الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة21 أغسطس 2020 11:53
للمشاركة:

الضغط الأميركي على إيران للاحتواء أم للحرب؟

نشر موقع "ايران دبلوماسى" مقالة يوم الاثنين 10 آب/ أغسطس 2020، للصحفي عضو هيئة تحريره علي موسى خلخالي، أكّد خلالها أن الهدف النهائي للسياسات الأميركية تجاه إيران هي احتوائها وتقييد نشاط أذرعها في المنطقة وليس الدخول في مواجهة عسكرية شاملة معها، كما ورد في المقال الذي ترجمته "جاده إيران".

يبدو أن الأميركيين أو من الأفضل أن نقول المؤسسات الأمنية وغرف الفكر والإدارات التي تدير الشؤون السرّية والاستخباراتية، بدأت منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وبالتزامن مع بدء التظاهرات في العراق ولبنان، خطة هدفها النهائي احتواء إيران.

ويجب التأكيد هنا على أنه يستنتج من السياسات الأميركية حتى هذه اللحظة أنها لا تسع للحرب مع إيران، وفي كل لحظة يصل التوتّر إلى أوجه، يلتزم الطرفان العقل والتدبر، ويمتنعان عن الوصول إلى مرحلة الحرب. سواء خلال العام الماضي حيث اتخذت إيران سياسة تشديد التوتّر، إلى التوازن في التعامل مع أميركا التي بدأت حملتها في الحد الأقصى من الضغوط من خلال الخروج من الاتفاق النووي، واستمرت في سياستها هذه مع فرض أقصى عقوبات في تاريخها ضد إيران، وسواء حينما اغتال الأميركيون الفريق سليماني في بغداد، واستهدفت إيران قاعدة عين الأسد ردًا على العمليات الأميركية الإرهابية، احتاط الطرفان ألا يتجاوز مستوى التوتر إلى مستوى عالي، يسفر في النهاية عن حرب شاملة.

ومن ثم يمكن القول إنه لا أميركا ولا إيران تضعان على أولوياتهما دخول معركة شاملة ومواجهة في الأوضاع الراهنة، وستكون الحرب أخر خيار لهم بشكل محتمل. لكن ما يسعى إليه الأميركيون حاليًا، هو احتواء إيران، طبقًا للبنود الـ 12 التي أعلنها وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو عام 2018.

بدأت تظاهرات أكتوبر متزامنة في العراق ولبنان، في العراق ومع اغتيال سليماني الذي كبّد إيران نفقات ثقيلة، وكذلك تنحّي عادل عبد المهدي وتولي مصطفى الكاظمي بدلًا عنه رئاسة الوزراء، أغلق الملف ولو بصورة مؤقتة، ووصل لمرحلة معينة.
هنا يجب القول، إنه ليس الغرض هنا القول إن الأميركيين يرغبون في اخراج إيران من الملفات الإقليمية. على أي مستوى يكون لإيران نفوذ سواء من العراق حتى لبنان وسوريا واليمن أو أي مكان آخر. هم سواء أرادوا أم لم يريدوا قد اعترفوا رسميًا بقوة إيران في المنطقة ونطاق نفوذها، وربما من الأفضل القول إنهم ابتلعوا بشكل ما قوّة ونفوذ إيران. وبناء على هذا فهم يسعون حاليًا إلى تقييدها تحت إطار محدد. ووفقًا لذلك، يتوقعون إنهم حصلوا على ما يريدونه على المدى القريب في العراق. والشاهد على ذلك، عدم رد فعلهم على القصف الصاروخي الذي اطلقته الجماعات المسلحة على السفارة والقواعد الأميركية في العراق، وكأنما قبلوا أن تكون مسؤولية التعامل مع هذا الموضوع مع حكومة الكاظمي. في حين أننا رأينا ما رد الفعل الصادر عنهما حينما كان عبد المهدي رئيسًا لوزراء العراق، وتمت الإغارة على السفارة الأميركية.

والآن  يبدو أنه بعد ملف العراق حان الدور لملف لبنان. فمن الواضح جليًا ومبرهن عليه أن واشنطن لا تستطيع اغفال حزب الله في لبنان. وسلكت مسارًا ونهجًا آخر هناك نظرًا لأن الحزب القوّة الأكبر من أي قوّة أخرى مقرّبة من إيران سواء في المنطقة أو لبنان، ومكانته في لبنان مختلفة عن مكانة حلفاء إيران في أي دولة.
ولأن حزب الله القوة الأكبر من أي قوة أخرى مقرّبة من إيران في المنطقة ولبنان، تدخلوا في لبنان، ونظرًا لأن فرنسا حليفة لأميركا، وهي أيضًا صاحبة سابقة استعمار ونفوذ بلا منازع، أوكلوا مسؤولية التقدم في هذا الملف إلى فرنسا. وأن يتفاوض الرئيس الفرنسي إٕيمانويل ماكرون، مع الأمين العام لحزب الله بصورة منفصلة وخاصة قبل لقاءه مع مسؤولي ورؤساء الكتل السياسية اللبنانية، ويتوصل أولًا إلى اتفاق معه، ثم يذهب ليلتقي بقية المسؤولين، ما يشير إلى أن فرنسا تدرك قوّة ونفوذ حزب الله بالنيابة عن المجتمع الغربي، وليس مقررًا أن تتقدم في خطة يكون حزب الله خارجها، وفي الوقت ذاته، يسيرون على الخطة المتفق عليها في المجتمع الغربي.

ربما يمكننا القول إن الغرب (أوروبا وأميركا)، توصلوا إلى إجماع داخلي حول إيران ونفوذها الإقليمي والملفات الأخرى المتعلقة به. وعلى الرغم من أنهم مختلفين في الآراء حول بعض الأمور، لكن هذا الخلاف في الآراء  تكتيكي وليس استراتيجي. وبالتالي يقسمون العمل في بعض الملفات مثل لبنان، وتتقدم فرنسا، وفي ملفات أخرى مثل العراق، التي تحتلها أميركا، وتعتبر منافسة لإيران هناك، تدخلت أميركا نفسها.

إن تغيير براين هوك ومجيء شخص مثل اليوت آبرامز وهو المسؤول أيضًا عن ملف فانزويلا في واشنطن بالتزامن، يمكن إدراكه في ذات الإطار في ظل تاريخه الواضح. فآبرامز شخص متطرف وأمني وحاد الطباع. وله تاريخ عنيف في التعامل مع الملفات التي تولاها، ومن الممكن تفسير تاريخه بصورة أفضل في ظل نهجه الصهيوني واليهودي في ملفات مثل العراق أو فانزويلا. لكن يقال في الوقت ذاته، أنه يمكن التعامل معه.

بعبارة أفضل، حينما يجلس خلف طاولة المفاوضات، يحمل في يدٍ العصا بقفاز حديدي، وفي اليد الأخرى حلوى بقفاز مخملي، كلما اعتبر أنه لزامًا ويرى أنه بإمكانه مدَّ يده المخملية، يمدها، وحينما تكون الحلوى لازمة، يقدّم الحلوى، وكلما رأى أنه يجب أن يستخدم القبضة الحديدية، فلا يتردد في ذلك، وحتى أنه يستخدم عصاته. وهو شخصية أمنية لا يتوانى عن استخدام الألعاب الأمنية القذرة، والتي قام بها في فانزويلا طوال السنوات الماضية، أو قام بها في العراق لتبرير الهجوم عليه.

فما الهدف النهائي؟ الهدف النهائي هو احتواء أو تقييد الأذرع إيرانية القوية بهدف التفاوض مع طهران. هذا هو الشيء الذي يؤكّد عليه الأميركيين وحددوه هدفًا نهائيًا لهم. يرغب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، القيام بهذه المفاوضات قبل الانتخابات الرئاسة أو مباشرة بعد فوزه بها، ويتوصل إلى نتيجة، لأنه يعتقد أنه قام بالتخطيط عبر تحديده لسياسة “الحد الأقصى من الضغوط” للوصول إلى التفاوض مع إيران، ومن حقه أن يجلس في نهاية المطاف إلى طاولة المفاوضات مع إيران، ويسجّل باسمه امتياز الاتفاق مع طهران الكبير. ويدرك هذه النقطة جيدًا أنه إذا لم ينتخب، فسيدخل منافسه الديمقراطي مكانه في مفاوضات مع إيران، وستنتهي هذه القضية غالية عليه. وربما أشارت صحيفة “الأخبار” اللبنانية نقلًا عن مصادرها المطلعة إن الدبلوماسيين الأوروبيين قالوا للإيرانيين أن أمامكم عدّة أشهر صعبة حتى انتخابات الرئاسة، فإذا تجاوزتموها بسلامة، ففي العام 2021 سيضطر أي شخص يجلس في البيت الأبيض على المصالحة معكم، ويجبر على الدخول إليكم من باب الصداقة.

المصدر/ موقع ايران دبلوماسي

التحرير/ عُريب أبو صليح

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: