الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة7 مارس 2020 12:06
للمشاركة:

إيران واتفاقية السلام الأميركي مع طالبان.. هل تنجح الدولنة على حساب الأقلمة؟

كيف تنظر إيران لاتفاق السلام الأميركي مع طالبان؟

برغم إنفاق أميركا منذ ما يقرب من 1.5 تريليون دولار وخسائر بشرية بالألاف على حربها في أفغانستان، إلا أنها لم تجد سبيلاً للفوز في هذه الحرب المستمرة منذ 19 عاما. ما دفعها للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع تنظيم “طالبان” الذي شكّل الخصم الأساسي لها والذي كان سببًا في دخولها تلك الحرب بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2001.
القناعة الأميركية بحتمية عدم كسب الحرب، تمثلت في لقاء الدوحة الذي عُقد في 29 شباط/ فبراير الماضي، من أجل التوقيع على اتفاق إحلال السلام في أفغانستان بين أميركا وتنظيم “طالبان”، حيث يُتوقع وفق ما أُعلن من بنود أن يمهد هذا الاتفاق لإحلال سلام شامل في أفغانستان التي عصفت بها الحروب والمعارك الداخلية لأكثر من 3 عقود.

https://www.youtube.com/watch?v=QrzdubSagzM

الجدير ذكره، أن هذا الاتفاق أُبرم بتفاوض مباشر بين “طالبان” و واشنطن، دون أن يكون للحكومة الأفغانية المركزية في كابول أي دور فيه، كما أنه استبعد الأطراف الإقليمية المتأثرة بالأزمة هناك بما فيها إيران التي رفضت وفق صحيفة “اعتماد” الإصلاحية، تلبية دعوة قطر لحضور مراسم التوقيع على الاتفاق، الأمر الذي دفع للتساؤل عن حقيقة موقف طهران من هذا الاتفاق، إلا أن التساؤل لم يطل كثيراً، حيث أصدرت الخارجية الإيرانية بياناً رحّبت في بدايته بأي تطورات تُسهم في إحلال السلام والاستقرار في أفغانستان، مؤكدةً أنها تؤيد الجهود المؤدية للسلام والاستقرار في ظل القيادة الأفغانية وجميع التيارات السياسية بما فيها حركة طالبان. كذلك ربط بيان الخارجية الإيرانية إحلال السلام والأمن في أفغانستان بخروج القوات الأميركية، معتبراً أن وجودها في أفغانستان غير قانوني وأحد الأسباب للحرب وانعدام الأمن هناك. ثم عاد البيان وأشار إلى عدم وجود أي سند قانوني يمنح أميركا الحق في إبرام اتفاق سلام أو تحديد مستقبل أفغانستان.

لم يكن هذا الموقف الصادر عن طهران غريباً، لا سيما في ظل عملها منذ أكثر من عام لأقلمة عملية السلام والملف الأفغاني بين الدول المجاورة لأفغانستان أو المتأثرة بها جغرافيًا، وقد برز هذا العمل، خلال منتدى “الأمن الإقليمي”، الذي عُقد في طهران في 18 ديسمبر/كانون الأول 2019، بحضور أمناء ومستشاري الأمن القومي وكبار المسؤولين الأمنيين في إيران وروسيا والصين والهند وأفغانستان وطاجيكستان وأوزبكستان.

برغماتية إيران

بسرعة كبيرة انعكست تطورات الساحة الأفغانية على الساحة التحليلية في إيران، حيت تناول الكتاب وأصحاب الرأي هذا الاختراق الكبير في الملف الأفغاني من عدّة زوايا، موضحين الإيجابيات المتوقعة، إلى جانب تبيّانهم للمخاوف الإيرانية، ما فتح المجال لإدراك خلفيات الموقف الرسمي الإيراني الذي بدا متشككا من هذا الاتفاق. في هذا الإطار، رحّب المدير العام الأسبق بوزارة الخارجية قاسم محب علي، بالاتفاق الأميركي مع طالبان، وذكر في تصريحات لموقع “انصاف نيوز” الإصلاحي، أن واشنطن توصلت بعد عقدين من الحرب المستمرة في أفغانستان إلى قناعة مفادها أنها لا تستطيع الخروج من هناك، ولا تستطيع تحقيق أهدافها المرجوّة المتمثلة في قمع “طالبان” عبر السبل العسكرية، كما توقع محب علي في المقابل اقتناع “طالبان” بأنها غير قادرة من الانتصار في الحرب بالسبل العسكرية، وربما سعت إلى تحقيق أهدافها من خلال المسار السياسي بوساطة بعض الدول مثل قطر وباكستان، على حد قوله.

طهران ترغب من جهة في تحسين علاقاتها مع طالبان، نظرًا لأنها تدرك مكانة التنظيم في مستقبل أفغانستان، ومن جهة أخرى تبتعد تدريجيًا عن سياسية الإيديولوجية إلى السياسة الواقعية تجاه كابول

أما عن تأثير هذا الاتفاق على إيران، فرأى محب علي أن السلم والاستقرار هناك هو مصلحة لإيران والمنطقة، كذلك فإن التنمية في أفغانستان بحسب قوله ستساهم في انتعاش السوق الاقتصادية الإيرانية، لكنه في الوقت ذاته يجزم بأن إيران غير مهتمة بالسلام بين طالبان وأميركا.
من جانب أخر، أكد الصحفي الإيراني سياوش فلاحبور على النظرة الواقعية الإيرانية تجاه أفغانستان سياسيًا وأمنيًا، مضيفاً في حديث لـ “جاده إيران” أن طهران ترغب من جهة في تحسين علاقاتها مع طالبان، نظرًا لأنها تدرك مكانة التنظيم في مستقبل أفغانستان، ومن جهة أخرى تبتعد تدريجيًا عن سياسية الإيديولوجية إلى السياسة الواقعية تجاه كابول، ولهذا تُرحّب وفق رأيه، بأي اتفاق يثمرعن ارتفاع مستويات الاستقرار في أفغانستان فضلًا عن خروج القوات الأميركية منها. كذلك، يلفت فلاحبور، إلى أن إيران على الرغم من أنها لم تكن محاطة علمًا بالمفاوضات بين الجانبين الأميركي وطالبان، لكن هذا لا يعني بالضرورة فقدانها لأي دور أو تأثير في إبرام الاتفاق، والدليل على ذلك الزيارات المتكررة للمسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، إلى كابول، على حد قوله.

اتفاق لأغراض انتخابية

على عكس ما يراه المحلل السياسي في صحيفة “النهار” اللبنانية هشام ملحم، من أن اتفاق الدوحة، يعكس من جملة ما يعكسه إحباط واستياء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مما يسميه عن حقل “الحروب التي لا نهاية لها”/ والتي يقصد بها الحربين الأطول في تاريخ الولايات المتحدة: أفغانستان والعراق، يعتقد الأستاذ الجامعي الإيراني جلال خوش تشهره، أن اتفاق الدوحة لا يشكل خطوة استراتيجية لإنهاء الحروب المستمرة في أفغانستان، وإنما خطوة تخدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، للخلاص من مخاوف أفغانستان حتى انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر القادم. وعليه، فإن خوش تشهره يحذر في مقاله بصحيفة “ابتكار” الإصلاحية، من تهديدات ستواجهها الدولة الأفغانية، مناشدًا أعضاء حكومة الوحدة الوطنية بالتوصل إلى اتفاق استراتيجي للالتفاف على التبعات المريرة التي ستحدثها اتفاقية الدوحة للشعب والأراضي الأفغانية، فضلًا عن إبعاد الدولة عن احتمالات سيئة مثل سقوط الحكومة المركزية ووقوع حرب داخلية وإضعاف المجتمع المدني، على حد قوله.

اتفاق الدوحة لا يشكل خطوة استراتيجية لإنهاء الحروب المستمرة في أفغانستان، وإنما خطوة تخدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، للخلاص من مخاوف أفغانستان حتى انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر القادم

أمّا الخبير الكبير في شؤون أفغانستان محمد حسين جعفريان، فاعتبر أن هذه الاتفاقية هي أعجب اتفاقية أبرمتها حكومة أميركية منذ استقلالها حتى الأن”، مضيفا في مقاله بصحيفة “قدس” الأصولية أنه بالرغم من إدراج التنظيم على قائمة الجماعات الإرهابية بجانب الحركات الإرهابية الأخرى مثل القاعدة والشباب وداعش، وإنفاق واشنطن المليارات من الدولارات على تواجدها في أفغانستان والحرب ضد طالبان، لكن طالبان تصبح أقوى يومًا بعد يوم. وتساءل جعفريان هل تسيطر طالبان على جميع الأراضي الأفغانية بحيث تطلب أميركا منها ألا تقوم بعمليات ضد القوات الأميركية انطلاقًا من الأراضي الأفغانية، وتقبل طالبان ذلك الطلب؟، مبدياً تعجبه أيضًا من إيكال البيت الأبيض مهمة الحرب ضد الإرهابيين إلى جماعة إرهابية أخرى مدرجة على قائمتها للإرهاب!.
ولم يفت جعفريان الإشارة إلى وجود بنود سرية للاتفاق لم يُفصح عنها، ما جعله يقول “هل أميركا تسعى إلى تقديم أفغانستان هدية لجماعة إرهابية بعد كافة الخسائر كي تصنع أسباب انعدام الأمن والمشاكل لروسيا والصين وإيران. وهل سيخرج ترامب من هذه الاتفاقية التي يحتاجها لأجل الفوز بالانتخابات؟.

رسائل اتفاقية الدوحة

أولى الرسائل التي تحملها هذه الاتفاقية والمفاوضات بين واشنطن وطالبان، أن 18 عام من التدخل العسكري الأميركي في أفغانستان لم تأت بالنتيجة المرجوة لواشنطن، ما أيد الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع طالبان على العمل العسكري. ثانيًا، بحسب قول الباحث صابر غل عنبري لموقع “ايران دبلوماسي” المقرب من الخارجية الإيرانية، فإن تعهد أميركا بإخراج قواتها هي والناتو من أفغانستان يعني رضوخها للهدف الذي كانت تسعى “طالبان” إليه عسكريًا. بما يعني أن حرب الاستنزاف لعقدين من الزمن أتت بالمصير ذاته الذي وقع للاتحاد السوفيتي السابق في أفغانستان.

طالبان اليوم لم تعد هي طالبان عقد التسعينيات

كما أن الاتفاق هذا منح شرعية دولية لطالبان واعتراف بقوتها في المعادلات الداخلية الأفغانية، الأمر الذي يؤشر لدخول طالبان في مرحلة تطور وتغيير جلد أيديولوجي، فطالبان اليوم لم تعد هي طالبان عقد التسعينيات. كما من الممكن أن يعزز هذا الاتفاق المشكلات والخلافات داخل طالبان، إلى الحد الذي من الممكن أن تنشق عدّة قوّات معارضة للاتفاق مع أميركا والانضمام إلى الجماعات المتشددة مثل داعش.

ملخص

على الرغم من محاولات أقلمة ملف أفغانستان في مواجهة محاولات دولنة الملف الأفغانية، حاولت إيران عبر مفاوضات إقليمية بمشاركة الحكومة الأفغانية، وكذلك مفاوضاتها مع طالبان بالتنسيق مع الحكومة الأفغانية، كسب شرعية أفغانية ودولية في مواجهتها الأجندة الأميركية الرامية إلى دولنة الملف ذاته، بيد أنها رأت اتفاقية الدوحة مانحة للشرعية الدولية لتنظيم تصنّفه أميركا ذاتها حركة إرهابية، فضلًا عن توقّع تشكّل جماعات أكثر راديكالية منشقة عن طالبان والتي ترفض السلام مع أميركا.

كما لم تخف إيران خوفها من البنود السرّية للاتفاق ما دعاها تضرب على وتر “نكث العهود” الأميركي في محاولة منها لزرع بذور الشك في الاتفاق الجديد مع طالبان. كل ما سلف لا يتعارض أيضًا مع توجهات إيران فهي ترى أن السلام في أفغانستان يجب أن يكون أفغانيًا-أفغانيًا بدعم خارجي لا أن يُفرض دوليًا على الأفغان.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: