الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة19 فبراير 2020 18:34
للمشاركة:

التيار الإصلاحيّ… من التأسيس إلى مأزق 2020

يشارك مرشحو التيار الإصلاحي في الانتخابات البرلمانية الإيرانية المرتقبة، ولا تشوب يقينهم بالخسارة الانتخابية شائبة. هي مرحلة عصيبة يمرّ بها، انعكست أخيرًا في عجزه أمام قرار مجلس صيانة الدستور، برفض طلبات أكثر من %70 من المرشحين المحسوبين عليه. وقوع الخسارة لا يمنع محاولات الحد من تأثيرها ولو شكليًّا، إذ حسم المجلس الأعلى للإصلاحيين السياسيين قراره، بعدم طرح أية قائمة موحدة، وأجمع على عدم تقديم أي مرشح عن الدائرة في العاصمة طهران، لكن هذا الأمر لم يمنع شخصيات إصلاحية من تشكيل قوائم، حيث يقف مجيد انصاري في طهران على رأس قائمة إصلاحية.

هبوط الأسهم الإصلاحيّة في المشهد السياسي الإيراني، يفتح الباب أمام جردة حسابٍ سريعة. فالولاية الثانية للرئيس حسن روحاني تشارف على نهايتها، وكذلك انتهى استحواذ الإصلاحيين على %43 من مقاعد مجلس الشورى.

وبمعزلٍ عن الأسباب، بين داخليةٍ مرتبطةٍ بالصراع مع التيار الأصوليّ بتجليّاته المختلفة، وخارجيةٍ متفاقمة أساسها الصراع مع الولايات المتحدة، فإن النتائج لا تبدو مريحة للإصلاحيين. سكة التفاوض مع واشنطن مقطوعة، وعقوباتٌ اقتصادية غير مسبوقة، ارتفاع في الأسعار وفقدان الريال الإيراني أكثر من نصف قيمته. بمعايير اللعبة السياسية الإيرانية، ليس منطقيًا اختصار المشهد الإيراني بحزبٍ أو حقبة، وكذلك تحميل المسؤوليات. لكنّه عهد الرئاسة الإصلاحية وحكوماتها.

لعلّ معظم قادة التيار الإصلاحي يقرأ في مشهد ما بعد الانتخابات، والمعطى الأبرز سيكون حجم المشاركة الشعبية، كبادرة قبولٍ أو اعتراضٍ على عدم منح معظم المرشحين الإصلاحيين أهلية الترشح رسميًّا. يدخل التيار الإصلاحي مخاضًا جديدًا، فكيف نشأ منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية؟ وما هي أبرز طروحاته؟ وما هي أبرز التحولات التي طرأت على بنيته؟

تحت عناوين دولة القانون، والمجتمع المدني، والإصلاح السياسي، وسيادة الشعب، اجتمعت أحزابٌ إيرانية لتكوّن الحركة الإصلاحية.

في كتابها “التيارات السياسية في إيران صراع رجال الدين والسياسة”، ترسم الباحثة في مركز الجزيرة للدراسات فاطمة الصمادي مسار الإصلاحيين منذ قيام الجمهورية الإسلامية، بدءًا من أصحاب التوجه اليساري المدافع عن الحرية والعدالة وحقوق المستضعفين والعمّال، والمقاوم للخصخصة والرأسمالية والامبريالية. دافع هذا اليسار، بالاستناد لقراءات فقهية دينية، عن سياسة معاداة الغرب وتصدير الثورة وعارض العلاقة بالولايات المتحدة وبريطانيا.

التيار الإصلاحيّ… من التأسيس إلى مأزق 2020 1

بعد رحيل الإمام الخميني عام 1989، والخسارة المدوية في الانتخابات التشريعية الرابعة، فانهيار الاتحاد السوفياتي، بدأ خطاب هذا التيار يشهد تغييرًا. لقد انتهت حرب الخليج الثانية كذلك، وبات السؤال المطروح هل يجب تغيير السياسات الخارجية من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية لإيران؟ وجد أبناء هذا التيار أنه يجب السعي لتقديم نظريات جديدة لاستعادة ثقة الناس، فانتقلوا من اليسار التقليدي إلى اليسار الحداثي. فُتح باب الجدال والنقاش بشأن الحكومة الدينية، ثمّ بدأ الحديث عن “آفة النظام المتمثلة بالتحجر الديني”. في تلك الفترة ولد أحد أبرز أحزاب الإصلاح: حزب كوادر البناء.

أدخل الإصلاحيون مصطلح “اصتقلابي” الذي يجمع كلمتي ثورة (انقلاب) وإصلاح باللغة الفارسية. هي ثورة الإصلاح في الخطاب اليساري الذاتي وثورة الإصلاح من أجل تغيير الهياكل القائمة والقيم والقوانين الحاكمة، ولكن من داخل النظام ودون اللجوء إلى العنف.

إذاً على ماذا تقوم الرؤية “الثورية الإصلاحية” لهذا التيار؟

يلخّص الدكتور عبد الرزاق خلف الطائي، في دراسة له تحت عنوان التيار الإصلاحي في إيران (1997-2005)، الرؤية الفكرية للتيار. ينظر الإصلاحيون لولاية الفقيه بكونها نظرية سياسية تستمدّ مشروعيتها من الدستور، مع وجوب تقييد صلاحيات الولي دستوريًّا. وهم لا يتفقون على قراءة دينية واحدة، لكنهم يرفعون شعار التجديد والتسامح الديني.

بالنسبة للرؤية السياسية، يتبنّى التيار الإصلاحيّ سياسة الانفتاح على الخارج تحت عنوان التعايش والحوار مع الثقافات والأمم مع الاحتفاظ بحقّ نقد الحضارة الغربية، وينسحب هذا إلى تأييد الحوار والتفاوض مع الولايات المتحدة في محطات عديدة. الحرية الفكرية وفق رؤية التيار الإصلاحي هي الطريق للوصول إلى الفهم الصحيح للديمقراطية. ويستند أقطاب هذا التيار، في دفاعهم عن مفاهيم حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية كوسيلة تفعّل دور المجتمع والمشاركة الشعبية، وذلك من منظور يدمج بين الفكرين الإسلامي والغربي. لقد مكّن الإصلاحيون المرأة الإيرانية، فأزالوا كثيراً من صور التمييز بينها وبين الرجل، مستندين إلى إرث حضاريٍّ إيراني يعلي من المكانة الاجتماعية للمرأة.

وينسحب ذلك على رؤيتهم الاقتصادية، بحيث يميل التيار إلى تدخّل أقل للدولة في الاقتصاد، وعدم حصر الاقتصاد بها، بل واستناده على القطاع الخاص والدفاع عن اقتصاد السوق. وقد برز ذلك جليًّا في انتقاد شخصيات من التيارات الإصلاحي للدور الاقتصادي المتنامي للحرس الثوري.

الرئيس الحالي حسن روحاني ليس اصلاحياً بالمعنى المنظّم، وقد أتى من خلفية سمّيت “المعتدلة\الإصلاحية” وتلقّى دعماً انتخابياً من هذه الحركة بعد 8 أعوام من حكم الأصولي محمود أحمدي نجاد.

شهدت الرئاسة الايرانية وصول أول رئيس إصلاحي عام 1997 إذ بات محمّد خاتمي أوّل رئيس جمهورية إيراني إصلاحي، ووظّف خطاباً انتخابياً بشعاراتٍ جديدة شكّلت الأدبيات الإصلاحية مثل المجتمع المدني واحترام القانون والتنوع والتعددية الفكرية…

لقد ولد التيار رسمياً بعد فوز خاتمي، ومذذاك وضع لنفسه اسم التيار الإصلاحي أو الإصلاحيون، وأطلقت بعض مجموعاته على نفسها “تنظيمات الثاني من خرداد”، وضم في البداية 18 حزبا.

بعد انتهاء ولاية خاتمي عام 2005 لم يفلح التيار الإصلاحي بإيصال أيٍّ من مرشحَيه الرسميين مهدي كرّوبي ومصطفى معين للجولة الثانية. انتقلوا إلى دعم رفسنجاني، لكنّ مرشّح التيار الأصولي محمود أحمدي نجاد بات رئيساً رغم كلّ محاولات الاصلاحيين.

دعم الإصلاحيون رفسنجاني إذاً. هو من رجالات الثورة الإسلامية، وصل للرئاسة لولايتين متتاليتين باعتباره أصولياً براغماتياً. لكنّه أصبح لاحقاً من أبرز الوجوه الإصلاحية\المعتدلة مع احتضانه الاصلاحيين وتبنّيه سياسة الانفتاح على الغرب.

توسع التيار الإصلاحي وتمدّد ليصل إلى أكثر من خمسين حزبا ومجموعة. أبرز أحزابه اليوم هي: منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، مجمع روحانيون مبارزون، دفتر تحكيم وحدت، حزب كوادر البناء، حزب جبهة مشاركة إيران الإسلامي، مجمع محققي حوزة قم العلمية ومدرسيها، حزب اعتماد ملى، حزب اتحاد أمة إيران الإسلامية، حزب نداء الإيرانيين.

لكنّ أكثر الجماعات المنبثقة عن الإصلاحيين إثارة للجدل هي “الحركة الخضراء”. تأسيسها عام 2009 شكّل تطوراً في مسار التيار. قامت الحركة الإصلاحية الجديدة، إثر أكبر أزمة داخلية إيرانية منذ انتصار الثورة عام 1979، بعد فوز محمود أحمدي نجاد بولاية رئاسية ثانية على حساب المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي، الذي شكّك بالنتائج واعتبر نفسه فائزاً. احتجاجات، فصدامات مع القوى الأمنية، فقتلى، ثمّ بات موسوي وحليفه مهدي كروبي رهن الإقامة الجبرية، من دون تقديم إثباتٍ حول الاتهام بتزوير الانتخابات.

اليوم في ظلّ الحكومة الإصلاحية والرئيس المعتدل الإصلاحي حسن روحاني، وبعد 11 عاماً، ما زال رجلا “الحركة الخضراء” تحت الإقامة الجبرية. التيار الإصلاحي محاصر. هم يشتكون اليوم إقصاءً سياسياً يمنع مرشحيهم من الوصول إلى الشورى، هجمة قضائية طاولت صحف ومطبوعات الحركة بالإضافة إلى الابتعاد القسري، السجن والتضييق على عددٍ من منظريهم وقياداتهم، كما يقولون.

على بعدِ أيامٍ قليلة من الانتخابات التشريعية يدرك الإصلاحيون المأزق الذي هم واقعون فيه. في مارس (آذار) الماضي، وفي لقاءٍ بين الرئيس الإيراني السابق والسياسي الإصلاحي البارز محمد خاتمي مع عددٍ من نواب البرلمان الإصلاحيين، سُئل عن مستقبل الحركة، وهل يعتقد أن الإيرانيين سيشاركون في الانتخابات البرلمانية لعام 2020 والرئاسية 2021 أم لا؟ أجاب خاتمي قائلًا: “أعتقد أنه من غير المرجّح أن يشارك الناس في أيّ انتخاباتٍ قادمة، ولا أستطيع طلب ذلك منهم، إن لم تشهد الحركة أي تطوُّر في المستقبل القريب”.

إضغط لمتابعة الملف كاملاً/ الانتخابات الإيرانية.. ظلال الأزمات

لمتابعة ملف الانتخابات الرئاسية (إيران 21: حصاد المواجهات)، إضغط هنا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: