الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة9 ديسمبر 2019 12:14
للمشاركة:

هل ستؤثر الاحتجاجات الأخيرة على مسار تحسين العلاقات بين إيران والسعودية؟

مقاربات التعاطي الإيراني مع السعودية ومسارات العمل اللازمة لإنجاحها

ما العلاقة بين إعلان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي في 25 تشرين الثاني/نوفمبر عن تلقي طهران ردوداً إيجابية من ثلاث دول لم يسمها على رسالة رئيس إيران حسن روحاني، المتضمنة مبادرة سلام هرمز، وبين اتهام إيران للسعودية بالوقوف خلف الاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ 16 تشرين الثاني/نوفمبر؟
جاء هذا التزامن ليعيد الطرح من جديد عن إمكانية تأثر مسار تهدئة التوترات بين إيران والسعودية بالاحتجاجات في إيران وما يقف خلفها من اتهامات بدعم مالي للسعودية لبعض المحتجين الذين قفزوا على الاحتجاجات التي بدت سلمية في أيامها الأولى ثم اتخذت طابعًا أعنف بعد ذلك.

على من اللائمة؟

شهدت طهران وعدة مدن إيرانية بداية من الجمعة 16 تشرين الثاني/نوفمبر احتجاجات شعبية بعد قرار الحكومة بفرض زيادة 50% على أسعار البنزين إلى نحو 1500 تومان إيراني للتر الواحد (يبلغ سعر الدولار رسمياً 4200 تومان، فيما يبلغ في السوق غير الرسمية 11500 تومان). في خطوة أكّدت على أن هدفها جمع الأموال لمساعدة المواطنين المحتجين والتصدي لتهريب الوقود إلى دول مجاورة مثل باكستان وأفغانستان. كما كان القرار مدفوعًا برغبة إيرانية في التخفيف من حدة الأعباء المالية في ظل العقوبات الاقتصادية الأمريكية.
ومن بين الجهات التي وجّهت إليها الاتهامات بالضلوع والمساهمة في إشعال الاحتجاجات في إيران كانت أميركا وحلفائها ومن بينهم السعودية. فقد اتهم المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي، السعودية صراحة في مقالة له على صفحات جريدة “إيران” الحكومية بتمويل بعض من قادة الاحتجاجات. في الوقت الذي قال إنَّ عددا من المتظاهرين هم من سكّان العشوائيات.
هذا وقد حذّر نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري، 23 تشرين الثاني/نوفمبر بعض دول المنطقة من أنها ستواجه عواقب وخيمة، إذا ثبت ضلوعها في الاضطرابات في بلاده. ونقلت وكالة فارس عن جهانغيري قوله “يتعين على بعض الدول في المنطقة أن تعلم بأنها ستمر بوقت عصيب في المنطقة إذا ثبت بالدليل تدخلها في إشاعة الاضطرابات في إيران”.
هذا ودعا أيضًا رئيس تحرير صحيفة “كيهان” الأصولية حسين شريعتمداري، إلى الانتقام من أميركا وإسرائيل وفرنسا والسعودية لضلوعهم في أحداث الشغب الأخيرة في البلاد بحسب وصفه، في ظل اعتراف المعتقلين بتلقي أموال وتدريبات لزعزعة الأمن والاستقرار في البلاد.
وأضاف شريعتمداري في مقاله أنه يمكن الوصول إلى المراكز العسكرية الاستراتيجية والاقتصادية ويمكن تحميل العدو خسائر عسكرية واقتصادية فادحة.

محاولة التهدئة الأخيرة

يتعين اعتبار المقالة المشتركة التي كتبها كل من حسين موسويان الدبلوماسي الإيراني السابق وعبد العزيز بن صقر رئيس مركز الخليج العربي السعودي في مايو من العام الجاري على صفحات “نيويورك تايمز” الأمريكية، أولى محاولات التهدئة بين الطرفين، إذ دعا كلاهما حكومتي بلادهما لمنح الدبلوماسية والحوار فرصة لإنهاء الصراع بينهما.
وكانت آخر محاولات التواصل بشكل غير رسمي في منتدى عمّان الأمني الذي عقد الأسبوع الماضي في العاصمة الأردنية وبمشاركة غير مسبوقة-علنيًا على الأقل- من محمد السلمي المعروف بقربه من دوائر صنع القرار في السعودية ومجتبى فردوسي بور سفير إيران السابق لدى الأردن خلال إحدى الجلسات برئاسة رئيس وزراء العراق الأسبق إياد علاوي. وأثار هذا الأمر تساؤلات بشأن احتواء هذه المشاركة على رسالة خاصة تتعلق ببدء التفاوض بين البلدين في دولة ثالثة.

السلمي خلال مقالة سابقة له أواخر أغسطس الماضي على موقع “عرب نيوز” ذكر أنَّ إيران تدرك أنَّ جميع دول الخليج العربية وعلى رأسها السعودية جاهزةٌ للحوار معها وتسعى لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، قبل أن يربط ذلك بـعامل التوجس والارتياب نظرًا لما علّق عليه بـ انعدام الثقة العربية في الجانب الإيراني بسبب ثنائية الثورة والدولة وتناقضات المواقف في غالب وهو ما يجعل الجانب العربي يتجاهل التصريحات وينظر نحو الأفعال ميدانيًا.
وسابقًا أورد موقع “تابناك” 4 مؤشرات اعتبرها تكشف عن تغيَّر يمكن أن يؤسس لمسار جديد في المنطقة؛ أولًا: تأكيد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على النهج الدبلوماسي مع طهران لأول مرة مع رفضه خيار الحرب. ثانيًا: حديث وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية أنور قرقاش عن انفتاح مسار الحوار لأجل التفاهم مع إيران. ثالثًا: كشف رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي، عن استعداد السعودية وإيران التفاوض. الرابعة: تصريحات المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي، بخصوص إرسال الرياض رسالة إلى طهران.
هذا فيما أكّد نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله، ما جاء على لسان المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي، من إرسال إيران لرسائل إلى السعودية والبحرين من خلال الكويت حول الوضع في الخليج، والتي لم تتبور إجابات حولها حتى الآن
وتعد هذه هي الرسالة الأولى-العلنية على الأقل-منذ انقطاع العلاقات بين البلدين عام 2016، والتي جاءت على خلفية إعلان الطرفين الرغبة في حل القضايا الثنائية بينهما.

ردود الفعل المتوقعة لإيران

بحسب الباحث أول في مركز الجزيرة للدراسات فاطمة الصمادي، خلال مقابلة تلفزيونية لها، هناك 3 توجهات بخصوص التعامل مع السعودية:

1- مقاربة التعامل، ويقودها تيار الاعتدال بزعامة رئيس إيران حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، وترى أنَّ السعودية منافس يمكن التعامل والتفاوض معه.

2- المقاربة الأمنية ويقودها المرشد والحرس الثوري وترى أنَّ السعودية على شفا حفرة من انهيار وعلى إيران الاستعداد للحظة قنص تلك الفرصة.

3- مقاربة الظهور والتي تربط ما يحدث في السعودية بظهور الإمام الغائب.

وهنا سيتبلور رد فعل إيران إزاء ما تدعيه من تدخل دول أجنبية وجارة في شؤونها الداخلية ودعمها للمحتجين وفقًا لنوع قراءتها لأوضاعها الداخلية والخارجية وهدفها النهائي من هذا الرد في ظل الأزمة الداخلية التي تواجهها إيران من تظاهرات بين الحينة والأخرى خاصة في ظل اكتساء بعض منها الطابع الحزبي، مع الوتيرة المتصاعدة للعقوبات الأمريكية على إيران. كما أنَّ الرد سيكون تبعًا للرؤية الغالبة في السياسة الخارجية.
وطرح باتريك كلاوسن خلال تقدير للموقف للأحداث في إيران على موقع
معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أنَّ هناك 3 مسارات قد تسلكها طهران عامة تجاه الأعمال المحتملة تجاه المصالح الأمريكية:

1- الموافقة على المحادثات بعد قمع الاحتجاجات: وهو مسلك سارت عليه طهران سابقًا بعد أحداث 2009. فقد وافق محمود أحمدي نجاد على إرسال 1200 كيلوغرام من اليورانيوم المنخفض التخصيب إلى الخارج، حيث كانتا روسيا وفرنسا ستقومان بتصنيعه لتحويله إلى وقود لـ”مفاعل طهران البحثي”.
النهج ذاته قد تسير عليه طهران مع السعودية وأمريكا وهي تعني سيادة مقاربة روحاني وظريف في التعامل مع السعودية وأمريكا خاصة أنَّ وزير الشؤون الخارجية العمانية يوسف بن علوي زار إيران الأسبوع الماضي، وسط تكهنات بحمله رسائل سواء من أمريكا التي كان في زيارة لها الأسبوع الماضي، أو الرياض ردًا على مبادرة سلام روحاني.

2- الرد بقساوة أكبر: وهو يعني سيادة مقاربة حلقة المرشد والحرس، وهو ما ظهرت بوادره مؤخرًا عبر كتابات رئيس تحرير صحيفة “كيهان” القريبة من المرشد والذي عدَّ لإيران حقاً مشروعاً في الرد على الولايات المتحدة وإسرائيل وفرنسا والسعودية بسبب تورطهم في إثارة الاحتجاجات. وهو أيضًا نهج اتبعته إيران ويظهر فيما كشفت عنه وكالة رويترز مؤخرًا، نفته إيران لاحقا، من تفاصيل اجتماع سري لقادة الحرس لبحث سبل معاقبة أميركا على انسحابها من الاتفاق النووي وجاء الجواب من خلال استهداف حليفتها السعودية في معملي تابعين لآرامكو.

3- الانتظار: مع دخول إيران فترة “البطة العرجاء” والتي تبدأ خلالها الاستحقاقات المحلية متمثلة في انتخابات الدورة الحادية عشر للبرلمان في 2020، وبدء الترتيب لانتخابات رئاسة الجمهورية 2021 يرى النظام الحاجة إلى عدم استباق الأحداث وانتظار ترتيب البيت من الداخل فضلًا عن انتظار نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية ورؤية ما إذا سيستمر دونالد ترامب رئيسًا لأميركا

الاستنتاجات

  • صانع القرار في إيران يرى أنَّ السعودية متورطة بشكل أو بآخر في أعمال الشغب والاضطرابات في نوفمبر.
  • المزاعم بتورط السعودية تتزامن مع إشارات تهدئة يتبادلها الطرفان وآخرها ترتيبات الهدنة في اليمن والمباحثات التي كُشف عنها في عمان بين الحوثيين والسعودية.
  • السعودية تسعى في الوقت الراهن إلى التهدئة في المنطقة وحلحلة أبرز الأزمات وأبرزها دعوة ملك السعودية أمير قطر للمشاركة في القمة الخليجية خلال ديسمبر الجاري.
  • على الرغم من غلبة الصبغة الأمنية في التعامل الإيراني مع السعودية، لكن قد يسمح لروحاني بانتهاج ذات دبلوماسيته التي أسفرت عن الاتفاق النووي في العلاقات مع السعودية انطلاقًا من حلحلة الأزمات مع دول الجوار.
  • سنة البطة العرجاء في أميركا تساهم أيضًا في الدفع نحو التهدئة في العلاقات السعودية مع إيران خاصة في ظل عدم اتضاح الرؤية تجاه استمرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لدورة ثانية فضلًا عن استجوابه قبل انتهاء دورته الرئاسية الأولى.
  • ما استجد مؤخرًا عن وساطة يابانية بين إيران وأميركا والطلب الإيراني بزيارة عاجلة لطوكيو، فضلًا عن تبادل السجناء مؤخرًا بين واشنطن وطهران.
  • من غير المستبعد توجه إيران نحو التصعيد مع السعودية إذا أرادت رد المعاملة بالمثل لأمريكا من خلال حلفائها.
جاده ايران تلغرام
للمشاركة: