصار إيران استراتيجيًا”، حيث يعتقد رضا عزيزي في مقاله بصحيفة “اعتماد” الإصلاحية، أن المحطة الإماراتية- الإسرائيلية المُستجدة، تُعد استكمالًا للمسار الذي مكن إسرائيل من افتتاح سفارة لها في تركمانستان عام 2009، وطوّر التعاون العسكري بين تل أبيب وباكو، فضلًا عن أنه أوصل أرمينيا مؤخرًا لاتخاذ قرار بفتح سفارة لإسرائيل على أراضيها”، وهذا ما سيخلق وفق توقعاته تحديات أمنية لإيران والمنطقة.

من ناحية أخرى، لا يستبعد المحلل الإيراني اسلام ذو القدر بور، أن “يؤدي إعلان الإمارات عن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل إلى موجة جديدة من التحولات السياسية والعسكرية في منطقة جنوب غرب أسيا، ما سيسرع تكّون لاعبين مهمين أخرين في العالم الإسلامي”، وهذا بحسب مقاله بموقع “إيران دبلوماسي” المقرب من الخارجية الإيرانية سـ” يشجع دول هذه المنطقة على إعلان تطبيع العلاقات مع إسرائيل وحتى توقيع الاتفاقيات الاستراتيجية معها”.

إضافة إلى ما سلف يأتي العامل الاقتصادي، كأحد أهم التحديات التي تجعل إيران ترى في هذا الاتفاق خطرًا عليها، لا سيما في ظل عقوبات “الضغط الأقصى” التي تفرضها الإدارة الأميركية عليها، حيث يتوقع عدد من المراقبين أن تكون إسرائيل بشركاتها ورجال أعمالها حاضرة كي تحل مكان رجال الأعمال الإيرانيين وشركاتهم الناشطة في الإمارات، والتي تساهم بدورها في التخفيف من التداعيات السلبية التي تركتها العقوبات الأميركية على طهران.

قلق إيران ومخاوفها الواضحة من هذا الاتفاق، تقابله أبو ظبي بالسعي لطمأنه طهران، من خلال تصريحات وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، التي أكد فيها أن “الاتفاق لا يعني إنشاء تكتل ما ضد إيران”، مضيفًا أن “الإمارات لديها علاقات معقدة للغاية مع إيران، وهي جارة لنا، لكننا في الوقت نفسه لدينا اختلافات حول السياسة الإقليمية لإيران”. بلا شك، فإن الموقف المُتخذ، والسلوك المُمارس لكلا الدولتين في ساحات الصراع المشتعلة في المنطقة ينم عن بوّن واسع بينهما، لكن هل كان “الخطر الإيراني” هو الدافع الأساس لقيام أبو ظبي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل؟.

استاذ العلاقات الدولية محمود سريع القلم، في قراءته لخلفيات الخطوة الإماراتية، رأى أن العامل الإيراني في دفع الإمارات باتجاه هذه الخيار لا تتعدى نسبته الـ 20%، فيما وصلت نسبة العامل الأميركي بحسب مقاربته 50%، أما نسبة الـ 30% المتبقية فأرجعها للعامل السعودي. وقد قسم خبير السياسة الخارجية الإيرانية هذه النسب بناءً على عقيدة الأمن القومي الإماراتي القائمة برأيه على الحاجة للاستمرار في سياسة إنتاج الثروة، موضحًا أن “إيجاد الثروة والأمن طويل الأمد للإمارات في الشرق الأوسط غير المستقر متوفران عند شبكة اللوبيهات الأميركية المعقدة، وللحصول على ما سلف فإنها توجهت لإسرائيل باعتبارها إلى جانب يهود أميركا أقوى شبكة مؤثرة في سياسات وصناعة القرار الأميركي في الشرق الأوسط”.

فيما يتعلق بالسعودية يقول سريع القلم إن “الرياض وأبو ظبي برغم التحالف السياسي بينهما، إلا أن الأخيرة لا ترى أن هذا التحالف قادر على توفير أمنها الوطني بشكل كامل وإنما تعتبره مصدرًا لردع التهديدات المحتملة فقط”. ويضيف الاستاذ الجامعي أن “الإمارات بهذا الاتفاق تتحصل على هدف أخر في إطار القوة اللافتة الاقتصادية والجغرافية والأمنية والإقليمية للسعودية، حيث ستؤمن الإمارات به أجواء جديدة للتنافس السياسي وسيعطيها خيارات أكثر في النزاعات الإقليمية”، فضلًا عن ذلك فإن “تهديد الإمارات أصبح أصعب وأكثر تعقيدًا ويواجه حسابات أكثر جدية”، وعليه فإن الإمارات ستوسع من الآن نطاق صناعة قرارها في دائرة أكبر على مستوى المنطقة بماهية غير عربية، على حد قوله.

أما العامل الإيراني فيشرحه محمود سريع القلم كالآتي إن “إيران في ذهن وإدراك الإماراتيين دولة من الممكن في أي لحظة أن تتخذ طريق ونهج جديد سواء في الداخل أو في الخارج. الأمر الذي يجعل سلوكها في النطاق الأمني غير متوقع بنسبة 60 أو 70 %، وهذا غير مطمئن، لكي تبني معها شراكة. ما يجعلها ترى أنها يجب أن تخطط لآليات تمكنها من تلقي أقل الصدمات، خصوصًا أن ذهنية حكامها تدرك أن هناك تبعات غير محددة للمواجهة بين إسرائيل وأميركا من جهة وإيران من جهة أخرى، وهذه التبعات تطال أقصى نقاط المنطقة، وقد تستمر طويلًا. فعلى هذا الأساس تقرّب الإمارات نفسها من إسرائيل وأميركا، كي تزيد من مستوى مصونيتها أما السلوك الإيراني الراسخ في أذهان حكامها، وفي نفس الوقت تسعى بقربها من إسرائيل وأميركا للتأثير على حسابات إيران تجاهها وتجاه منطقة الخليج”.

الجدير ذكره، أن الأجواء على خط أبو ظبي- طهران لم تكن متوترة عشية اتفاق “إبراهيم”، حيث أجرى وزراء خارجية البلدين اجتماعًا عبر الفيديو كونفرانس قبل أيام من الإعلان عن الاتفاق، وأشادت إيران بالمساعدات التي قدمتها لها الإمارات لمكافحة فيروس كورونا، كما أن الطرفان استطاعا الصيف الماضي في ذروة التصعيد الذي شهدته المياه الخليجية أن يتوصلا لاتفاقيات ثنائية تنظم بعض خلافاتهما، وقد استقبلت طهران في تلك الفترة بشكل رسمي قائد خفر السواحل الإماراتي العميد علي محمد مصلح الأحبابي، الذي وقع مع قائد حرس الحدود الإيراني العميد قاسم رضائي مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون الأمني على الحدود بين البلدين.

كذلك، تناقلت وسائل إعلامية عربية وأجنبية آنذاك، أنباءً عن زيارات قام بها مسؤولين إماراتيين رفيعي المستوى لإيران منهم مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان، و نائب رئيس المجلس الأعلى للأمن الوطني الإماراتي، علي محمد بن حماد الشامسي، حيث ذكرت المصادر أن الأخير ذهب لطهران ثلاث مرات، واجتمع في تلك الزيارات الثلاث بأمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، وقدم بحسب المصادر عرضًا إماراتيًا لإيران شمل وعودًا لافتة للانتباه في المجال الاقتصادي، مع التأكيد على عدم الرغبة في الخصومة ولا في التعرض للنيران “الطائشة” الناتجة عن صراعات المنطقة. وهو ما حدث فعليًا، إذ أن حلفاء إيران في الساحة اليمنية، وبرغم تهديداتهم المتكررة للإمارات كفو أيديهم عنها في الفترة التي تلت ذلك الحراك الدبلوماسي بين طهران وأبو ظبي، الأمر الذي يؤكد وفق مراقبين إيرانيين أن “إدارة الخلافات بما يحفظ أمن الإمارات ممكنة دون الحاجة للاستناد على التحالف مع إسرائيل”، وفي هذا الإطار يقول علي رضا احمدي في ناشونال انترست إن “الحجة القائلة بأن الإمارات أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل لأن سياستها الخارجية تتمحور حول مواجهة إيران تتجاهل حقيقة أن أبو ظبي أعادت هيكلة سياستها الخارجية بشكل أساسي بعيدًا عن العداء المناهض لإيران والذي تفضله واشنطن والرياض”.

السردية الإيرانية الرافضة لاعتبار “التهديد الإيراني” سببًا لهذا الاتفاق، لا تنفي أن المحور العربي- الإسرائيلي- الغربي سيتعزز في منطقة غرب أسيا، ما سيضع القوى الإسلامية “إيران، تركيا، باكستان” في أزمة، وعليه فإنها تدعو على لسان اسلام ذو القدر بور “صانعي السياسة الخارجية الإيرانية للتفكير في تدشين سياسة فعالة واستباقية للحد من نطاق عواقب تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية”. حيث يكثر هنا الحديث عن إمكانية إنشاء حلف للمتضررين من هذا الاتفاق أي إيران وتركيا، وقد قاربت جاده إيران هذا الخيار في تحليل سابق بعنوان “الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.. هل يؤدي لحلف إيراني تركي؟”.

بالتوازي مع ذلك، يرى الكاتب الإيراني محمد مهدي مظاهري أن استخدام سياسة “الترغيب والترهيب” ضد القوى الإقليمية، يجب أن تكون ضمن هذه السياسة الاستباقية، مشددا على أن “إيران يجب أن توضح للدول الخليجية أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام فتح الباب لأعداء المنطقة، وستستخدم جميع أوراقها لمنع ذلك، وتوفير الأمن الأحادي والدائم”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: