الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة10 أبريل 2020 08:22
للمشاركة:

كيف واجهت الحكومة الإيرانية جائحة كورونا؟

لم تكن إيران في حاجة إلى أزمة جديدة تتوج أزماتها العصيبة وتفرض تحديًا إضافيًا للنخبة الحاكمة في طهران. فخلال العام الإيراني المنصرم تفاقمت الأزمات بشكلٍ لافت، ليس بدءًا بتداعيات العقوبات الأميركية وسياسة "الضغوط القصوى" الخانقة، وليس بالطبع انتهاءًا باغتيال الفريق قاسم سليماني وإسقاط الطائرة الأوكرانية عن طريق الخطأ، وما توسطهما من كوارث طبيعية واحتجاجات شعبية وبعض الأحداث التي أضعفت ثقة الشعب بالحكومة، وهو ما جاء على لسان المرشد الإيراني علي خامنئي، في خطابه مطلع العام الإيراني الجديد، حيث وصفه بالعام "العاصف والصعب"، قائلاً إنه "بدأ بالفيضانات وانتهى بفايروس كورونا".

الأزمة الجديدة الأكثر حرجا، والتي تضاربت الروايات حول بدايتها الفعلية، بدأت وفق الرواية الرسمية قبيل موعد إجراء الانتخابات التشريعية بيومين، ففي 19 شباط/ فبراير الماضي، حيث أعلنت وزارة الصحة الإيرانية تسجيل حالتي وفاة بفايروس كورونا في مدينة قم لشخصين كانا قد وضعا تحت المراقبة بعد شكايتهما من التهاب رئوي حاد.
في اليوم ذاته أعلنت السلطات الإيرانية، تعطيل كافة المدارس والجامعات في المدينة تجنبا لانتشار العدوى.

اتسعت رقعة تطبيق القرار في 5 أذار/ مارس الماضي، ليشمل جميع المدارس والجامعات في كافة أرجاء البلاد وحتى نهاية العام وذلك مع ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات، كذلك تم إيقاف جميع الأنشطة الرياضية في البلاد. وكان اللافت أن السلطات التي قرّرت تعطيل المدارس والجامعات لم تفرض إجراءات الحجر الصحي على المناطق الموبوءة وفقًا لبروتوكولات منظمة الصحة العالمية، إلا انها دعت في المقابل المواطنين لتجنب السفر، كما أغلقت فنادق ومراكز لاستقبال السياح لثني الناس عن السفر.

ومع نهاية شهر شباط/ فبراير، أعرب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في تغريدة عبر حسابه في تويتر، عن قلقه على الإيرانيين، عارضًا مساعدة بلاده على الشعب الإيراني. إلا أن الطلب الأميركي قوبل بالرفض في طهران، إذ اعتبر نظيره الإيراني  محمد جواد ظريف أن “تفشي الفيروس قضية عالمية، حلّها يكون عبر التعاون بين دول العالم بلا تسيّيس”. كذلك رفض المرشد الإيراني علي خامنئي المساعدات الأميركية، خلال خطابه بمناسبة عيد النوروز، متهمًا واشنطن “بشن حربٍ بيولوجية ضد بلاده تستهدف الجينات الإيرانية بشكلٍ خاص”، فيما قال الرئيس روحاني، لاحقًا، إن “الزعماء الأمريكيون يكذبون.. إذا كانوا يريدون مساعدة إيران، فما عليهم سوى رفع العقوبات…، عندها سنتمكن من التعامل مع تفشي فيروس كورونا”.

ومع تعثر محاولات إيران في محاولاتها لرفع العقوبات الأميركية، وتجاوز حالات الإصابة حاجز9000 حالة، أقدمت إيران في 12 أذار/ مارس الماضي على خطوة فريدة من نوعها، طلب قرض طارئ من صندوق النقد الدولي بقيمة 5 مليارات لمواجهة الجائحة التي تعصف بالبلاد، وتعد هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها إيران للاقتراض من الصندوق منذ 60 عامًا.

في الأثناء، دفع تسارع وتيرة الإصابات وحالات الوفاة، المرشد الإيراني خامنئي، لإصدار مرسومٍ إلى رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة اللواء محمد باقري، يقضي بإنشاء مقر للصحة والعلاج لتنظيم خدمات المواطنين. وجاء المرسوم بالتزامن مع إصابة عدد من المسؤولين الإيرانيين بالفايروس، و”انطلاقًا من القرائن التي تذهب إلى احتمال أن يكون هذا الحادث هجومًا بيولوجيًا”، ليعلن باقري تباعًا إخلاء الأماكن العامة بالتنسيق مع وزارة الداخلية وحكام المحافظات. إلا أن المفاجأة كانت بتصريح الرئيس روحاني، بعد عدّة أيام، حيث قال، “لا يوجد هذا الشيء من أساسه، لن يكون هناك حجر صحي، لا اليوم، ولا في عيد النوروز، ولا بعده، ولا قبله”. وذلك بعد جلسة مشتركة للجنة الحكومية الاقتصادية مع ممثلين عن الناشطين الاقتصاديين ورجال الأعمال لمناقشة انعكاسات تفشي الفايروس على ظروف العمل في البلاد، حيث خلص المشاركون إلى التأكيد على ضرورة، أن “تسير الأنشطة الاقتصادية بشكلها المعتاد رغم الظروف الطارئة التي اوجدها فايروس كورونا وما يتطلبه من تطبيق التوجيهات الصحية”.

ومع انتهاء عطلة عيد النوروز، يوم السبت 4 نيسان/ أبريل، شهدت الشوارع في إيران اكتظاظًا حيث عادت العديد من الشرائح إلى مزاولة أعمالها، لاسيما بعد إبلاغ وزارة الصناعة والتعدين والتجارة الإيرانية بإعادة فتح جميع الأعمال والمراكز التجارية في البلاد، الأمر الذي عارضته وزارة الصحة بطبيعة الحال. ووفقًا لتصريحات وزير الصحة الإيراني سعيد نمكي خلال اجتماع اللجنة العليا للأمن القومي اخيرًا، فإن “حالة الذروة لتفشي الوباء ستسمر ليوم 9 نيسان/ أبريل”، لافتًا أنه سيبدأ بالتراجع بعد ذلك التاريخ بشهرين. وكان الرئيس روحاني قد أعلن خلال اجتماعه السبت 4 نيسان/ أبريل مع “لجنة مكافحة كورونا”، عن خطة “التباعد الذكي”، عوضًا عن خطة “التباعد الاجتماعي”، وذلك بناءًا على البروتوكولات الصحية، مبررًا خطوته بقوله، “حياة، ومعيشة وأعمال الشريحة الضعيفة في المجتمع ومستقبل أبنائنا تحظى بأهمية وأولوية تماما مثل صحتهم”.

ومع ما يعانيه القطاع الصحي في إيران نتيجة العقوبات الأميركية الخانقة، تكاثفت جهود المؤسسات الداخلية لمواجهة الجائحة، حيث تولت وحدات “الحرب الحديثة” التابعة للقوة البرية في الحرس الثوري الإيراني، مسؤولية تطهير وتعقيم الطرقات والشوارع والأماكن العامة في المدن الموبوءة لاسيما مدينة قم، كذلك أقدمت القوة البرية على إقامة مستشفيات ميدانية في مدن مثل قم وكاشان ومشهد، ووضعت مستشفياتها ال12 على امتداد البلاد، بكل معداتها وإمكانياتها تحت تصرف وزارة الصحة، كما أعلنت عن استعداد وحدات المروحيات التابعة لها في 10 محافظات لتقديم الخدمات الطبية ونقل المعدات الطبية إلى المناطق التي تحدّدها وزارة الصحة والمستشفيات التابعة لها.

في النهاية، وعلى الرغم من أن استجابة الدول للوباء تختلف وفقًا للعديد من الاعتبارات، إلا أنه و بمتابعة سريعة لمستجدات الجائحة العالمية، تجد أن إيران لم تقع وحدها في فخ سوء تقدير التبعات، فالفايروس التاجي أوقع أفضل الأنظمة الصحية في العالم في شباكه، كالنظام الصحي الإيطالي، فيما تجهد أميركا وبريطانيا لعدم انهيار أنظمتها الصحية مع تسارع وتيرة الإصابات وحالات الوفاة لديها.

كذلك لم تكن إيران الدولة الوحيدة التي أجرت عملية انتخابية بعد تسجيل حالات إصابة بالفايروس، فقد جرى ذلك في إسرائيل بتاريخ 2 آذار/ مارس الماضي، في إطار المساعي لتشكيل الحكومة وسط انتشار الفايروس في تل أبيب ووجود 9 آلاف مواطن في الحجر الصحي، أيضًا أجرت فرنسا الجولة الأولى من الانتخابات البلدية في 15 من الشهر ذاته بالتزامن مع انتشار الفايروس هناك. الجدير ذكره أيضًا أن إيران هي الدولة الأولى التي وصلها الفايروس بعد الصين، أي أنها واجهت الفايروس دون وجود رصيد كافٍ من الخبرات في مكافحة الوباء، فضلًا عمّا يعانيه قطاعها الصحي في ظل العقوبات الأميركية الخانقة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: