الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة4 يوليو 2020 18:53
للمشاركة:

تفجيرات غامضة: هل نحن وسط حرب صامتة بين إيران وإسرائيل؟

تفجيرات إيران الغامضة.. هل تشن تل أبيب حربها السيبيرية القاسية على طهران؟

أسبوع من الغموض سيطر على إيران منذ ليل ٢٦ حزيران/ يونيو وحتى كتابة هذه الكلمات دون أن يتمكن أحد من حل شيفرة سلسلة أحداث غير مترابطة جغرافيا ويجمعها سياق تحليلي يربطها بالصراع المستمر بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة ثانية.

منتصف ليل 25/26 حزيران/ يونيو تتناقل حسابات التواصل الاجتماعي الإيرانية صورة لضوء برتقالي يضيء منطقة شمالي شرق طهران. الفيديو الأول ظهر فيه شخص يتحدث عن وقوع انفجار في منطقة بارديس، ثم فيديو ثان وثالث، وبدأت الأخبار تتواتر.

 الصحفية في نيويورك تايمز الأميركية الإيرانية، فرناز فصيحي غردّت على حسابها على تويتر في وقت لاحق تلك الليلة مشيرة إلى أن بعض التقارير تشير إلى أن الموقع الذي حصل فيه الانفجار هو بارشين، وهذا موقع عسكري توجه اتهامات لطهران بأنها قامت فيه بنشاطات نووية. بارشين عينه كان نقطة كبيرة خلال المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة خمسة زائدا واحدا، إذ كانت المطالبات بشكل دائم من إيران بالسماح بدخول المفتشين إليه في ظل رفض إيراني مستمر.

كانت التقارير تتناقل عبر وسائل التواصل دون أي تأكيد رسمي حتى ظهر خبر على وكالة فارس المقربة من الحرس الثوري يتحدث عن مشاهدة المواطنين الإيرانيين لضوء برتقالي دون تحديده، القناة الإخبارية التابعة للإذاعة والتلفزيون في إيران نشرت الخبر، وخلال دقائق قليلة كانت المواقع الإيرانية تقدم تدريجا سردية إيرانية رسمية للحدث مفاده أن انفجارا وقع في خزان للغاز، وحسمت وكالة أنباء “ايسنا” شبه الرسمية أن الانفجار في شرق طهران ناجم عن انفجار خزان غاز صناعي بإحدى منشآت وزارة الدفاع. ليخرج المتحدث باسم وزارة الدفاع الإيرانية في تصريح للتلفزيون الإيراني ويؤكد أن الانفجار وقع في مخزن للغاز الصناعي بأحد مواقع الوزارة في منطقة بارشين شرقي العاصمة.

كان لافتا مسارعة السلطة الإيرانية للتعامل وتقديم سرديتها للحدث وبالتالي الحد من عملية التكهن والتوقع والشائعات، ولكن السؤال الذي كان يُطرح في غير مكان، ما الذي تسبب حقا في الانفجار؟ هل كان حقا تسربا للغاز أم أن المعركة انطلقت رحاها كما فوق الحزام تحته. أمر إضافي تحدثت عنه بعض الأوساط في طهران، هل شهدت تلك الليلة واقعا انفجارا واحد أم انفجارين؟ فناحية بارديس التي قيل بداية إن الانفجار وقع فيها تبعد عن بارشين ما يقارب ال50  كلم. هذا التساؤل عززه تقرير لنيويورك تايمز تقول فيه إن الانفجار وقع في منشأة خجير للتصنيع الصاروخي شمالي بارشين، ونشرت الصحيفة صورة أقمار صناعية عن موقع Planetlabs تشير فيه إلى وجود آثار انفجار على الموقع المذكور. لكن لم يستطع أحد تأكيد أو نفي هذه المعلومة.

تفجيرات غامضة: هل نحن وسط حرب صامتة بين إيران وإسرائيل؟ 1

وبينما الانشغال في تحديد مكان ونوعية الانفجار كانت الصحافة الإسرائيلية تلمح إلى إمكانية ان يكون الهجوم سيبرانيا لكنها رمت المسؤولية فيه على الغرب، على حد ما كتب ألكس فيشمان في يديعوت أحرونوت.

خلال أيام كانت سماء طهران تشتغل مجددًا بلهيب انفجار في منطقة تجريش شمالي طهران. تسرب في خزانات الاوكسجين في مركز سينا أطهر الصحي ليلة 30 حزيران/ يونيو أدى للانفجار، جاءت الرواية الإيرانية سريعا قبل حتى أن تبدأ التكهنات، وقبل حتى الإعلان عن عدد الضحايا الذين وصل عددهم إلى 19. لكن هذا لم يمنع التكهنات ربطا بالحادثة السابقة، مع ذلك لم يكن هناك من فرضيات قوية وصلبة في ظل حقيقة أن المنطقة مفتوحة للعامة والمركز الطبي هناك معروف ومن غير الممكن أن تكون في المنطقة منشآت لأغراض عسكرية أو نووية.

صباح الأول من تموز حمل تصريحا مقتضبا ولافتا من المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي، “حادثة في احدى المستودعات قيد الانشاء خارج مبنى مفاعل نطنز النووي دون خسائر بشرية أو خطر أو تأثير على نشاط المنشأة، والجهات ذات الصلة من الخبراء تتحقق من أسباب وقوع الحادثة.” أعلن الإيرانيون عن الحادثة قبل أن تُسرّب، بدا واضحا من خلال سياق ثلاثة أحداث أن طهران تسلك مسارا جديدا في التعامل مع الأحداث، لكن السؤال الذي أصبح ملحا في تلك اللحظة، ما الذي يربط الأحداث ببعضها البعض وهل ما يحصل هو نتيجة هجوم سيبراني إسرائيلي أو أميركي؟ أو أن هجمات بأشكال مختلفة وقعت خلال الأيام الماضية، أو أن كل ما حدث كان بالصدفة؟

تفجيرات غامضة: هل نحن وسط حرب صامتة بين إيران وإسرائيل؟ 2

حادثة مفاعل نطنز ثبتت لدى الكثيرين نظرية اليد الخارجية، رغم أن بيانا جرى توزيعه عبر الإيميل إلى عدد من الصحفيين حمل تبنيا صريحًا من قبل جماعة تسمي نفسها فهود الوطن، قالوا إنهم وراء الهجوم على مفاعل نطنز. لم يؤخذ الإعلان بشكل جدي من قبل معظم الأطراف ووسائل الإعلام لأسباب عديدة منها أن المفاعل في نطنز محمي بشكل كبير ومزود بكاميرا كان بإمكانها الكشف عن أي حدث من الداخل، رغم عدم استبعاد الفكرة بشكل نهائي.

تفجيرات غامضة: هل نحن وسط حرب صامتة بين إيران وإسرائيل؟ 3

مجددا تقفز إسرائيل إلى الواجهة، هيئة البث الرسمية الإسرائيلية (كان 11) نقلت عن مصدر عسكري إسرائيلي إن التفجير في مفاعل نطنز النووي الإيراني “جزء من مساعي إحباط البرنامج النووي الإيراني” وأن الحديث يدور عن “تأخير في البرنامج النووي الإيراني، لكن ليس لفترة طويلة فلدى إيران 1700 كيلوغرام من اليورانيوم المخصّب، وهي كمية لم تكن موجودة عندها من قبل وهذا قرّبها من العتبة النووية أشهرًا. بدوره علّق ألون بن ديفيد، المراسل العسكري للقناة ١٣ على الأمر مشيرا إلى حذر في إسرائيل من الرد الإيراني ومؤكدا في الوقت عينه أن التفجير “استهدف “مختبرًا جرت فيها اختبارات على أجهزة طرد مركزي أكثر تطورا وتسرّع من وتيرة تخصيب اليورانيوم، وكانت ستُنصب في المنشأة تحت الأرض”. كما قال بن دايفيد إن التفجير “أدّى إلى ضرر كبير للبرنامج النووي الإيراني” شارحا أن الانتقال إلى مرحلة متطورة من أجهزة الطرد المركزي هو المرحلة المقبلة لإيران. بن دافيد حذّر من أن الاستعداد لا يجب أن يكون لرد إيراني ميداني أو عسكري عبر إطلاق الصواريخ ، “إنما لردّ إيراني سيبراني”. وهو الأمر الذي وضعه رئيس معهد الأمن القومي الإسرائيلي عاموس يدلين على رأس سيناريوهات الرد الإيراني المُتوقع في حال اتهام إسرائيل بالمسؤولية عن هذه الأحداث، لكن يدلين في الوقت نفسه وسع مروحة توقعاته، مضيفًا إمكانية الرد الإيراني عن طريق ضربة صاروخية من سوريا أو هجوم من وراء البحار.

الهجمات السيبرانية فرضية تحدثت عنها وكالة رويترز نقلا عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين. كما أن وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية “ايرنا” نشرت تقريرا مفصلا تناول ما وصفه باحتمال قيام أعداء مثل إسرائيل والولايات المتحدة بأعمال تخريب، على الرغم من أنه لم يصل إلى حد اتهام أي منهما بشكل مباشر.

وبحسب “ايرنا” فإن إيران تحاول التصدي للأزمات المتفاقمة والظروف والأوضاع التي لا يمكن التنبؤ بها… “لكن تجاوز الخطوط الحمراء لجمهورية إيران الإسلامية من الدول المعادية، وخاصة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، يعني أنه يجب مراجعة الاستراتيجية“.

لكن انفجارا جديدا ما لبث أن وقع يوم السبت 4 تموز/ يوليو في منشأة للإنتاج الكهرباء في زرقان في الأهواز. الرواية الرسمية تحدثت عن ارتفاع في حرارة الماكينات أدى إلى نشوب الحريق. تبع هذا الانفجار تسربا لمادة الكلور من أحد المصانع البتروكيمياوية. مجددا لا رابط جغرافيا بين الأحداث، إلا أن السياق يبدو وكأنه جبّ الجغرافيا لصالح عوامل أخرى عديدة، على رأسها المواجهة بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل.

هل هي حرب سيبرانية؟

لا يبدو سهلا اقناع أحد بأن ما يحدث هو نتيجة صدف متتالية، حتى ولو كانت كذلك فمن المستبعد أن نجد من يتبنى هذه السردية بقلب قوي. الحرب السيبرانية تبدو حاليا في حالة استعار، بل ومنذ بداية العام 2020 أحداث عديدة وقعت وتمحورت حول هذا النسق من الحروب.

* فشل إيران في إطلاق قمر صناعي في فبراير 2019، بالتزامن مع هجمات سيبرية عطلت الإنترنت في العديد من مناطق البلاد

* اتهام إسرائيل لإيران بالمسؤولية عن محاولة استهداف البنية التحتية للمياه في إسرائيل

* المدمرة الإيرانية دماوند تطلق صاروخا بالخطأ على قطعة بحرية وتقتل 18 شخصا

* إعلان إسرائيل عبر وسائل الاعلام أنها المسؤولة عن اختراق سيبراني استهدف ميناء الشهيد رجائي في بندر عباس، وهو الميناء الذي يحتضن المدمرة والقطع البحرية.

* هجوم سايبراني واسع النطاق شنته إيران على المواقع الإسرائيلية بمناسبة يوم القدس العالمي.

هذا غيض من فيض الهجمات المتبادلة، وليس عجيبا أن يكون الضرب قد بدأ تحت الحزام بشكل أكثر قسوة، لكن الغريب حتى اللحظة غياب حسم من قبل أي من الطرفين أو ربما أطراف أكثر لحقيقة ما يجري. هل تشن إسرائيل حربها السيبرانية القاسية على إيران؟ وهل لدى إيران التوازن المطلوب لردع خصومها بحيث تثبت معادلة جديدة؟ حتى اللحظة لا يبدو الأمر متجها نحو التهدئة، وإن كان صخب الهدوء الذي يحيط بهذا النوع من الحرب ينبئ بمسار طويل لن يكون الانتهاء منه بسهولة حسم المعارك خلف السواتر وفي قلب الأنفاق.

*تصحيح: ورد في المقالة أن زرقان اختيرت في العام ٢٠١٣ لبناء مفاعل نووي كان من المفترض أن يعمل على انتاج المواد الطبية والزراعية. الصحيح أن زرقان التي اختيرت كانت في محافظة فارس بالقرب من مدينة شيراز، لذا جرى حذف المعلومة وإضافة هذا التوضيح.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: