الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة13 يونيو 2020 08:00
للمشاركة:

روسيا وإيران.. لنكن رفقاء أيام الحرب وشركاء في السلام

لا تُعارض إيران السعي الروسي الهادف لتثبيت قدم موسكو على المسرح الدولي، بل إن طهران لا تزال تتعاون معها في الساحة السورية التي عادت روسيا من خلالها لتتصدر المشهد، لكن هذا التعاون لم ينسحب حتى الأن على الشق الاقتصادي، حيث عقدت روسيا عدة اتفاقيات وصفقات ثنائية مع الدولة السورية، فيما بدأت إيران تتوجس من خروجها من هذه الساحة دون مكاسب اقتصادية بعد ما صرفته من أموال ودماء هناك. في هذا الإطار يدعو الاستاذ الجامعي والدبلوماسي الإيراني السابق محمد مهدي مظاهري للحذر من تهمشيش محتمل لدور إيران في سوريا، وذلك بعد أن سلط في مقالته بموقع إيران دبلوماسي المقرب من وزارة الخارجية الضوء على المصالح المتبادلة التي حققتها روسيا وإيران معًا في سوريا خلال السنوات الماضية.. إليكم نص هذا المقال الذي ترجمته جاده إيران

في ظل الظروف التي ينشغل العالم بها بسبب أزمة فيروس كورونا المستجد، وتواجهها الدول المختلفة، لم يتوقف عالم السياسة والأهداف والنوايا الجيوسياسية، ويتسابق قادة بعض الدول قدر الإمكان على اكتساب مكانة أفضل على صعيد التنافس الاستراتيجي. وفي هذا الصدد، رغم تبوء روسيا المرتبة الثالثة عالميًا بعد أميركا والبرازيل من حيث عدد الأشخاص المصابين بكورونا المستجد، لكن ذلك لم يمنع اهتمام روسيا بأزمة سوريا أو تغيّر تركيز وأولويات فلاديمير بوتين نحو المشاكل الداخلية.
أمر بوتين خلال الأيام الأخيرة، وزارتي الدفاع والخارجية بالتفاوض مع سوريا حول تملّك الجيش الروسي المزيد من الأراضي والمناطق البحرية. في حين أن موسكو ودمشق وقعتا في العام 2017 اتفاقية أخرى مدتها 49 عامًا، خُصص بموجبها قاعدة طرطوس مقرًا لـ 11 سفينة روسية، كما أن القاعدة مجهزة بمحطات وقود نووي، وخُطط أيضًا لتطوير قدرات إصلاح سفن القاعدة فيها. كما يمكن تمديد الاتفاقية تلقائيًا لمدة 25 عامًا أخرى. وبناء على هذا، لدى روسيا منشأتين عسكريتين دائمتين في سوريا؛ إحداهما القاعدة الجوية في محافظة اللاذقية، التي تُستخدم في شن غارات جوية على “الإرهابيين”، والأخرى هي القاعدة البحرية في طرطوس على شواطئ البحر الأبيض المتوسط.
لروسيا أسباب ومصالح عديدة لوجود طويل الأمد في سوريا؛ فهي تعارض النظام أحادي القطب وعودة أميركا إلى عصر قمّة قوّتها ونفوذها؛ لهذا تسعى إلى تعزيز تعددية الأطراف في العلاقات الدولية، وتوفير المزيد من الفرص لمزيد من أدوراها.
الأمر الآخر يرجع إلى محاولة روسيا للعودة إلى مكانة القوة العظمى في النظام الدولي، وفي إطار هذه الاستراتيجية، تسعى موسكو إلى تعزيز نطاق سيطرتها وتأثيرها في غرب آسيا، وظهر وبرز هذا التأثير خلال السنوات الأخيرة على الساحة السورية وبالطبع بمساعدة من إيران، وفقدان هذه المكان من الممكن أن يعني استبعاد مكانة روسيا من هذه المنطقة الجيوبولتيكية.
ومن ناحية أخرى، فإن الإجراءات الروسية تتماشى مع تحقيق عقيدتها للأمن القومي. حدّد بوتين في أثناء تنفيذ مبادئ وثيقة عقيدة روسيا الأمنية 2020 حماية محيط البلاد من التهديدات الخارجية بوصفها واحدة من أهدافه الجادة في السياسة الخارجية. في الواقع، ومن وجهة نظر موسكو، يُعتبر سقوط النظام السوري دخولٍ للناتو إلى الحديقة الخلفية للمصالح الروسية وإضعاف مكانتها واعتبارها وموقفها الدولي، بما يعد في النهاية فشلًا في تحقيق مبادئ عقيدة الأمن القومي الروسي.
لكن من حيث مصالح إيران بوصفها لاعب آخر جاد ومؤثر في سوريا، يجب القول إن نهج روسيا في الأزمة السورية كان له نتائج إيجابية عديدة على إيران حتى الآن، وأهمها المساعدة في إعادة السيادة نسبيًا إلى الحكومة السورية الرسمية كونها حليف استراتيجي لإيران. فسوريا تتمتع بأهمية أساسية لإيران بسبب تناغمها النسبي مع سياسات إيران المناهضة لأميركا وخاصة المناهضة للصهيونية، فضلًا عن تمتعها بجيوبولتيك خاص وفريد في منطقتي جنوب غرب آسيا والبحر المتوسط، ودعمها لفصائل المقاومة والدور الذي تلعبه في التطورات اللبنانية كداعم لحزب الله اللبناني، واستقرارها ووحدتها توفران إحدى المصالح الرئيسية لإيران.
نقطة أخرى هي أن دخول وتدخل روسيا في الأزمة السورية استطاع بطريقة ما تحقيق التوازن في الدور والمكانة الإقليمية والدولية لإيران، وإحباط جهود خصوم إيران وأعدائها للقضاء على دورها في المنطقة، بشكل عام، يشكل ظهور الجماعات الإرهابية في المنطقة تهديدًا مباشرًا وخطيرًا للأمن القومي الإيراني، وبناء على هذا فإن مساعدة روسيا في مكافحة الإرهاب والتطرف في سوريا يصب في مصلحة إيران أيضًا.
ومع ذلك، يتعين الانتباه إلى أن روسيا أثناء تعاونها مع إيران وسوريا، تولي اهتمامًا لمصالحها طويلة الأمد والإنجازات النسبية لهذا التعاون، ولن تدخر أي جهد يؤدي إلى نجاحها وأفضليتها في الساحة الجيوسياسية لغرب آسيا. ورغم أن روسيا كانت بحاجة ماسة إلى تعاون إيران ودعمها في بداية وجودها الفعّال في سوريا، كما أن المواجهة مع الجماعات الإرهابية في سوريا واستعادة حكومة الأسد السيطرة على أجزاء مختلفة من البلاد خلال السنوات الأخيرة تحققت بمساعدة القوات الجوية الروسية والقوات البرية الإيرانية، لكن في الوضع الراهن، وخاصة مع الضغوط التي يمارسها الكيان الصهيوني على روسيا، يبدو أن مصالح واحتياجات الروس لوجود إيران وتعاونها في سوريا قل إلى حد ما، وأثّر على الدور المستقل لإيران في سوريا إلى حد ما.
ومن ثمَّ وبالنظر إلى التحركات الروسية الأخيرة للتوقيع على اتفاقيات جديدة مع سوريا وتعزيز قواعدها في البلاد، فمن الضروري أن يحذر المسؤولون الدبلوماسيون والقوى المؤثرة الأخرى في المشهد السياسي السوري من التهميش المحتمل لدور إيران في سوريا، ويتفاوضوا ويخططوا على النحو الذي تنتهي فيه سنوات من التعاون والاستشارة وإنفاق إيران خلال ذروة الحرب وعدم الاستقرار في سوريا بإنجازات ملموسة ومصالح مستدامة خلال انتصار الحكومة السورية.

المصدر: موقع إيران دبلوماسي

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: