الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة3 يناير 2020 08:33
للمشاركة:

أميركا تغتال قاسم سليماني.. أين وكيف سترد إيران؟

لم تغب إيران عن تفاصيل المشهد العراقي المحتدم منذ مطلع هذا الأسبوع، على خلفية القصف الأميركي الذي استهدف مواقع الحشد الشعبي على الحدود العراقية-السورية، حيث وضعت أميركا هذا الاستهداف في سياق مواجهة النفوذ الإقليمي لإيران، كما حمّلت واشنطن طهران مسؤولية الاقتحام الذي تعرضت له السفارة الأميركية في بغداد.
إيران من جهتها، وصفت هذه الاتهامات الأميركية بالخبيثة، لكنها في الوقت ذاته هدّدت على لسان المرشد الأعلى علي خامنئي بالرد دون تردد على أي دولة تقرر استهداف مصالحها، وأمنها القومي.
لكن هذا التوعد الإيراني لم يثن الإدارة الأميركية عن اتخاذ قرار برفع مستوى الاشتباك مع إيران، حيث اغتالت طائرات أميركية بدون طيار الليلة الماضية قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، ونائب قائد الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس أثناء خروجهما من مطار بغداد الدولي، ليتحول بذلك الصراع الإيراني- الأميركي لمستوى أكثر تصعيدا وحدة وربما إلى صراع مباشر كما يرى البعض، بعد أن كان يدور بين حلفاء الطرفين وعلى أراض خارج إيران وأميركا.
هذا الأمر يفتح الباب أمام احتمالات وتوقعات شكل هذا المستوى من الصراع، والتي ستتحدد على ضوء طبيعة وحجم الرد الإيراني الذي أصبح مؤكداً، بعد عودة المرشد الإيراني علي خامنئي للتأكيد أثناء تعزيته بسليماني على ما توعد به سابقاً، بالقول إن “قتلة سليماني سيواجهون رداً قاسياً”. هذا الرد المنتظر لا يمكن في الحقيقة حصره في الساحة العراقية التي جرت فيها عملية الاغتيال، لأن مساحات المواجهة الإيرانية-الأميركية تشمل العديد من ساحات المنطقة بدءاً من اليمن مروراً بسوريا ولبنان وصولاً إلى غزة وفي كل تلك الساحات يوجد حلفاء للطرفين، لعل أبرز هؤلاء هو حزب الله من الجهة الإيرانية، وإسرائيل من الجهة الأميركية، كما أن مياه المنطقة التي تتحرك فيها الناقلات وتستقر بالقرب منها قواعد أميركية مفتوحة قد تغدو ضمن ساحات المواجهة، وهي التي لم تكد تلتقط أنفاسها بعد الاشتباك الذي جرى فوق مياهها خلال الصيف الماضي.

بتخصيص أكثر، يمكن توقع الرد الإيراني في عدة سيناريوهات
أولها: الهجوم المباشر بالصواريخ والطائرات المسيرة على قواعد ومنشآت عسكرية في العراق أو سوريا أو الدول الخليجية، وفعلت إيران ما يشبه ذلك عندما ردت على مواقع لتنظيم داعش بعد أن قام الأخير بتنفيذ عدة هجمات في إيران خلال سنوات 2017، 2018، وسيكون لهذا السيناريو تبعات كبرى.
أما سيناريو الرد الثاني، فيتمثل في البدء بحرب استنزاف طويلة الأمد، من خلال حلفاء طهران، لتستهدف القوات الأميركية المتواجدة على الأراضي العراقية والسورية، على غرار العمليات العسكرية قام بها هؤلاء الحلفاء ضد الجيش الأميركي قبل انسحابه من العراق عام 2011.
السيناريو الثالث يتضمن قيام حلفاء إيران سواءً في سوريا أو لبنان أو غزة باستهداف إسرائيل على اعتبارها جزءًا من بنك الأهداف الأميركية في المنطقة، وهذا الاحتمال تتحسب له تل أبيب، حيث أعلنت الاستنفار على حدودها الشمالية والجنوبية، كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قطع زيارته لليونان وعاد إلى البلاد بعد ما حدث الليلة الماضية.
أخيراً، تعتبر الساحة اليمنية خياراً فاعلاً أمام إيران للقيام بتوجيه رد عبرها لواشنطن أو حليفتها الرياض، من خلال قيام جماعة “أنصار الله” اليمنية، باستهداف القواعد والمصالح الأميركية في السعودية، بهجمات صاروخية وجوية، كتلك التي استهدفت بها الجماعة مؤخراً منشأتي أرامكو النفطيتين.

برغم تعدد الاحتمالات، يرجح كثر السيناريو الأول لعدة اعتبارات، منها أن المستهدف في هذه المرة هو شخصية عسكرية إيرانية بارزة جدا وتمثل فيلقا يتزعم دور إيران خارج الحدود، اغتالتها أيدٍ أميركية مباشرة وباعتراف أميركي، الأمر الذي من الممكن أن تقرأه إيران على أنه استعداد أميركي للتوسع مستقبلاً في استخدام القوة من أجل إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة، وعليه فإن إيران قد تعتبر أن عدم الرد بصورة مباشرة هذه المرة سيزيد من جرأة أميركا في ضرب الأراضي الإيرانية أو استهداف شخصيات إيرانية كبيرة. كما أن رئيس لجنة الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني مجتبى ذو النور أشار إلى هذا السيناريو بالقول “هناك 36 قاعدة أميركية تحت مرمى نيراننا ومن السهل علينا توجيه ضربة قوية ولن تمر هذه الجريمة بسهولة”.
أما السيناريو الثاني، فيبقى خيارا مطروحا أيضا، لأنه من الصعب أن تقبل إيران بأن يبقى العراق ساحة أميركية يتهدد من خلالها أمنها القومي، ونفوذها الإقليمي، لكن هذا الخيار في الرد إن اتبعته إيران، فمن المرجح كذلك أن ترفقه بتصدير صورة نصر لعملية عسكرية تستهدف أميركا أو مصالحها في المنطقة، وبذلك سترد على صورة النصر التي خرجت فيها أميركا بعد اغتيال سليماني.
الجدير بالذكر، أن الطرف الإيراني المعني بتدارس خيارات الرد يتمثل بمجلس الأمن القومي الأعلى، حيث تناقلت وسائل الإعلام الإيرانية أخباراً عن عقده اجتماعا طارئا من أجل بحث تلك الخيارات، لكي يقرها المرشد الإيراني علي خامنئي المسؤول الأول والأخير عن تحديد شكل وطبيعة ومكان الرد.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: