الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة26 أغسطس 2018 21:00
للمشاركة:

إيران وأمريكا والصراع القانوني تحت قبة لاهاي

international-court-of-justic-upsc-editorial-analysis.jpg

جاده ايرانزكريا أبوسليسل

تحاول إيران منذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي العمل على كافة المستويات لتفادي الأضرار التي سببتها هذه الخطوة، فلم تكتفِ طهران بفتح حوارات ونقاشات مع الشركاء الآخرين في الاتفاق النووي، بل إنها سلكت بموازاة ذلك المسار القانوني بلجوئها لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، والتي تتيح بدورها لإيران فرصة تقديم شكوى ضد الولايات المتحدة الأمريكية إثر انسحابها من الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الـ5+1 المُصادق عليه بقرار مجلس أمن يحمل الرقم 2231.

وستبدأ المحكمة بعقد جلسات عامة للنظر في الملف اعتباراً من الاثنين ٢٧ إلى الخميس ٣٠ اغسطس، بحسب بيان صدر عن محكمة العدل الدولية بعد أيام من تقدّم إيران بهذه الشكوى.

وقالت طهران في الشكوى المقدمة للمحكمة إن الولايات المتحدة تنتهك الالتزامات الدولية بقرارها الذي أفضى للانسحاب  من الاتفاق النووي، كما أنها تنتهك معاهدة الصداقة الإيرانية الأمريكية الموقعة عام 1955، والتي تعهدت أمريكا بموجبها أن تتعامل مع الرعايا الإيرانيين بصورة منصفة والا تمنع التعاملات المالية والمصرفية.

ومع اقتراب الموعد المحدد لتلك الجلسات أصدرت الخارجية الإيرانية بياناً أكدت فيه أنها “ليست المرة الأولى التي تُقدم فيها إيران شكوى لمحكمة العدل الدولية ضد أميركا استناداً إلى هذه المعاهدة التي لا تزال سارية المفعول.وأضافت بأن طهران ستستفيد من كافة الأدوات والإمكانات المتاحة لمواجهة الخطوات الأميركية التي تتعارض مع القوانين الدولية، وفي حال حكمت المحكمة لصالح إيران فإنها بحسب البيان ستطالب أمريكا بدفع تعويضات لها عن الخسائر التي تكبدتها  جراء العقوبات الأمريكية التي فرضت عليها.

بدوره اعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن بلاده تحظى بموقف قوي للغاية في هذه المحاكمة، لكنه توقع أن تثير أمريكا قضايا أخرى خلالها مثل إعادة المفاوضات، وهو ما اعتبره ظريف خطوة دعائية بالكامل.

وفي مقابل ذلك، لم يصدر عن أمريكا  أي موقف رسمي بخصوص حضور الجلسات أو الاستعداد لتقبل حكم المحكمة.

 وكانت واشنطن قد صرحت سابقا في معرض تعليقها على شكوى إيرانية أخرى تعود للعام ٢٠١٦ وتتعلق بتجميد ومصادرة ملياري دولار من أموال البلاد في الخارج، بالقول إنه ليس لدى محكمة العدل الدولية صلاحية النظر في هذا الملف.

ويبدو من التصريحات الإيرانية أن طهران تعول على استصدار حكم يثبت حقوقها القانونية وفقاً للتشريعات الدولية، وبذلك تكون قد أكملت حجتها أمام المجتمع الدولي؛ لتضعه أمام مسؤولياته كي يعوضها عن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، أو أنها ستقوم بخطوات منفردة تتحلل فيها من الالتزامات التي ترتبت عليها جراء هذا الاتفاق منطلقة بذلك من إحجام المنظومة الدولية عن تنفيذ قرارات المؤسسات القانونية الدولية التي تعتبر مُلزمة لجميع الأعضاء المنضويين تحت قبتها.

ومن الناحية القانونية، تعتبر محكمة العدل الدولية الهيئة الدولية العليا المخولة بالبت في النزاعات بين الدول واصدار الاحكام الناشئة عن خرق القوانين والمعاهدات الدولية.

وتبدأ الاجراءات القانونية في المحكمة بمرحلة التدوين التي تتبادل فيها الاطراف المتنازعة الادعاءات، ومن ثم مرحلة المشافهة وتشمل الجلسات العلنية للاستماع للحجج التي يخاطب فيها الوكلاء والمستشارون المحكمة، وبعدها  يتم التداول سرا ويصدر الحكم في جلسة علنية. ويكون  نهائيا وغير قابل للاستئناف.

وإذا لم تذعن إحدى الدول المعنية للحكم، فيجوز للطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن.

ويرجع تاريخ الدعاوى المتبادلة بين إيران وأمريكا في محكمة العدل الدولية إلى الأشهر الأولى التي أعقبت انتصار الثورة الإسلامية في إيران، فبعد اقتحام السفارة الأميركية في طهران واحتجاز موظفيها، اشتكت أميركا ضدها، لكن إيران تغيبت عن جلسات الاستماع واكتفت برسالتين موجهتين للمحكمة، عبرت فيهما عن موقفها مما حدث، وبعد مداولات استمرت عدة أشهر صدر الحكم في هذه القضية في عدة بنود، أهمها إدانة إيران، ومطالبتها بدفع تعويضات لأمريكا جراء الحادثة.

وفي مرحلة لاحقة ناقشت المحكمة دعوى إيرانية ثانية على خلفية الضربات الأميركية الموجهة لمنصات نفطية إيرانية في العامين ١٩٨٧ و ١٩٨٨، ورأت إيران أن هذه الضربات تشكل خرقا لذات معاهدة الصداقة.

وتأخر صدور الحكم في هذه الدعوى لسنوات لاعتراض أميركا على صلاحيات المحكمة، فتحولت المداولات لنقاش الاعتراض الأميركي أولا.

وجاءت نتيجة الحكم أخيراً بعد العودة لمناقشة شكوى إيران بعدم تبرير الادعاءات الأمريكية القاضية بأن ضرب المنصات كان لحماية المصالح الأمنية الأمريكية، ولم يؤيد الحكم في الوقت ذاته ادعاء طهران بأن الضربة تشكل خرقاً لمعاهدة الصداقة بين البلدين، لأنها لا تضمن سوى حماية التجارة والملاحة بين أراضي الطرفين، ونتيجةً لذلك لا تتحمل أمريكا أعباء دفع تعويضات لإيران بحسب نص الحكم الصادر عن المحكمة.

ورغم انه يحق للدول المعنية اللجوء لمجلس الأمن في حال عدم التزام الطرف الآخر بالحكم، إلا أن القضيتين السابقتين لم تختبرا ذلك، فالأولى انتهت باتفاق الجزائر الشهير والذي ضمن لأمريكا عودة الرهائن مقابل التزامها بتنفيذ عدة مطالب إيرانية.

وأما القضية الثانية فقد أغلقت في المحكمة لأن الحكم الصادر فيها لم يُدن أمريكا بخرق التزاماتها الدولية وكذلك لم يجبرها على دفع تعويضات لإيران.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: