الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة4 يوليو 2020 14:36
للمشاركة:

مصطفى شمران… مؤسس الحروب الإيرانية غير النظامية

شخصيات إيرانية.. 360 ْ كما لم تعرفها من قبل

من طالب ثائر ضد نظام الشاه في أروقة الكلية الفنية في جامعة طهران، وأكاديمي وباحث في مجال الفيزياء الحيوية والهندسة في الجامعات الأميركية، إلى مؤسس حركة المحرومين مع موسى الصدر في لبنان، ثم إلى نائب في البرلمان الأول بعد الثورة، ووزير دفاع لإيران خلال الحرب العراقية-الإيرانية، ومشارك في تأسيس الفصائل المقاتلة الحليفة لإيران في لبنان وفلسطين. من هو مصطفى شمران، الذي لقبه الإمام الخميني بـ “حمزة عصره”.

مصطفى شمران… مؤسس الحروب الإيرانية غير النظامية 1

النشأة والتعليم

ولد مصطفى شمران عام 1932، في مدينة قم، قبل أن تنتقل عائلته إلى طهران ليكمل طفولته وشبابه هناك، حيث حصل على شهادة البكالوريوس عام 1957 من قسم هندسة الالكترو – ميكانيك التابع للكلية الفنية بجامعة طهران، ثم لينتقل بعد ذلك لجامعة تكساس الأميركية التي قدمت له منحة دراسة شهادة ماجستير بدرجة امتياز في الهندسة الكهربائية، ثم انتقل إلى جامعة بيركلي بكاليفورنيا، فحاز منها عام 1963 على شهادة دكتوراه بتقدير ممتاز في الالكترونيات والفيزياء الحيوية.
درجات شمران العلمية، قادته للعمل كباحث وأكاديمي في الجامعات الأميركية، إلى جانب عمله في مختبرات بيل، ومختبر الدفع النفاث التابع لوكالة “ناسا” الأميركية لعلوم الفضاء.

النضال الجامعي

بدأ النشاط السياسي والاجتماعي لشمران منذ شروعه في الدراسة بالكلية الفنية بجامعة طهران، حيث كانت كليته أنذاك تشهد تحشيد وتعبئة القوى الدينية في مقابل حزب توده الشيوعي. في تلك المرحلة، برز كعضو فاعل، وبعد الحركة الانقلابية التي أطاحت برئيس الوزراء الإيراني السابق محمد مصدق في آب/ أغسطس 1953، بدأ جمع من رجال الدين والسياسة في إيران التأسيس لنهضة المقاومة الوطنية، فأصبح شمران ممثل الكلية الفنية في هذه النهضة. واستمر في نشاطاته الاحتجاجية داخل الكلية وخارجها، ومن أبرز فعالياته في هذا الإطار كان الاعتراض على زيارة نائب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى طهران بعد الانقلاب المعروف بانقلاب “مرداد”، وهو الأمر الذي أدى لإصابته بجراح طفيفة، بعد إطلاق قوات الشاه النار على المعترضين في ممرات الكلية.
مسيرة شمران الدراسية في أميركا، لم تثنهِ عن خوض المعارك السياسية ضد نظام الشاه، حيث لمع دوره كأحد مؤسسي اتحاد الطلاب الإيرانيين في أميركا. كذلك، تمثل حضوره السياسي في إصدار مجلة فكرية بعنوان “جبهة”، ومجلة خبرية عنوانها “الجبهة الوطنية في أميركا”.
كما برزت مشاركته الفاعلة في التظاهرات الكبرى والواسعة التي نظمها الطلبة الإيرانيون في أميركا احتجاجًا على زيارة الشاه محمد رضا بهلوي للولايات المتحدة عام 1963، لا سيما أن هذه الزيارة جاءت مباشرة عقب مذبحة قام بها الشاه محمد رضا بهلوي ضد المتظاهرين الذين خرجوا احتجاجًا على اعتقال آية الله الخميني بعد إلقاء الأخير خطبة هاجم فيها الشاه ونظامه الحاكم، وقد عُرفت هذه المظاهرات باحتجاجات الخامس عشر من خرداد.

مصطفى شمران… مؤسس الحروب الإيرانية غير النظامية 2

في رفقة موسى الصدر

من الولايات المتحدة إلى مصر، حيث استقر مصطفى شمران فيها، ليتعلم في زمن الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر أساليب الحروب غير النظامية، وقد أسس في هذا المضمار أول قاعدة عسكرية في مصر خلال السنوات السبع التي قضاها هناك، قبل أن يدعوه في عام 1970 مؤسس حركة المحرومين اللبنانية المعروفة اليوم باسم “حركة أمل” موسى الصدر لمرافقته في طريق النضال السياسي، فبرز دوره في تلك الفترة إلى جانب الصدر في النشاطات الاجتماعية والثقافية لإحقاق حقوق الطائفة الشيعية المضطهدة آنذاك بلبنان.
عن هذه الفترة يكتب مصطفى شمران في مذكراته: “لقد كنت أحيا حياة رغدة في أميركا، وكنت أملك شتى الإمكانات، لكنني طلقت اللذائذ ثلاثاً، وذهبت إلى جنوب لبنان حتى أعيش بين المحرومين والمستضعفين وأتذوق فقرهم وحرمانهم، وافتح قلبي لاستقبال آلام وهموم هؤلاء البؤساء. لقد أردت أن أظل دائماً في مواجهة خطر الموت تحت القنابل الإسرائيلية”.
لم يتوقف نشاط شمران في لبنان على الشق الاجتماعي والثقافي، بل توسع إلى العمل العسكري، فبدأ بتأسيس خلايا عسكرية لحركة أمل، وفي هذا المضمار يُنسب إليه تدريب القوات التي فجرت أول دبابة إسرائيلية في منطقة بنت جبيل بجنوب لبنان، كما أن الأمين العام الحالي لحزب الله اللبناني حسن نصر الله تعلم تحت يدي مصطفى شمران عندما كان ناشطًا في حركة أمل وهو في سن الـ15 عامًا. كذلك، ارتبط شمران بعلاقة طيبة مع الحكومة السورية برئاسة حافظ الأسد آنذاك، الأمر الذي شكل مصدرًا لدعمه خلال سنوات وجوده في لبنان قبل أن يعود لإيران.

مصطفى شمران… مؤسس الحروب الإيرانية غير النظامية 3

إلى إيران من جديد

عاد شمران إلى إيران مرة أخرى في أعقاب هروب الشاه، وانتصار الثورة الإيرانية بقيادة الخميني عام 1979، ومع بدء الحركة الانفصالية للأكراد بعد انتصار الثورة بثمانية أيام، تم تكليفه إلى جانب العميد فلاحي قائد القوات الجوية بحل الأزمة بطريقة سلمية، وبالفعل لعب شمران دوراً مهمًا في إنهاء هذه الحركة وتسوية المسألة. وفي العام نفسه، عُين جمران وزيرًا للدفاع بأمر من الخميني، ليبدأ في تنقية الجيش الإيراني على أسس جديدة رسمها بنفسه، إلى جانب اهتمامه بالأبحاث العسكرية والصناعات الدفاعية، انطلاقًا من رغبته في تحويل الجيش إلى مؤسسة ثورية.
وفي أول انتخابات للبرلمان الإيراني بعد الثورة رشح شمران نفسه عن دائرة طهران بشكل مستقل، فحصل على مليون صوت، الأمر الذي سمح له أن يمثل الدائرة في البرلمان، وفي تلك الفترة عينه الخميني مستشارًا لمجلس الدفاع القومي.
وبعد اندلاع الحرب العراقية- الإيرانية، ترك شمران قاعات البرلمان، متوجهًا لساحات القتال ضد الجيش العراقي بقيادة الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، وساهم في إطلاق حرب العصابات في مدينة الأهواز للتصدي للقوات العراقية التي كادت أن تُسقط تلك المنطقة، وأنشأ هيئة الحرب غير النظامية بالاشتراك مع مقاتلي كردستان، وقد نجحت خطة شمرا في دفع الجيش العراقي للانسحاب أكثر من 6 كيلومتر من المدينة. كما كان له دور حاسم في استعادة مدينة خرمشهر. نهاية مسيرة شمران كانت بعد نجاحه باستعادة مدينة سوسنجرد عام 1981. فأثناء وضعه خطة السيطرة على منطقة الدهلاوية، أُصيب شمران بشظية في قدمه، ليفارق على إثرها الحياة، وليترك حضورًا مؤثرًا بعد هذا الرحيل، يمكن تلّمسه في الطريق بين طهران وبيروت.

مصطفى شمران… مؤسس الحروب الإيرانية غير النظامية 4
جاده ايران تلغرام
للمشاركة: