الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة31 أغسطس 2020 20:57
للمشاركة:

هل تشكل الصين وتركيا مخرجاً للأزمة الإقتصادية في إيران؟

تحاول إيران الإلتفاف على الضغوط الأميركية عبر تدعيم علاقاتها القديمة من أجل النهوض بإقتصادها من جهة، ولتشكل حلفاً جديداً يمكنها من خلال مواجهة الأحادية الأميركية في معالجة الأزمات في المنطقة.

يُعاني الإقتصاد الإيراني اليوم من أزمات كبيرة ناتجة بمعظمها عن تزايد العقوبات الأميركية على البلاد لا سيما منذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تضاعفت مع ظهور وباء كورونا بداية العام الحالي. لذا بدأت طهران البحث عن أسواق لتصدير المنتجات الإيرانية، لمحاولة الإلتفاف على هذه العقوبات والنهوض بالاقتصاد.
وبدأت إيران مساعيها التجارية مع الدول التي تتوافق معها إلى حد كبير بالسياسات العامة. فكانت الصين أولى الدول التي بدأت إيران تعمل جدياً على تطوير العلاقات الإقتصادية وزيادة التبادل التجاري معها.

هل تشكل الصين وتركيا مخرجاً للأزمة الإقتصادية في إيران؟ 1
المصدر/ قسم الدراسات الاقتصادية بغرفة طهران للتجارة والصناعات والمعادن والزراعة

الواقع الحالي للإقتصاد الإيراني

لم تكن العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة ترامب هي الأولى على طهران، إلا أن تأثيرها كان أكبراً من سابقاتها لناحية تشديد الحصار الإقتصادي ومنع بعض الشركات والدول من التعامل مع إيران.

ولفهم حاجة إيران لأسواق عالمية لتصريف الإنتاج، يجب معرفة واقع الإقتصاد المحلي في إيران وتأثير تطوّر الأحداث عليه.
من هنا، نقلت وكالة “بورنا” الإيرانية عن هيئة التخطيط والموازنة الوطنية، تقريراً يوضح تغيّر الناتج المحلي منذ العام 2011 حتى اليوم. ولفتت الوكالة إلى أن البلاد تعرّضت لعقوبات عديدة بدءاً من العام 2011 ما عرّض الإقتصاد إلى تضخم كبير في عامي 2012 و2013. وأشارت إلى أن حكومة الرئيس حسن روحاني الأولى تمكنت من مواجهة هذه التحديات عبر عدد من الإجراءات، وتمكنت من تحقيق نمو إقتصادي تجاوز الـ 12٪ في عام 2016، إضافة لتطوير القطاعات غير النفطية للاقتصاد.

إلا أن العقوبات الأميركية الأخيرة غيّرت الوضع وصعّبت المهمة على الحكومة. فوفق التقرير عينه، أدت هذه الأحداث إلى تقلبات في المؤشرات الإقتصادية، وتعطل المناخ الإقتصادي للبلاد بسبب الإجراءات على صادرات النفط، وسوق الصرف الأجنبي، والأنشطة التجارية والتأمينية والمصرفية، مما أدى إلى ارتفاع توقعات التضخم وعدم إستقرار الإقتصاد. وأوضح التقرير أن أمام هذه الواقع، عاودت الحكومة تنفيذ عدد من الإجراءات، وعلى أثر ذلك تحسن الإنتاج غير النفطي للبلاد في عام 2019 وارتفع من -18% إلى 1.1٪.

من جهة أخرى، أوضح المتحدث باسم مصلحة الجمارك الإيرانية روح الله لطيفي أن حجم التبادل التجاري الخارجي لإيران بلغ خلال شهر تموز الماضي 6 مليارات و37 مليون دولار. ولفت لطيفي، في تصريح له يوم أمس الأحد، إلى أن الدول التي صدّرت إليها ايران السلع غير النفطية هي الصين 2 مليون و195 الف طن بقيمة 556 مليون دولار، العراق مليون و420 الف طن بقيمة 441 مليون دولار، الامارات مليون و324 الف طن بقيمة 338 مليون دولار، افغانستان 514 الف طن بقيمة 158 مليون دولار، تركيا 226 الف طن بقيمة 108 ملايين دولار.

لم تكن العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة ترامب هي الأولى على طهران، إلا أن تأثيرها كان أكبراً من سابقاتها لناحية تشديد الحصار الإقتصادي ومنع بعض الشركات والدول من التعامل مع إيران

على صعيد آخر، كشفت وكالة أنباء فارس في تقرير نُشر يوم أول أمس الأحد، أن تصدير السجاد الإيراني اليدوي قد انخفض في السنوات الأخيرة من 331 مليون دولار عام 2014 إلى 69 مليون دولار عام 2019، لافتة إلى أنه في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الشمسي الحالي (أي من شهر آذار حتى أيار من العام الحالي)، تم تصدير السجاد الإيراني اليدوي بقيمة 6 ملايين و 200 ألف دولار فقط.

وأوضحت الوكالة أن هذا التراجع في الصادرات سببه الأساسي الإجراءات الأميركية على إيران إضافة لأسباب أخرى كنقص المعلومات عند الشركات الإيرانية المصنعة حول احتياجات السوق وعدم تناسق الإنتاج مع أذواق المستهلكين، مشددة على ضرورة صياغة استراتيجية شاملة لصناعة السجاد اليدوي عبر الوصول إلى أسواق تصدير جديدة وتحديد طرق التسويق والإعلان وفقًا للبلدان المستهدفة.

وبات واضحا أن الإقتصاد الإيراني عاش فترات صعبة عقب الخروج الأميركي من الاتفاق النووي في العام 2018، وبعد بدء الإدارة الأميركية فرض العقوبات. وهذا الواقع، يطرح سؤالاً حول الإجراءات الإيرانية الممكنة للخروج من هذه الأزمة.

البحث عن حلول في الصين

حاولت طهران البحث عن حلول تجنّبها الرضوخ للشروط الأميركية. فراح البحث عن أسواق لتصريف الإنتاج المحلي لزيادة الإيرادات على الدولة.
أول هدف لإيران كان تطوير تجارتها مع الصين. فمنذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات أحادية الجانب، تراجعت التجارة الإيرانية بشكل حاد مع الكثير من دول العالم، بما في ذلك مع “الاتحاد الأوروبي” والشركاء الرئيسيين مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا. ووفقاً لبيانات الجمارك الصينية، انخفضت التجارة بين إيران والصين إلى أكثر من 34 في المائة في عام 2019 مقارنةً بعام 2018.

من هنا، بدأت المحاولات الإيرانية – الصينية للبحث عن إتفاق شامل، ونتج عن ذلك مسودة لاتفاق بين البلدين، ما أدى إلى تطور العلاقات الإقتصادية بينهما. فحسب بيان للجمارك الصينية، فقد استوردت بكين ١٢٠ ألف برميل نفط من إيران خلال شهر تموز، لافتة إلى أن حجم الاستيراد الصيني للنفط الإيراني منذ بداية العام الحالي بلغ ٧٧ ألف برميل يوميا بمجموع 2.2 مليون طن منذ بداية العام وحتى الآن.
لذا يُمكن القول أن الحوارات المتقدمة بين إيران والصين كانت الملجأ لإيران للخروج من الوضع الحالي، في فترة تشهد فيها علاقات كلا البلدين مع واشنطن توترًا ملحوظًا.

تركيا بديل الإمارات في التجارة؟

وضع إتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل علامات استفهام عديدة في ما يتعلّق بالعلاقات الإقتصادية مع طهران. من هنا، بدأت إيران تبحث عن حليف إقتصادي قوي في المنطقة لمواجهة أي تطور سلبي على صعيد هذه العلاقة.
في السنوات الماضي، إحتلت تركيا المركز الثالث في العلاقات التجارية مع إيران بعد أن احتلت الإمارات المركز الثاني. إلا أن اليوم بعد التطبيع، قد تعمل أنقرة على الإستفادة من توتر العلاقات بين طهران وأبو ظبي، لتلعب دور الممر الاقتصادي الأبرز لإيران نحو العالم.

وتجدر الإشارة إلى أن إيران قد تواجه مشكلة تجارية كبيرة في حال تخلّت عن شراكتها الاقتصادية مع الإمارات بوجود أكثر من 3000 شركة إيرانية هناك، ما يستدعي بحث الشركات الإيرانية عن سوق جديدة، ودولة جديدة تستطيع العمل فيها والاستمرار في إرسال البضائع الى إيران. فهل يمكن أن تكون تركيا هي البديل؟
الإجابة عن هذا السؤال يحتاج إلى الوقت لتبلور الدور الإسرائيلي في الإمارات تحديداً. وهنا، قد ترى طهران أن أنقرة قد تكون البديل.
فإيران تحتاج من جهة لدعم سياسي إقليمي لمواجهة التمدد الإسرائيلي في الخليج، وتركيا ترى تهديدا كبيرا لها في الاتفاق المبرم، خصوصا بعد الجهود الإماراتية الإسرائيلية لمد خط نقل الغاز الى أوروبا عبر اليونان ومصر بعيدًا عن تركيا، التي تعتبر نفسها بوابة أوروبا، إضافة للتباينات الكبيرة بين أنقرة وأبو ظبي في الأزمة الليبية.

التعاون السياسي بين طهران وأنقرة يظهر في الكثير من الملفّات. فالبلدان يتعاونان في العراق، وينسقان في مواجهة حزب العمال الكردستاني، ويساندان قطر في الأزمة الخليجية، إضافة لالتزامهما مواقف متشددة في ملف التسوية الفلسطينية مع إسرائيل، ودعمهما لفصائل المقاومة الفلسطينية بأساليب مختلفة. من هنا يمكن القول أن تركيا وإيران تجتمعان على أرضية صلبة في مواجهة محورٍ إقليمي آخر، ومن شأن اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي تعزيز هذه الأرضية.
مؤشرات أخرى تظهر التقارب الحاصل بين تركيا وإيران. زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى تركيا الأخيرة، هدفت لكسب إيران دعم تركيا لمواجهة العقوبات الأميركية، في المقابل أعلنت طهران دعم تركيا في ليبيا وفي معركتها ضد حزب العمال الكردستاني.

بناءً على كل ما سبق، تحاول إيران الإلتفاف على الضغوط الأميركية عبر تدعيم علاقاتها القديمة من أجل النهوض بإقتصادها من جهة، ولتشكل حلفاً جديداً يمكنها من خلال مواجهة الأحادية الأميركية في معالجة الأزمات في المنطقة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: