الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة6 يوليو 2020 18:07
للمشاركة:

عملية “إحرق نطنز!”.. من فجر درة مفاعلات إيران النووية؟

تفجير نطنز يُعطل برنامج طهران لتطوير أجهزة الطرد المركزي.. من المسؤول؟

على بعد 260 كلم جنوبي طهران تقع منشأة نطنز النووية والتي تحوي أكبر عدد من أجهزة الطرد المركزية في إيران، وهو ما أهلها لتكون المحطة الأساس في تخصيب اليورانيوم منخفض التخصيب. ولأهميتها البالغة في برنامج إيران النووي، يقع جزء منها تحت الأرض على مسافة 8 أمتار، كما تبلغ مساحتها 100 كلم2، وتتكون من ثلاثة مبانٍ كبيرة.

كشفت إيران عن منشأة نطنز النووية عام 2002، ومن ثم أخضعتها لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقام رئيس الوكالة السابق محمد البرادعي في عام 2003 بزيارتها كأول مسؤول دولي. وفي نفس العام علّقت إيران العمل بهذه المنشأة بناءً على اتفاق سعد آباد، الذي عقدته مع الترويكا الأوروبية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا)، وأقفلت بموجبه جميع منشآتها النووية.

بعد ما وصفته إيران بـ”عدم الوفاء الأوروبي بالاتفاقيات”، قامت في عام 2005، بنزع الأختام عن منشآتها النووية بما فيها مفاعل نطنز، وأطلقت دورة العمل فيه من جديد ليعود للتخصيب بنسبة 3.67%. ولأن “نطنز”، كانت المنشأة الإيرانية الأبرز في مشروع تخصيب اليورانيوم المنخفض، فقد كانت عرضة لجهوم إلكتروني أميركي- إسرائيلي تمثل في إدخال فيروس “ستوكسنت” إلى أجهزة حاسوب المنشأة عام 2009، لكن سرعان ما تخطت إيران هذه العقبة وأعادت الأمور إلى نصابها في الموقع النووي.

برغم قدرة “نطنز” على استيعاب 50 ألف جهاز طرد مركزي، واحتوائه كذلك في عام 2014 على أجهزة طرد مركزي متطور من طراز IR-8، إلا أن الاتفاق النووي الذي أُبرم بين إيران ومجموعة الـ 5+1 سمح لها بالإبقاء على 5060 جهاز طرد مركزي من نوع IR-1 فقط، أما بقية الأجهزة التي كانت في الموقع فأحيلت للتخزين تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وبحسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، استمرت طهران بالوفاء بالتزاماتها النووية منذ سريان الاتفاق مطلع عام 2016، إلا أن خروج أميركا من الاتفاق النووي في أيار/ مايو 2018، وعودة العقوبات الأميركية على إيران، وتعثر أوروبا في تعويض إيران عن الخسائر التي لحقت بها جراء تلك العقوبات، دفع طهران في أيار/ مايو 2019، لتدشين مسار الرد المتدرج على الإجراءات الأميركية، حيث بدأت تتحلل جزئيًا من بنود الاتفاق إلى أن أعلنت في أيلول/ سبتمبر 2019، أنها ستبدأ في تطوير أجهزة الطرد المركزي بما يتيح لها تسريع عملية تخصيب اليورانيوم.
لم تفصح إيران حينها عن المواقع النووية التي ستحتضن هذا التطوير، ما أبقى مكان التطوير مجهولًا إلى أن وقع انفجار في مبنى فوق الأرض يتبع لمنشأة نطنز يوم الخميس 2 تموز/ يوليو 2020. رد الفعل الإيراني الأول كان الإشارة في إطار توضيح أولي لماهية المبنى انه “مخصص لتجميع أجهزة الطرد المركزي”. وبعد ثلاثة أيام أكد المتحدث باسم الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية بهروز كمالوندي أن “الحادثة التي وقعت في المبنى ستبطئ مشروع إيران لإنتاج وتطوير أجهزة طرد متقدمة على المدى المتوسط”.

كيف تفجر المبنى؟

منذ اللحظة الأولى للإعلان عن تفجير المبنى في منشأة نطنز، تلاحقت التفسيرات والتأويلات لخلفية الحادث، لاسيما أنه ترافق مع تفجيرات وحرائق غامضة في إيران، بدأت من انفجار في منطقة بارشين ليل 25/ 26حزيران، قالت في حينه وزارة الدفاع إنه ناجم عن انفجار لأحد مستودعات الغاز في مقر للوزارة هناك.

ما فتح المجال أكثر لبحث المهتمين عن السبب الحقيقي وراء التفجير في نطنز هو الإحجام الرسمي الإيراني عن كشف السبب بعدما أكد علمه بها، مبررًا الإحجام بـ”الدواعي الأمنية”. وهو الأمر الذي قاد من جهة لاستبعاد الفرضيات الطبيعية من دائرة البحث والترجيح، والتركيز من جهة أخرى على الفرضيات التالية:

  • ضربة جوية

طرح عدد من المتابعين احتمال وقوع الانفجار بسبب ضربة جوية عن طريق طائرة مسيرة أميركية أو إسرائيلية، لكن سجل النجاحات التي قدمتها الدفاعات الجوية الإيرانية خلال السنوات الماضية والتي كان أخرها إسقاط طائرة “غلوبال هوك” الأميركية العام الماضي، فضلًا عن وقوع المكان المستهدف في وسط إيران لا يدعم هذا الاحتمال بقوة.

  • تخريب بأيدي داخلية

أرسلت جماعة تطلق على نفسها اسم “فهود الوطن” عبر الإيميل بيانًا لعدد من الصحفيين، تبنت خلاله المسؤولية عما حدث في المنشأة النووية، لكن هذا الإعلان وبرغم عدم استبعاده بشكل نهائي، إلا أن المهتمين لم يتناولوه بشكل جدي، لعدة أسباب منها نظام الحماية الذي بإمكانه الكشف عن أي حدث داخل نطنز.

  • هجوم سيبراني

من المعلوم أن ثمة مواجهة صاخبة من وراء الشاشات بين إيران من جهة وإسرائيل وأميركا من جهة أخرى، بدأت مؤخرًا، مع ما قيل إنه هجوم إيراني سيبراني استهدف البنية التحتية للمياه في إسرائيل، وهو الأمر الذي لحق به عدة أحداث في إيران منها اطلاق مدمرة دماوند صاروخ خاطئ أثناء مناورات في بحر عُمان، حسب الإعلان الإيراني. ثم تحدثت إسرائيل من خلال وسائل إعلامها غير الرسمية عن تعطيل أجهزة الحاسوب في ميناء “شهيد رجائي” الإيراني، نتيجة هجوم سيبراني إسرائيلي.

ولم يستبعد الكتاب الإسرائيليون وغيرهم أن يكون تفجير بارشين ناجم عن هجوم سيبراني، كذلك الحريق الذي أصاب مركز سينا أطهر الطبي في طهران الأسبوع الماضي.
بناءً على ما تقدم في هذا السياق، تبقى فرضية الهجوم السيبراني الإسرائيلي أوالأميركي حاضرة بقوة وإن كان الخبير الإيراني في الشؤون الدولية مصطفى خوش جشم يُسقطها من الحسابات، قائلًا لصحيفة “ستاره صبح” الإصلاحية، إن “المستودع كان قيد الإنشاء ولم يتم وصل الانترنت إلى النظام الداخلي فيه حتى اللحظة”.

  • عملية أمنية

أمام السيناريوهات المذكورة أعلاه، ظهرت فرضية جديدة، إذ نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية الاثنين تقريرا نقلت فيه عن مسؤول استخباري في منطقة الشرق الأوسط قوله إن “إسرائيل هي المسؤولة عن الانفجار الذي وقع داخل منشأة نطنز النووية الخميس الماضي”. وبحسب التقرير فإن المسؤول أكد أن العملية تمت من خلال زرع عبوة ناسفة شديدة الانفجار داخل المنشأة النووية المستهدفة.

وبالعودة إلى سجل المواجهة الإسرائيلية- الإيرانية على الصعيد الأمني، لا يمكن إغفال حدوث هكذا عمليات تفجيرية في إيران، وإن كانت سابقاً قد استهدفت شخصيات إيرانية تعمل في المجال النووي. كما أن القدرة السيبرانية لدى إسرائيل قد تكون ساعدتها على تخطي عثرة المراقبة الداخلية للمنشأة إن كانت موجودة، بما يمكنها من وضع العبوة في داخل المنشأة دون كشفها.

في المقابل، وفِي اطار مسلسل التسريبات المستمر، شبهت يديعوت احرونوت الإسرائيلية بين ما يحدث في إيران وما حدث في سورية خلال السنوات الماضية من خلال العمليات الجوية “المنسوبة إلى إسرائيل ضد أهداف إيرانية” على حد تعبير الصحيفة.
“القاسم المشترك لسلسلة من الأهداف التي تم ضربها مؤخرًا في إيران – نتيجة للحوادث أو الضربات – هو أن هذه أهداف بنية تحتية وطنية”، كتبت الصحيفة مضيفة أن اثنان منهما ينتمون إلى المشروع النووي الإيراني: مختبر تطوير أجهزة الطرد المركزي من الطراز المتقدم في نطنز، ومنشأة لإنتاج الصواريخ البالستية في منطقة بارتشين.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: