الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة7 ديسمبر 2019 18:39
للمشاركة:

نيويورك تايمز: أسوأ محنة لإيران منذ أربعين عاماً بسبب حملات القمع الوحشية التي تمارسها

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

أدّى تحول احتجاجات متفرّقة على زيادة مفاجئة في أسعار البنزين لمظاهرات واسعة النطاق، قوبلت برد فعل قمعي ممنهج، أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 180 شخصاً.
تشهد إيران أعنف حالات اضطراباتها السياسية منذ الثورة الإسلامية منذ 40 عاماً، حيث وصل عدد القتلى إلى ما يقارب المئة وثمانون قتيلاً بل وربما أكثر نتيجة لسياسات الحكومة مطلقة العنان المتّبعة في خنق الاحتجاجات. بدأت تلك الاحتجاجات جرّاء ارتفاع مفاجئ في أسعار البنزين بما نسبته 50%، حيث في غضون 72 ساعة بدأ المتظاهرون الغاضبون في كافة المدن بالمطالبة بإسقاط الحكومة الجمهورية وقادتها.
قامت قوات الأمن في العديد من المناطق التي شهدت تلك الاحتجاجات بإطلاق النار على المحتجّين العزّل حسب أقوال شهود عيان وأشرطة فيديو مسجّلة، الذين تشكّل غالبيتهم شباناً عاطلون عن العمل أو من ذوي الدخل المنخفض ممن تتراوح أعمارهم بين 19 إلى 26 عاماً. حيث أدلى شهود عيان في مدينة (ماهشهر) الجنوبية بشهادتهم حول الحرس الثوري الإسلامي أنهم قد حاصروا وأطلقوا النار على ما يقارب الـ40 إلى 100 متظاهراً من العُزّل في مستنقعٍ لجأوا إليه.
عبّر مدير مركز حقوق الإنسان في إيران، وهي مجموعة مقرّها مدينة نيويورك، (أوميد ميكاريان) أن “استخدام القوة المميتة في الاحتجاجات الأخيرة ضد المتظاهرين في جميع أنحاء البلاد لم يسبق له مثيل، حتى بالنسبة لسجل عنف الجمهورية الإسلامية.”

وفقاً لمنظمات حقوق الإنسان الدولية وجماعات المعارضة والصحفيين المحليين فإنه قد قُتِل ما يتراوح بين 180 إلى 450 شخصاً وربما أكثر، خلال أربعة أيام من ممارسات العنف بعد الإعلان عن ارتفاع أسعار البنزين في 15-نوفمبر/تشرين الثاني. بالإضافة إلى إصابة ما يقارب 2000 شخص على الأقل واحتجاز 7000.
كانت آخر موجة احتجاجات في إيران في عام 2009 بسبب انتخابات متنازع عليها قوبلت أيضاً بحملة قمعية مميتة. كانت قد خلفت تلك الاحتجاجات ما يقارب 72 قتيلاً على مدى 10 شهور. أما الآن بعد ما يقارب الأسبوعين من قمع الاحتجاجات وحجب خدمة الإنترنت، بدأت تفاصيل تأكيد نطاق عمليات القتل والتدمير تتدفق.
لم تكشف الانفجارات الأخيرة عن مستويات الإحباط الصاعقة لدى القادة الإيرانيين فحسب، بل أبرزت أيضاً التحديات الاقتصادية والسياسية الخطيرة التي تواجههم جرّاء العقوبات المرهقة التي فرضتها إدارة (ترامب) على البلاد والتي أدت إلى زيادة الاستياء تجاه إيران من قبل الدول المجاورة في الشرق الأوسط عديم الاستقرار.
وقد جاء الإعلان عن الزيادة المفاجئة في أسعار البنزين تزامناً مع موعد نوم الشعب الإيراني. وفي الوقت نفسه الذي تكافح فيه إيران لسد الفجوة الهائلة في الميزانية، فإن العقوبات التي فرضتها إدارة (ترامب) فيما يخص صادرات النفط الإيراني وفرض قيود مشددة عليها، سبب كبير لتلك الفجوة. تهدف تلك العقوبات إلى الضغط على إيران فيما يخص الاتفاق النووي لعام 2015 المُبرَم بين إيران وقوى العالم الكبرى، الذي قام الرئيس (ترامب) بالتخلي عنه واصفاً إياه بالضعيف للغاية.

تتركّز الاحتجاجات في المدن والأحياء المأهولة من قبل الأسر ذات الدخل المنخفض والطبقة العاملة، مما يوحي أن هذه الانتفاضة قد ولدت داخل الطبقة الموالية تاريخياً للتسلسل الهرمي لإيران بعد الثورة.
وجّه العديد من الإيرانيين عدائهم المباشر للمرشد الأعلى (آية الله خامنئي) الذي كان قد وصف عمليات القمع برد فعل مبرر على ما مؤامرة ضد إيران في الداخل والخارج.
وقد قام (مير حسين موسوي)، زعيم معارض ومرشح رئاسي سابق والتي أثارت خسارته احتجاجات سلمية في 2009 قام (آية الله خامنئي) بإخمادها مستدخماً العنف، بتحذير استفزازي بشأن عمليات القتل التي تحصل.
ألقى (موسوي) الذي كان تحت قيد الإقامة الجبرية منذ 2011 ونادر التحدث علناً في بيان كان قد نُشِر على موقع المعارضة اللوم بشأن عمليات القتل على الزعيم الأعلى. وقارنها بمذبحة عام 1978 التي ارتكبتها القوات الحكومية وأدت إلى سقوط الشاه (محمد رضا) بعد عام من انطلاقها على أيدي الثوار الإسلاميين الذين يتولون الحكم حالياً. وقال إن قتلة عام 1978 كانوا يمثلون نظام غير ديني وأن عملاء ومطلقي النيران في 2019 هم من يمثلون الحكومة الدينية، فقد كان الحاكم هو الشاه أما الآن فهو قائد أعلى ذو سلطة مطلقة.
وكانت السلطات قد رفضت تحديد أعداد الإصابات والاعتقالات كما ونددت بالأرقام غير الرسمية بشأن عدد القتلى باعتبارها تكهنات. إلا أن وزير الداخلية (عبدالرضا رحماني فضلي) عبّر عمّا يجري باضطرابات واسعة النطاق في كافة أنحاء البلاد.

أما فيما يتعلق بوسائل الإعلام الحكومية فقد أفادت أن الاحتجاجات اندلعت في 29 محافظة من أصل 31 وأنه قد تم مهاجمة 50 وحدة عسكرية مما يبيّن وجود تنسيق داخل صفوف المحتجّين والذي كان غائباً عن الاحتجاجات السابقة. وقد تمت الإفادة عن مقتل وإصابة عدد من أفراد قوات الأمن خلال الاشتباكات.
وذكر وزير الداخلية أن الأضرار قد شملت 731 بنك، 140 مكان عام، 9 مراكز دينيّة، 70 محطة بنزين، 307 سيارة، 183 سيارة شرطة، 1076 دراجة نارية 34 سيارة إسعاف.
تشهد مدينة ماهشير حالياً أسوأ حالات العنف المسجلة التي يبلغ عدد سكانها 120.000 شخص في مقاطعة خوزستان جنوب غرب إيران، وهي منطقة ذات أغلبية عرقية عربية تمتلك تاريخاً حافلاً من المعارضة ضد الحكومة. تقع ماهشهر بجوار أكبر مجمع صناعي للبتروكيماويات في البلاد الذي يعد بوابة ميناء بندر إمام الرئيسية.
أجرت صحيفة نيويورك تايمز مقابلات مع ستة من سكان المدينة، يتضمنهم زعيم احتجاج قد شهد ممارسات العنف. وآخَر مراسل يعمل في صحيفة لصالح وسائل إعلام إيرانية الذي كان قد حقق في أعمال العنف ولكن تم منعه من النشر. وأخرى ممرضة كانت قد تمت معالجتها جراء إصابات تعرضت لها خلال الاحتجاجات. قدّموا جميعهم روايات متطابقة حول نشر قوة كبيرة من الحرس الثوري في ماهشهر في يوم الإثنين الموافق 11-نوفمبر/تشرين الثاني وقد تحدثوا بالمجريات شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من القصاص من قِبل الحرس.
على مدار ثلاثة أيام وفقاً لما تم الإدلاء به، تمكّن المحتجّون من السيطرة على ماهشهر وضواحيها، وقاموا بسد الطريق المؤدية إلى المدينة والمجمع الصناعي المجاور للبتروكيماويات. حيث أكد وزير الداخلية الإيراني أن المحتجين سيطروا على المقاطعة بأكملها خلال مقابلة تلفزيونية أجراها، لكن الحكومة لم تقّدّم أية إجابات حول عمليات القتل الجماعية في المدينة.

تحدث سكان المدينة حول محاولة قوات الأمن المحلية وضباط شرطة مكافحة الشغب تفريق الحشود وفتح الطرق ولكنهم فشلوا في تحقيق ذلك. واندلعت عدة مواجهات بين المحتجين والقوات الأمنية بين مساء السبت وصباح الإثنين قبل أن تتم عملية إرسال الحرس إلى هناك.
حالما وصلت قوات الحرس إلى مدخل المدينة عند شهراك شمران المأهولة من قبل سكان ذوي دخل منخفض وعرقية عربية إيرانية، بدأ إطلاق النار دون توجيه أي إنذار مسبق على عدة من المتظاهرين الذين يسدّون الطريق، مما أدى إلى مقتل عدد منهم على الفور وفقاً لمقابلات أجريَت مع سكان المنطقة. أكمل السكّان قائلين إن بقية المحتجين فرّوا إلى مستنقع مجاور، وأن أحدهم كان مسلحاً ببندقية طراز (إيه كيه 47) كان قد أطلق النار عليهم من الخلف. ثم قام الحرس بتطويق المحتجين وأطلقوا النار مستخدمين الرشاشات مما أسفر عن مصرع ما يقارب المائة شخص، وأن الحرس كانوا قد كدّسوا الجثث على ظهر إحدى الشاحنات ثم مضوا، فقام أقربائهم بنقلهم إلى مستشفى ميسكو.
قال أحد السكان وهو خريّج جامعي عاطل عن العمل الذي يمتلك شهادة في الكيمياء والذي قام بالمساعدة في سد الطرق أنه كان على بعد أقل من ميل وأن صديقه ذو ال24 عام وابن عمه ذو ال32 عام كانا من بين القتلى. وقال إنما أصيبا في الصدر وتم تسليم جثتيهما إلى عائلاتهم بعد خمسة أيام بعد التعهّد بعدم القيام بمراسم دفن أو تأبين وعدم إجراء المقابلات مع وسائل الإعلام.
وقال منظم المظاهرات الشاب أنه قد أصيب في ضلوعه في 19-نوفمبر/تشرين الثاني الموافق لليوم التالي من إطلاق النار الجماعي، عندما اقتحمت دبابات الحرس حيّه الذي يقطن فيه، شاهراك تالغاني، أحد أفقر ضواحي ماهشهر. وقال أن معركة بنادق قد اندلعت بين قوات الحرس وسكان المنطقة من العرب العرقيين الذين اعتادوا الاحتفاظ ببنادق صيد في منازلهم، وأفادت وسائل إعلام إيرانية أن قائداً للحرس الثوري قد تم قتله في اشتباك كان قد حصل بعدما تم نشر مقطع فيديو عبر تويتر يبين أنه تم دخول الدبابات إلى هناك.
قالت إحدى الممرضات التي كانت تخدم الجرحى القادمين جرّاء الاحتجاجات عبر الهاتف إن معظم المصابين كانوا قد أُصيبوا في الصدر والرأس. وأخذت تصف مشاهد الفوضى في المستشفى حيث أن العائلات تهرع لجلب الضحايا، من ضمنهم شاب يبلغ من العمر 21 عاماً كان على وشك الزواج والذي لم يتمكنوا من إنقاذه وأخذت تنقل أقوال والدته من مثل “أعيدوا لي ابني” و “إن زفافه كان سيتم خلال أسبوعين”. ثم تابعت قائلة إن قوات الأمن قامت باحتجاز بعض المصابين بعد استقرار حالتهم وأن بعض أقارب الجرحى خوفاً من احتجازهم قاموا بترك مصابي عوائلهم في المستشفى ثم هربوا بعد تغطئة وجوههم.
في 25-نوفمبر/تشرين الثاني أي بعد أسبوع من وقوع الحادثة، قام ممثل المدينة (محمد غولموراي) بتنفيس غضبه خلال مناقشات حادة من الانتقادات الحادة الموجهة للحكومة التي أُذيعت عبر التلفزيون الإيراني الرسمي وفي صور ومقاطع فيديو تم نشرها عبر الإنترنت.
صرخ (محمد غولمروراي) في قاعة البرلمان قائلاً: “ما العمل الذي قمت به غير ما قام به الشاه المهين؟” واندلعت مشاجرة بينه وبين البرلمانيين الآخرين بمن فيهم شخص قد أمسك به.
وقال المراسل المحلي في المنطقة إن إجمالي عدد القتلى وصل إلى 130 خلال ثلاثة أيام بمن فيهم قتلى حادثة المستنقع. وفي مدن أخرى مثل شيراز و شهرار أفادات التقارير أن العشرات تم قتلهم من قبل قوات الأمن التي أطلقت النار على متظاهرين عزّل، وفقاً لمقاطع فيديو ومجموعات حقوقية قام بنشرها شهود عيان.
قال (يوسف السرخي) وهو ناشط سياسي من خوزستان الذي كان قد هاجر إلى هولندا منذ 4 سنوات: “كلما زادت طاقات القمع لدى السلطة فإن الغضب والعدوانية ستزيد لدى الشعب”.
وقال محللون سياسيون إن الاحتجاجات شكّلت ضربة قاسية للرئيس (حسن الروحاني)، المعتدل في الطيف السياسي الإيراني، فإن كل ذلك سيضمن فوز المتشددين في الإنتخابات البرلمانية المقبلة ورئاسة الجمهورية خلال عامين.
وقال (هنري روما) وهو محلل سياسي في مجموعة أوراسيا وخبير استشاري في المخاطر السياسية في واشنطن إن رد الحكومة الإيرانية كان صارماً و وحشياً. وأضاف أن الاحتجاجات أظهرت أن العديد من الإيرانيين لا يخافون من النزول إلى الشوارع.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: