الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة14 يونيو 2020 16:17
للمشاركة:

لهذه الأسباب الاتفاق النووي لم يمت!

استعرض الكاتب الأميركي مارك فيتزباتريك تفاصيل تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول برنامج إيران النووي الصادر مطلع الشهر الحالي، لكن الخروقات التي أشار إليها التقرير ليست كافية بحسب مقالة فيزباتريك المنشورة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية للحكم على الاتفاق النووي بالموت، موردًا عدة مؤشرات تخدم هذه الخلاصة. كما ورد في نص المقال الذي ترجمته جاده إيران

تكشف التقارير الأخيرة الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفاصيل الخروقات الإيرانية لبنود خطة العمل الشاملة المشتركة المنصوص عليها لعام 2015، وبالرغم من ذلك، يشير مارك فيتزباتريك إلى خطأ الظن أن الإتفاق النووي الإيراني قد مات على الرغم من هذه الخروقات.

نشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفاصيل الخروقات الإيرانية للبنود المتفق عليها بموجب نص الاتفاق النووي لعام 2015، والفشل الإيراني في الالتزام بإجراءات المراقبة المُلحقة بالاتفاق. كما نشرت الوكالة الآليات الإيرانية المتخذة حاليًا والمتعلقة بمزيد من الضمانات وإجراءات المراقبة طبقًا لخطة العمل الشاملة المشتركة المتفق عليها 2015، ولن نجزم أن كل شيء على ما يرام طبقًا لمبدأ بوليانا، ولكن من الخطأ أيضًا أن نجزم أن كل شيء خطأ.
ببساطة، يجب الاعتراف بأن الخروقات الإيرانية لبنود خطة العمل الشاملة المشتركة هي رد فعل محسوب على انسحاب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي في مايو آيار من العام 2018. خلال الصيف الماضي، تجاوز إنتاج إيران من اليورانيوم منخفض التخصيب حد 202.8 كجم (في الغالب يتم الإشارة إلى 300 كجم من هيكسا فلوريد اليورانيوم). والآن، راكمت إيران 1571.6 كجم من اليورانيوم منخفض التخصيب وتقوم بتخصيب 483 كجم فقط من هذه الكمية بنسبة 2% أو أقل، ما يعني أن إيران بعيدة بنسبة 90% عن الكمية المطلوبة لصناعة قنبلة نووية. لكن، 1085 كجم المتبقية من اليورانيوم المنخفض التخصيب لو تم تخصيبها بنسبة اخرى يضع إيران نظريًا على بعد أشهر من امتلاك قنبلة نووية واحدة.
كمية مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب في إيران تبدو مثيرة للقلق، لكن، لنتذكر أن قبل خطة العمل الشاملة المشتركة كانت تملك إيران 9000 كجم من اليورانيوم المنخفض التخصيب وهذا ما كان يكفي لصناعة عدة قنابل نووية دفعة واحدة، أما الآن، وبنفس معدل الإنتاج الحالي تحتاج إيران لثلاث سنوات للعودة لسابق مخزونها.
أبقت إيران على عدد أجهزة الطرد المركزي في المفاعل النووي الرئيسي نطنز عند حد 5060 المنصوص عليه في خطة العمل الشاملة المشتركة. إلا أن إيران منذ يناير استخدمت 1044 جهاز طرد مركزي في منشأة تخصيب بمدينة فوردو، وفي خرق آخر لبنود الخطة، أعلنت إيران أنها ستقوم بتركيب مجموعة من أجهزة الطرد المركزي في منشأة تخصيب تجريبية صغيرة في نطنز، ولم تحدد نوع أجهزة الطرد التي ستقوم بتركيبها هناك. إلا أن إيران تستخدم قرابة 100 جهاز طرد مركزي بتصميمات متطورة ومختلفة في المحطة التجريبية.
لا يمكن الجزم بمعرفة إذا كانت طريقة عمل أجهزة الطرد المركزي المتطورة ستؤدي إلى زيادة نسب المخزونات من اليورانيوم أم لا، ولكن يمكن النقاش حول ما إذا كانت خطط إيران البحثية والتطورية ستأتي بثمارها، خصوصًا أن اختبار إيران لـ 14 نوعًا جديدًا ومختلف من أجهزة الطرد المركزي المتطورة قد يعني أننا أمام طريقة تفكير غير منظمة.
لكن، وإن كان لا ينبغي التقليل من شأن خروقات مستويات التخصيب، فالتقارير الأخيرة للوكالة الدولية لطاقة الذرية تشير أن إيران تلتزم بنقاط خطة العمل الشاملة على عدة أصعدة، فإيران لم تقم بأي نشاط يتعلق بالمعالجة، ولم تستأنف العمل في مفاعل أراك -للماء الثقيل- المثير للجدل حول تصميمه ولم تقم بإنتاج أي وقود لتشغيله.
كما أن إيران تسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بمراقبة تصنيع وتخزين وتشغيل جميع أجهزة الطرد المركزي، ومراقبة إنتاج مسحوق اليورانيوم الخام (الكعكة الصفراء – تستخدم لصناعة وقود المفاعلات النووية) وتخزينه والمياه الثقيلة (تتراكم بمعدل يفوق 300 طن)، ولضمان إجراءات الشفافية تسمح إيران للوكالة بمراقبة شاشات التخصيب الإلكترونية والاطلاع على مصادر البيانات (الأختام الإلكترونية)، والسماح باستخدام الجمع الآلي لتسجيلات القياس، وتوفير اذونات دخول طويلة الأجل وأماكن عمل خاصة بالمفتشين.
تطبق إيران البروتوكول الإضافي مؤقتًا على البنود المنوطة بالقيام بها في ضوء الاتفاقية (وإن لم يكن ذلك يرضي الوكالة كما سنوضح أدناه). تشير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن مراقبتها ورصدها للالتزامات الإيرانية الأخرى المتعلقة بخطة العمل الشاملة المشتركة لا تزال مستمرة. وعلى الرغم من الوضع الاستثنائي الذي تفرضه جائحة فيروس كورونا، أشادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتعاون الاستثنائي للسلطات في النمسا وإيران التي يسرت مهمة الوكالة ومكنتها مِن القيام بمهمة التحقق والمراقبة. باختصار، على عكس التكهنات المبكرة، فإن خطة العمل الشاملة المشتركة لم تمت.
التفاصيل أعلاه متعلقة بمدى الالتزام الإيراني ببنود خطة العمل الشاملة المشتركة والتي تمت مناقشتها في أحد تقريرين قدمته الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى الدول الأعضاء في 5 حزيران يونيو، ونشر بشكل تفصيلي في صحيفة وول ستريت جورنال. إلا أن هناك تطورات مقلقة أخرى جاءت في تقرير ثانٍ قدمته الوكالة وفصلت فيه القضايا المتعلقة باتفاقية الضمانات التي دخلت حيز التنفيذ منذ 1974 والموقع عليها مِن إيران. وأعربت الوكالة عن قلقها البالغ إزاء الفشل الإيراني في التعاون مع الوكالة للتحقق مِن احتمالية وجود مواد نووية غير معلن عنها وأنشطة سابقة في ثلاثة مواقع.
ورفضت إيران السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالدخول إلى موقعين كانت تسعى الأخيرة للتفتيش فيهما عن أي نشاط نووي سابق عن طريق أخذ عينات بيئية. وتم تطهير الموقع الثالث بعناية شديدة بحيث لن يكون أخذ العينات البيئية مفيدًا. ولقرابة عام رفضت إيران التجاوب مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن أسئلتها المتعلقة باستخدام مواد نووية محتملة غير معلن عنها في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وما مصيرها منذ ذلك الوقت.
تدور أخطر الأسئلة المنتظر إجابتها عن مصير قرص فلز اليورانيوم والذي ربما تم استخدامه في إنتاج ثلاثي هيدريد اليورانيوم أحد العناصر الرئيسية لإنتاج الأسلحة النووية، كما تدور الأسئلة الأخرى عن كميات من خام اليورانيوم المحول التي لم يتم الكشف عنها، حيث هناك شكوك عن احتمالية استخدامها وتخزينها في موقع ربما تم إجراء تجارب انفجارية فيه.
الأنشطة المشار لها حدثت منذ 15 عامًا أو أكثر، أما اليوم، ليس هناك ما يشير إلى أنها مستمرة. ومع ذلك، فإن مدى التطور الذي حققته إيران في جهدها السابق في مجال الأسلحة النووية يظل سؤالًا مهمًا للغاية، وكذلك يظل التساؤل حول كيفية التخلص من المواد المعنية ومكانها. ولهذا يعد التزام إيران بالرد على أسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بند أساسي في خطة العمل الشاملة المشتركة. والفشل المستمر في الرد على أسئلة الوكالة وطلبات الوصول إلى بعض المنشآت بطريقة مقنعة سيؤدي حتمًا إلى اعتبار ذلك انتهاكا لبنود الاتفاق النووي وتقديم تقرير بهذا الشأن إلى مجلس الأمن.
“لن نرد على أي ادعاء بشأن أنشطة سابقة ولا نعتبر أنفسنا ملزمين بالرد على مثل هذه المزاعم”. هكذا ردت إيران على الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واستندت طهران في هذا الرد على التعامل الخاطئ مِن الوكالة في أواخر عام 2015 حيث قامت بإغلاق الملف المتعلق بمسألة الأنشطة النووية الإيرانية ذات “البعد العسكري المحتمل” من أجل السماح بالبدء في تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة. ولكن لم يكن هناك أي وعد بعدم التحقيق في الأنشطة السابقة مرة أخرى في حال ظهور معلومات جديدة وهو ما حدث. فقد سربت المخابرات الإسرائيلية “الأرشيف النووي” الإيراني أوائل عام 2018، وصارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ملزمة بالتحقيق في الأدلة الجديدة حول المواد والنشاطات النووية المحتملة وغير المعلنة.
القضية ليست قاصرة على البنود القانونية، ولكن، لها بُعد سياسي أوسع. فالشهر الماضي، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن إيران بدت بالفعل مستعدة لسماح بدخول مفتشين وأخذ عينات بيئية، لكن الأمر لم يحدث بسبب الخلافات السياسة الداخلية في إيران. فمحددات البيئة الداخلية تتأثر بطبيعة الحال بقوى الضغط الخارجي والتي ساهمت بشكل عام في تكوين شعور بأن إيران تتعرض للخداع. خصوصًا في ظل ضغط الولايات المتحدة لتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران ومواصلة فرض عقوبات جديدة. وفي الوقت نفسه، لا تزال أوروبا عاجزة عن التوصل ولو لهامش ضئيل من التعاملات المعفية من تلك العقوبات.
لكن وعلى عكس المخاوف، فالإيام الأخيرة حملت بعض الإشارات الإيجابية للإيرانيين، فلم تحاول الولايات المتحدة اعتراض ناقلات النفط الإيرانية المُرسلة إلى فنزويلا. كما شهد الأسبوع الماضي إطلاق الولايات المتحدة سراح إيرانيين كانوا محتجزين بتهم خرق العقوبات. كما شكر الرئيس ترامب إيران على الإفراج المتبادل عن سجين أمريكي، وأبدى استعداده لمفاوضات جديدة. على الرغم من أن الاتفاق المُرضي الذي يروج له لم يترجم على الورق، إلا أن هناك فرصة لمنع الوضع من الانهيار. إن الخروقات التي كشفت عنها تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لها أهمية ولكن لا تشكل خطورة بالغة. لذا ليس هناك حاجة لنظر لنصف الكوب الفارغ والتخلي عن النظر لنصف الكوب الممتلئ.

المصدر/ المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: