الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة24 يناير 2020 11:21
للمشاركة:

منتدى طهران للحوار.. دلالات في أوقات مضطربة

عقدت مؤسسة الدراسات السياسية والدولية التابعة لوزارة الخارجية الإيرانية “منتدى طهران للحوار” في العاصمة الإيرانية في وقت سابق من الشهر الجاري، ليكون المنتدى الثالث والعشرين ضمن مؤتمرات سنوية تعقدها وزارة الخارجية تحت إطار “مؤتمرات الخليج الفارسي”.
تكمن المفارقة في كون موضوع المنتدى عن “مبادرة هرمز للسلام” التي دعت من خلالها إيران سلفاً لخفض التصعيد مع الدول العربية في الخليج، إلا أن المؤتمر أتى بتوقيت مفصلي في مسار التصعيد بين طهران وواشنطن الحليفة الأولى لأكثر هذه الدول المدعوة للمشاركة في المبادرة، وتزامن وتبعات اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الفريق قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، فردّت إيران على اغتيالهما في الليلة التي تلت ختام المنتدى كذلك.

حضور متنوع نسبياً

بدأ المؤتمر بحفل عشاء في مساء اليوم الأول ثم بدأت جلساته في اليوم الثاني، فافتتح المؤتمر رئيس المؤسسة المنظمة محمد كاظم سجاد بور ثم وزير الخارجية محمد جواد ظريف، في جلسه تالية تحدث كل من وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي والرئيس الأفغاني الأسبق حامد كرزاي، وعقدت من بعدها جلسة عامة بعنوان “استشراف نظام إقليمي جديد” تحدث فيها مشاركون من العراق، قطر، تركيا وإيطاليا، حيث حضر من الأولى نائب وزير خارجيتها ومن الثانية رئيس قسم تخطيط السياسات في وزارة الخارحية ومن الثالثة معاون رئيس الحزب الحاكم للعلاقات الخارجية.
في هذه الجلسة شرح نائب وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقتشي فكرة مبادرة هرمز للسلام بشكل عام. وبعدها انقسم المؤتمر إلى ثلاث جلسات تم عقدها بالتوازي وهي “العراق في سياق إقليمي”، “اليمن في اضطراب”، و”التوترات والتفاعلات الإقليمية”، وكان جميع المتحدثين في هذه الجلسات الثلاث من الإيرانيين والعرب، فيما عدا الثالثة التي كان فيها حضورا أوروبيا، ليختتم المنتدى جلساته بعنوان “استكشاف آفاق جديدة: قضايا جديدة وسيناريوهات مستقبلية”.
كان عدد المدعويين من العرب وجيران إيران من غير العرب جيدا وإن لم يكن مهيمنا، فشكّل المدعوون من جوار إيران العربي وغير العربي ٤٠ في المائة من مجموع المدعوين مع وجود العديد من الشخصيات من الجوار الإيراني غير المباشر كدول جنوب آسيا والصين.
بالإجمال زاد عدد المدعوين غير الغربيين على الغربيين بأكثر من ٥٠ في المائة، وقد يتعلق ذلك بتعذّر حضور عدد منهم، ومن الملاحظ أيضاً أن قائمة المدعوين تضمنت عددا من الصحافيين الغربيين الذين يمثّلون وكالات أنباء غربية كبيرة بما فيها وكالات أميركية.
عكست قائمة المدعوين بشكل عام انفتاح وزارة الخارجية على حضور جمهور متعدد بما في ذلك الأوروبيين والأميركيين بالرغم من توتر العلاقات بين الطرفين، ولكن لم يحظ كاتب هذا المقال بحضور مؤتمرات وزارة الخارجية الإيرانية السابقة عدى هذا المنتدى، فلا يمكن بالتالي تقييم هذه الفاعلية من حيث تنوع جنسيات وخلفيات الحضور مقارنة بالفعاليات الشبيهة السابقة.

https://www.youtube.com/watch?v=46nEiGRYYD4

رسائل وتضامن

في الجلسة الافتتاحية من المؤتمر كرر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الدعوات لحوار إقليمي بين إيران وجيرانها العرب في الخليج، وصف ظريف حالة الإقليم بأنه يعاني من “مجاعة حوار”، كما فعل مراراً وانتقد فكرة استيراد دول الجوار للأسلحة من الغرب كوسيلة لكسب حمايته، وعوضاً عن ذلك يرى الوزير أن الإقليم يحتاج إلى نموذج جديد يعتمد على التضافر القائم على الحوار، وهو فقط ما يمكن أن يحقق الأمن، وضرب ظريف أمثلة عن إمكانيات التعاون في مجالات يمكن أن تشترك فيها دول ضفتي الخليج كالطاقة النووية والأمن المائي.
أما وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي فقد ركّز في كلمته على خفض التصعيد في الإقليم، وعكس خطابه التوازن الذي تتمتع به سياسة خارجية بلاده، فقال مثلاً إنه على ثقة بأن إيران ستخدم الأمن والاستقرار وأن عُمان في شراكة مع إيران لتحقيق الأمن في المنطقة، وأضاف أن الجانب الأميركي على تواصل مع مسقط بإستمرار لخفض التوتر الإقليمي، وهو ما لمح من خلاله بكون مسقط قناة نقل رسائل أو وسيط، وأفرد الوزير وجهة نظره في جذور الصراع الإقليمي والتي يرى أن القضية الفلسطينية تقع في قلبها وأن قيام دولة فلسطينية هو حل للكثير من القضايا الأخرى.
من ناحيته، حملت كلمة الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي العديد من رسائل التضامن مع طهران، وأثنى على إيران لدورها الإيجابي في إعادة إعمار بلاده قائلا إن الشعب الأفغاني متعاطف مع الشعب الإيراني في حزنه على إغتيال سليماني، ودعا كرزاي إلى عودة أميركا لإلتزاماتها النووية، وقال أيضاً إنه يتمنى أن تكون الولايات المتحدة صادقة في تعاملها مع أفغانستان وأن تكون كذلك في تعاملها مع إيران، وصرح كرزاي أنه قال لظريف إنه “حان الوقت أن نكون شركاء حقيقيين وأن يكون للصين وروسيا دور”.
لا مآلات محددة
ربما لم يكن “منتدى طهران للحوار” بحجم منصات إقليمية أخرى مثل “منتدى الدوحة” من حيث عدد المشاركين، لكن في وقت كان الكثير من المراقبين يرون أن اغتيال سليماني سيعقبه حرب إقليمية قد تعصف بدول الجوار، كانت التصريحات الإيرانية في المؤتمر في اتجاه آخر.
وفي نفس الوقت كسبت التصريحات أهمية بشكل غير محسوب أكثر من الخطاب الإيراني الذي لم يكن جديداً وإن كان إيجابياً بشكل عام، وذلك بسبب الظرف الإستثنائي لاغتيال سليماني، كما أن التصريحات التي أطلقها المسؤولون الإيرانيون ومن غير الإيرانيين بشأن خفض التصعيد والحوار يمكن قراءتها بطرق مختلفة بحسب تصورات كل شخص للتموضع الإيراني في الإقليم ولشروط ومتطلبات تحقيق تهدئة والتمهيد لحوار، ولكن على خلاف دول أخرى على الضفة الأخرى من الخليج، فوجود تصورات عن إنشاء هيكلية أو هيكليات إقليمية للحوار -والتي تتمثل في مبادرة هرمز للسلام مثلاً- يجعل طهران في موقع متقدم على أغلب عواصم العرب في الخليج في هذا المضمار.

تامر بدوي: محلل يختص بالسياسة الخارجية الإيرانية تجاه الجوار العربي، زميل غير مقيم لدى برنامج اتجاهات الشرق الأوسط في الجامعة الأوروبية في فلورنسا.
على تويتر:
@Tamerbadawi

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: