الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة14 ديسمبر 2019 07:54
للمشاركة:

تبادل السجناء… طهران قد تسعى لاستكمال التفاوض مع واشنطن

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

في دولٍ مثل إيران وكوريا الشمالية، بعيدًا عن الحدود الأميركية، غالبًا ما يتحول الأمريكيون لأوراق ضغط ٍومساومة، إذ تلجأ (الأنظمة المستبدة المارقة) لتلفيق تُهمٍ غير مبرّرة لاعتقال مواطنين أميركيين لتبدأ سنواتٍ من المفاوضات الشاقة مع الإدارة الأميركية.
لقد جاء الدور اليوم على إدارة الرئيس دونالد ترامب؛ لإعادة الرهائن الأميركيين إلى ديارهم. بدءًا مِن أوتو ورمبر وغيره من الأميركيين الذين تم إطلاق سراحهم من سجون كوريا الشمالية، مرورًا بـكيفين كينج الذي أُطلق سراحه من سجون حركة طالبان في صفقة تبادل سجناء، وأخيرًا الإفراج عن طالب الدراسات العليا الأميركي شيوي وانغ من إيران بعد أن بقي محتجزًا لديها لأكثر من ثلاث سنوات للاشتباه في كونه جاسوسًا. حيث أنكر المسؤولون الأميركيون التهم الموجهة إليه بالتجسس آنذاك. في المقابل، أطلقت واشنطن سراح العالم الإيراني مسعود سليماني والذي تم إلقاء القبض عليه بتهمة انتهاك العقوبات التجارية الأميركية المفروضة على إيران، وعلى أي حال كانت ستنتهي عقوبة سليماني خلال الأسابيع القليلة القادمة ويتم إطلاق سراحه.
وكانت عملية التفاوض حول تبادل السجناء الأخيرة، قد تمّت من خلال الحكومة السويسرية التي ترعى المصالح الأميركية في إيران؛ نظرًا لعدم وجود تمثيل ديبلوماسي أميركي رسمي داخل إيران، حيث يمكن لهذه المفاوضات أن تشكّل عاملًا لبناء الثقة بين الجانبين، والدفع قدمًا إلى محادثاتٍ ثنائية حول قضايا أخرى، كالبرنامج النووي الإيراني، أو قد تمثل لحظةً استثنائية فقط تحمل دلالات إيجابية لكلا الطرفين. وبغض النظر عمّا قد يترتب على هذه اللحظة؛ فقد نجح التواصل بين طِهران وواشنطن.
ومن الجدير بالذكر أن وانغ ليس الأميركي الوحيد الذي اعتقل في إيران، فهناك الكثير من السجناء الأميركيين لدى إيران، منهم على سبيل المثال روبرت ليفنسون الضابط السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي والذي اختفى في إيران منذ قرابة عِقدٍ من الزمان، كذلك وسيامك نمازي ووالده باقر نمازي، أيضًا الأميركيان من أصول إيرانية كاران فافاداري وزوجته عفرين نياساري.

انتصارٌ نادر… لكن ليس سابقةً تاريخية

يُمثل تبادل السجناء انتصارًا لكلا البلدين، خصوصًا أنه جاء بعد انسحاب الإدارة الأميركية من الاتفاق النووي الإيراني، وقيامها بفرض حزمة عقوبات صارمة على إيران، حيث بدأت واشنطن الانقضاض علنًا على دعم إيران للميليشيات في العراق واليمن، بالإضافة للإدانة الأميركية لقمع النظام الإيراني للتظاهرات الداخلية.
لكن مُبادلة السجين الأميركي “وانغ” ليست سابقةً في التاريخ مع إيران، فلدى الأخيرة تاريخ طويل في اعتقال الأميركيين وتاريخٌ طويلٌ آخر في التفاوض لإطلاق سراحهم، فقد تم منذ مدّة ليست بالبعيدة عملية تبادل سجناء شملت الإفراج عن أربعة أمريكيين كان أحدهم مراسل صحيفة واشنطن بوست جيسون رضايان في طِهران.
وهذه ليست المرة الأولى التي ينجح فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإطلاق سراح سجناء أميركيين، فقد تفاوضت إدارته لإطلاق سراح الأميركيين المحتجزين في كوريا الشمالية، بمن فيهم أوتو ورمبر، الذي توفي بعد فترة وجيزة من عودته لأميركا.
وقبل القمّة الأولى التي جمعت الرئيس ترامب بالرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وصف ترامب إطلاق سراح كيم للسجناء الأميركيين، بالعلامة الدالة على وجود علاقاتٍ دافئة بين البلدين. وقبل قمّته الثانية اعتبر أنّ مواقف كيم من إطلاق سراح السجناء الأميركيين وعدم اتخاذ بعض القرارات السلبية بشأن طموحات بلاده النووية علاماتٌ على تحسن العلاقات الثنائية بين البلدين.
ويصرّح الرئيس الأميركي بأنّ هدفه “كوريا خالية من الأسلحة النووية”، لكن كوريا أحرزت تقدمًا ملموسًا في برنامجها النووي، ومع ذلك فقد خفف ترامب من حِدّة لهجته ضد النظام الكوري الشمالي، معتبرًا إطلاق سراح السجناء الأميركيين دليلٌ على حُسن نوايا الجانب الكوري الشمالي، كما انّه لم يغفل انتهاز الفرصة للإشادة بمهاراته كمفاوض.
لهذا يمكن أن يرى النظام الإيراني (وغيره من الأنظمة المارقة في جميع أنحاء العالم) أنّ السجناء الأميركيين مثل أوتو ورمبر (الذي كان في غيبوبة عندما عاد إلى بلاده)، يمكن أن يدفعوا بالقيادة الأميركية إلى تبني مواقف أقلّ عدائية. وتدرك إيران أنّ ترامب سيعتبر الإفراج عن السجين وانغ دليلٌ على حسن النوايا، وسيستغل الأمر لصالحه، وبهذا قد يلجأ النظام الإيراني لمزيدٍ من اللعب على الأنّا المتضخمة للرئيس الأميركي لتأمين مصالحه.
وبالفعل تقدّم ترامب بالشكر للإيرانيين خلال تغريدةٍ له على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، بعد انتهاء عملية التبادل واصفًا المفاوضات ب”النزيهة للغاية”، ومشيرًا إلى إمكانية عقد صفقةٍ أخرى. ترامب كعادته لم يغفل الإشارة إلى أنّ وانغ قد أعتقل في ظل إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، لكنه بالطبع تجاهل المعتقل مايكل وايت الذي احتجزته إيران في ظل إدارته.

سؤالٌ بلا إجابة

يتعلق السؤال بإمكانية تشكيل عملية تبادل السجناء الأخيرة، وعملية التفاوض السري التي سبقتها أساسًا لمفاوضاتٍ حول قضايا أخرى أكثر تعقيدًا مثل الملف النووي الإيراني بين الجانبين. إذ يتعين على الإدارة الأميركية من أجل الاستفادة من اللحظة، ومِن الثقة التي تم بنائها، القيام بتطوير استراتيجية أكثر تماسكًا حول غايتها من إعادة بدء المفاوضات النووية مع إيران. لاسيما أنّ إيران كان لها استراتيجية عند تفاوضها أجل تبادل السجناء، فهي تريد تخفيف حملة “الضغوط القصوى” الأميركية عنها، بما في هذا تقليل حدّة الانتقادات الدولية التي تتلقاها نتيجةً لاستخدامها العنف المفرط لمواجهة احتجاجات البنزين الأخيرة.
ومن المؤكد أنّ سياسة “الضغوط القصوى” التي تفرضها إدارة ترامب تؤثر سلبًا على الاقتصاد الإيراني، فالاقتصاد الإيراني اليوم يعاني تحت وطأة العقوبات الأميركية إلى جانب سوء الإدارة الاقتصادية من حكومة روحاني. ومن المؤكد أنّ إعادة عالم إيراني لوطنه لن تغير مِن مطالب المتظاهرين؛ لذا قد يكون من المُحتمل استثمار النظام لعملية التبادل الأخيرة من أجل فتح مجال تفاوضي أوسع مع واشنطن، في ظل العقوبات الإضافية ضد الاقتصاد الإيراني والبنوك وبعض كبار المسؤولين في القطاع المالي.
ومع استعداد إيران للإعلان عن خفض جديدٍ لالتزاماتها ببنود الاتفاقية النووية في كانون الثاني/ يناير من العام المقبل، تحذّر كلٌ مِن فرنسا وألمانيا وبريطانيا من إمكانية تراجعها عن بعض التزاماتهما بموجب الاتفاقية، ما يعني خطوةُ أولى لإعادة فرض المزيد من العقوبات على إيران.
وبالرغم من الأفعال العدائية لإيران، فإنّ إطلاق سراح وانغ وحده يُعد إنجازًا، ويمكن أن يبنى عليه أساسٌ للتفاوض لإطلاق سراح مزيدٍ من الأميركيين المحتجزين في إيران. وفي ظل حالة الضغط التي يواجهّا النظام الإيراني داخليًا وخارجيًا؛ يجب على ترامب وفريقه سواءٌ من السويسريين أو الفرنسيين أو غيرهم التفاوض مع طِهران؛ فإطلاق سراح وانغ قد كشف بوضوح أن الإيرانيين على استعدادٍ للتفاوض، بالرغم مِن أنّ تبادل السجناء بعيدٌ كل البعد عن التفاوض بشأن الملف النووي، إلا أنّه قد يكون انطلاقةً جيّدة.

المصدر/ سي أن أن

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: