الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة19 يناير 2020 17:45
للمشاركة:

انحسار المصالح الأميركية الحيوية في الشرق الأوسط… المؤشرات والدلائل

نشرت صحيفة “Wall Street Journal”، مقالًا للدبلوماسي الأميركي الشهير مارتين إنديك، يوم الجمعة 17 كانون الثاني/ يناير 2020. أكّد خلالها على عدم قدرة واشنطن على حشد إجماع داخلي، أو اتباع سياسة ثابتة على صعيد منطقة الشرق الاوسط.
السفير الأميركي السابق لدى تل أبيب، اعتبر أن السبب في ذلك، هو انحسار مصالح واشنطن الحيوية في الشرق الأوسط، وأضاف، بأن التحدي الآن سواء على الصعيد السياسي أو الدبلوماسي هو “استخراج الاستنتاجات الضرورية” من هذا الواقع. وتابع الحديث عن الفجوة بين الأهداف الأميركية في سوريا من جهة، والاستعداد الأميركي لتخصيص الموارد المطلوبة من أجل تحقيق هذه الأهداف من جهة اخرى، مؤكذَا أن الفجوة لا تزال قائمةً حتى اليوم.
ونوّه إنديك، إلى أن البعض سيربط هذه المسألة بمقاربة غير متماسكة في ظل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أو بالفجوة بين رغبة ترامب بالخروج من الشرق الأوسط من جهة، ورغبة مستشاريه من “صقور البيت الأبيض” من جهة أخرى بالبقاء. حيث سمى في هذا الإطار، وزير الخارجية مايك بومبيو، والسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، ومستشار الأمن القومي السابق جون بولتون.
إنديك لفت في الوقت ذاته، إلى بروز تناقضات مماثلة في ظل إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما، إذ كان يسعى الأخير إلى إنهاء الحروب الأميركية في الشرق الأوسط وتجنب قيام حروب جديدة، كما دعا إلى الإطاحة بالأنظمة الحاكمة في كلٍ من مصر وليبيا وسوريا آنذاك؛ على الرغم من عدم استعداده لتخصيص الموارد اللازمة لتحقيق تلك الأهداف.
وذكّر إنديك، بأن اوباما قد أعاد إرسال آلاف القوات الأميركية إلى العراق بعد سيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي على مناطق شاسعة من الاراضي العراقية، وذلك بعد انسحاب القوات الأميركية من هناك عام 2011. كذلك قراره بعدم توجيه ضربات عسكرية ضد سوريا بعد مزاعم استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية في شهر آب/اغسطس عام 2013، وذلك بعد رفض الكونغريس الأميركي لتوجيه تلك الضربات. إنديك رأى أن مرد هذا التأرجح في القرارات الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، هو “واقع القرن الواحد والعشرين”، موضحًا أنّه حصل تحول بنيوي في المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، حيث تجد واشنطن تجد صعوبة في التكيف مع ذلك.
وشدّد إنديك على أنّه كان لواشنطن أولويتين اثنتين فحسب في الشرق الأوسط، ألا وهما استمرار تدفق النفط بأسعار مقبولة، وضمان بقاء إسرائيل. وتابع بأن الاقتصاد الأميركي لم يعد يعتمد على النفط المستورد. وفيما يتعلق ببقاء إسرائيل، فقال إن “بقاءها لم يعد موضع شك” وفق تعبيره. وأضاف بأنّها “قادرة اليوم على الدفاع عن نفسها؛ بعد عقودٍ من الدعم الأميركي الاقتصادي والعسكري، إلى جانب التعاون الأمني الوثيق”.
وتابع إنديك، بأن “المصالحة” بين إسرائيل وجيرانها العرب خلال العقود الأخيرة، شكّلت أهمية حيوية على صعيد استقرار المنطقة، مشيرًا إلى المعاهدات الموقعة بين كلٍ من الأردن وإسرائيل، كذلك بين ومصر وإسرائيل. إنديك لفت إلى ما أسماه “تفكك العراق وسوريا”، ألدّ الخصوم لإسرائيل، كذلك ما تحظى به إسرائيل اليوم من علاقات استراتيجية مع دولٍ مثل السعودية ومصر، وذلك رغم عدم احراز إي تقدم في إنجاز “علمية السلام”.
إنديك لفت إلى أن، مشروع “حل الدولتين” ليس مصلحة حيوية أميركية، بل إسرائيلية. وأوضح أنه إذا ما أرادت إسرائيل أن تبقى “دولة يهودية وديمقراطية”؛ فعلى أميركا أن تشجعها على تبني خيار “حل الدولتين”، من خلال عدم بناء المستوطنات في الضفة الغربية أو عدم ضمّ المزيد من الأراضي، مؤكّدًا على ضرورة الكف عن تقديم “خطط سلام أميركية” سيرفضها احد الطرفين أو كلاهما.
وفيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، قال إنديك إن، إيران وخلافًا لدولٍ مثل كوريا الشمالية وباكستان، لا تمتلك أسلحة نووية”، مضيفًا أن كبح طموحات إيران على الصعيد النووي ومشروعها للهيمنة الإقليمية، يتطلب عملًا دبلوماسيًا شاقًا وليس حربًا. أمّا على صعيد مواجهة التنظيمات الإرهابية، قال إنديك إن “التحدي اليوم هو القضاء على بقايا تنظيم “داعش”، كذلك على بقايا تنظيم “القاعدة” الإرهابيين، لافتًا إلى أن ذلك من السهولة بمكان، من خلال استخدام عددٍ بسيط من القوات الأميركية إلى جانب التعاون الوثيق والدعم من قبل الشركاء المحليين، حيث سمى في هذا الإطار العراق و الأكراد، كذلك الأطراف الشريكة في “التحالف الدولي ضد داعش”.
وحول الوضع في الإقليم، قال إنديك إن “المساعي الدبلوماسية الهادفة إلى وقف الحرب في اليمن، وتثبيت الهدنة في قطاع غزة، كذلك إعادة اعمار سوريا يمكن أن تساهم في الحد من قدرة إيران على التدخل في نزاعات المنطقة”. وشدّد على ضرورة تعاون واشنطن مع إسرائيل و”السنة العرب بقيادة السعودية” في هذه المساعي، عوضًا عن مجرد دعم حق هذه الأطراف بالدفاع عن نفسها، على حد وصفه.
إنديك اختتم مقالته، بالتشديد على ضرورة عدم تخلي واشنطن عن منطقة الشرق الأوسط، ولكنه قال في الوقت ذاته، أنّه يتوجب على واشنطن إيجاد سبيلٍ للخروج ممّا أسماها “دورة الحملات الصليبية”. كذلك تبني استراتيجية قابلة للاستمرار في الشرق الأوسط، تستند على تقييم واقعي للمصالح الأميركية. وأكّد إنديك على ضرورة الكف عن الحروب ورسم الأهداف المضخمة، من قبيل “طرد إيران من سوريا، أو الإطاحة بالنظام الإيراني، أو تسوية الصراع العربي الإسرائيلي”، داعيًا واشنطن في هذا الإطار، إلى رسم أهداف أكثر واقعية يمكن أن تتحقق عبر وسائل اكثر بساطة، وفق تعبيره.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: