الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة4 ديسمبر 2019 07:58
للمشاركة:

بالأرقام… نتائج استطلاعات رأيٍ تعصف بمحاولات الإعلام الغربي صناعة “ربيعٍ إيراني”

نشر موقع قناة “روسيا اليوم” باللغة الإنجليزية، مقالةً للخبيرة في شؤون الشرق الأوسط شارمين نارواني، يوم الأربعاء 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، قدّمت خلالها قراءةً ناقدة لآلية تعاطي الإعلام الغربي مع الاحتجاجات المتفرقة في إيران على مدار السنوات الأخيرة، ومحاولاتها في صناعة “ربيع إيراني” على غرار الربيع العربي الذي انطلق عام 2011.

وانطلقت نارواني في مقالتها من الاحتجاجات التي بدأت منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، احتجاجًا على الرفع المُفاجئ لأسعار الوقود بنسبةٍ بلغت 50% دفعةً واحدة، حيث ترى نارواني أنّه وعلى الرغم من أنّ قرار خفض دعم المشتقات النفطية في إيران قد تم تأجيل تنفيذه منذ عدّة سنوات، إلا أنّه بات اليوم ضرورةً لا مفر منها بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي العام الماضي، وإعادة فرضها للعقوبات الاقتصادية مجددًا على إيران.

وتروي نارواني أنّه ومع مغيب شمس يوم الاحتجاج الأول، انحسرت أعداد المُتظاهرين بشكلٍ كبير، وظهرت في الشوارع مجموعاتٌ مِن مثيري الشغب، حيث تحولت التظاهرات السلمية لأعمال عنفٍ فتم حرق محطاتٍ للوقود وحافلاتٍ وبنوك؛ ما دفع قوات الأمن للاشتباك مع هذه “العناصر المُخربة” وإلقاء القبض عليهم، ما أدّى إلى وقوع عددٍ غير مؤكد من القتلى في صفوف كلا الطرفين.

وتتابع نارواني، بأنّ الاحتجاجات كانت حقيقية وقد اعترفت بها الحكومة الإيرانية، ليس هذا فحسب بل وقامت بتغطيتها إعلاميًا. إلا أنّ تلك الموجة من الاحتجاجات لم تكن ذات تأثيرٍ كبير وهذا ما لم يعجب الإعلام الغربي، حسب نارواني. حيث ترصد في هذا السياق أنّ قناة “فرانس 24” قد طرحت على الفور سؤالًا حول الاحتجاجات في إيران، وهو “هل هذه ثورة إيرانية جديدة؟”، بالتزامن مع تصريحٍ لنائب مدير “برنامج السياسة الخارجية” في معهد “بروكينغز” سوزان مالوني، مفاده بأنّ “المتظاهرين الإيرانيين قد وجهوا ضربةً لشرعية النظام”. فيما انتقدت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” ما وصفته بـ “القمع الوحشي” للحكومة الإيرانية لمواطنيها.

وفي قراءتها لآلية تعاطي الإعلام الغربي مع احتجاجات البنزين في إيران، قالت نارواني: إنّ “الإعلام الغربي حاول إُسقاط الاحتجاجات المستمرة في العراق ولبنان على إيران، وتصويرها بالتمرد الإقليمي ضد النفوذ الإيراني بشكلٍ أساسيّ وليس نتيجةً الاستياء الشعبي من الحكومات الفاسدة والمترهلة”. وتتابع نارواني أنّه وعلى الرغم من تعطيل شبكة الإنترنت المحلية في إيران ولمدّة اسبوع؛ إلا أنّ بعض وسائل الإعلام الغربية استعانت وبدون تحقق بمقاطع مصوّرة تظهر محتجين يهتفون بالموت للمرشد الإيراني وإسقاط النظام، كذلك يعارضون تدخلات بلادهم في المنطقة، تداولها معارضون إيرانيون عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” خلال فترة الاحتجاج. 

واعتبرت نارواني أنّ محاولات خلق رأيٍ عامٍ غربيٍ سلبيّ ضد إيران، قد باءت بالفشل مستعينةً على إثبات رأيها بنتائج استطلاعي رأيٍ أجراهما مركز الدراسات الدولية والأمنية في ماريلاند الأمريكية “CISSM”، ومركز “IranPolls ” في مدينة تورنتو الكندية، لمحاولة فهم “بماذا فكر الإيرانيون خلال الاحتجاجات التي اندلعت على مدار عام 2019، كذلك خلال الاحتجاجات السابقة في عامي 2017-2018″، أيّ في الفترة التي شدّدت فيها واشنطن الحصار الاقتصادي على إيران.

وحسب نتائج استطلاع الرأي الأول فإنّ الاحتجاجات التي اندلعت عام 2018، كانت بما لا يدع مجالًا للشك أو التأويل استجابةً مباشرة للظروف الاقتصادية الداخلية، وليس بسبب السياسة الخارجية الإيرانية أو “القمع الوحشي واسع النطاق الذي روّج له بشدةٍ الإعلام والسياسيون الغربيون حين اندلاع الاحتجاجات”. وفي الوقت الذي أكد فيه الاستطلاع على أنّ ما نسبته 77% من الإيرانيون يؤيدون بقاء النظام، مقابل 16% فقط يقرون بضرورة تغييره بشكلٍ جذري. أوردت سوزان مالوني في مقالٍ لها أثناء احتجاجات 2018 على صحيفة “الواشنطن بوست”، أنّ “الإيرانيين لا يتظاهرون من أجل تحسين ظروف العمل أو المعيشة، بل رغبةً وإصرارًا لإسقاط النظام”.

وعلى غرار أعمال الشغب التي شهدتها احتجاجات البنزين منذ أسبوعين، شهدت احتجاجات 2017-2018، أعمال شغبٍ محدودةٍ وعنيفة، حيث قامت قوات الأمن الإيرانية بفرض سيطرتها على الشوارع لوقف الفوضى. وفي أعقاب تلك الأحداث وبالرغم من العناوين الأجنبية الكثيرة حول “وحشية الأجهزة الأمنية”، أيّد الإيرانيون وبأغلبيةٍ ساحقة تعامل حكومتهم مع مثيري الشغب. ففي استطلاع عام 2018 وحول السؤال عن “عنف الأجهزة الامنية”، رأى ما نسبته 63% من العينة المستجيبة أنّ “الشرطة استخدمت القدر المعقول من القوة لفرض الأمن، بينما اعتبر 11% أنّ الشرطة استخدمت قوةً ضئيلة مع مثيري الشغب، فيما اتفق 85% على ضرورة أنّ تكون الحكومة الإيرانية أكثر قوةٍ لحماية الممتلكات وبسط الامن”. 

وحول التوتر الأميركي_ الإيراني وفي سياق الحرب الإلكترونية، أوردت نارواني في مقالها أنّ الجيش الأميركي كان قد أعلن في وقتٍ سابق أنّ “شبكة الإنترنت قد أصبحت مساحة عملياتية لشن الحروب”، حيث كانت إيران من أوائل ضحايا هذه الحرب الجديدة عندما هاجم فيروس “ستوكسنت الأمريكي_الإسرائيلي” الحواسيب والبرمجيات المتعلقة ببرنامجها النووي. حيث ترى نارواني أنّه ونتيجةٌ ل”الواقع الإلكتروني العسكري” لا ينبغي أنّ نستغرب تعطيل الحكومة الإيرانية لخدمة الإنترنت المحلية خلال الاحتجاجات الأخيرة.

الربيع الإيراني …”أحلام الفوضى”

تقول نارواني أنّه ومع حلول 2011 كان الغرب حريصًا على صناعة “ربيعٍ إيراني” وإلحاقه بالربيع العربي، ولم تكن بالأساس مؤسسات الإعلام الغربي تتوقف عن الحديث عن موضوعات متعلقة بالفساد والقمع الوحشي والرفض الشعبي للحكم الإسلامي في إيران ورفض تحالفاتها الإقليمية منذ اندلاع احتجاجات “الحركة الخضراء” عام 2009، حيث جاءت احتجاجات 2017-2018 كي تغذي أحلام الغرب.  وظهرت أحلام الغرب بربيعٍ إيراني على السطح مرة أخرى مع الاحتجاجات التي اندلعت مؤخرًا؛ ليأتي الاستطلاع الثاني بواسطة مركز الدراسات الدولية والأمنية في ماريلاند الأمريكية “CISSM ” ومركز “IranPolls ” بمدينة تورنتو الكندية أيضًا، عاصفًا ب”أحلامهم التدميرية”.

كيف فكر الإيرانيون في أكتوبر قبل أن يحتجوا في نوفمبر؟

تورد نتيجة الاستطلاع أنّ ما نسبته 61% من الإيرانيين  يؤيدون الإبقاء على قوة بلادهم العسكرية في سوريا؛ لصد أيّ هجوم محتملٍ من الإرهابيين قد يهدد أمن إيران ومصالحها. كما تؤكد الاستطلاعات التي تم إجراؤها منذ مارس 2016  وجهة النظر هذه حيث أيّدت ثلثي العينة المستهدفة، الأنشطة الرامية إلى زيادة دور إيران الإقليمي.

وحول سؤال “ماذا سيحدث لو وافقت إيران على مطالب واشنطن بإنهاء دورها في سوريا؟”، رأت 60% من العينة المستجيبة أنّ ذلك سيفتح الباب لمطالبة واشنطن بلادهم بتنازلاتٍ أخرى، فيما اعتقد ما نسبته 11% أنّها ستجعل التعامل الأميركي مع طِهران أكثر مرونة.

وحول دور الحرس الثوري الإيراني، فقد أكدت النتائج عدم اكتراث الإيرانيون  بقيام واشنطن بفرض عقوباتٍ على الحرس وقادته، لاسيما  قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني الذي يعتبر الشخصية الوطنية الأكثر شعبية، حيث حصل على تأييدٍ بنسبة 82%، تبعه وزير الخارجية محمد جواد ظريف بنسبة 67%، ثم رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي بنسبة 64%.

وأيّد 81٪ من العينة المستجيبة، نظرية أنّ الأنشطة العسكرية للحرس الثوري الإيراني في الشرق الأوسط جعلت إيران “أكثر أمناً”. وفيما يتعلق بدور الحرس الثوري في الاقتصاد المحلي الإيراني، يعتقد 63% أنّ الحرس الثوري الإيراني يجب أن يشارك في مشاريع البناء وغيرها من المشاريع الاقتصادية، هذا إلى جانب مواصلة دوره الأمني. وفي أوقات الكوارث، يُنظر إلى الحرس الثوري على أنّه مؤسسة دعمٍ حيوية فقد حصل الحرس الثوري الإيراني على 89% والجيش الإيراني على 90% من تأييد واحترام الإيرانيين؛ وذلك لإسهامه في مساعدة حوالي نصف مليون إيراني خلال الفيضانات التي ضربت البلاد منتصف العام الجاري.

الاقتصاد والفساد

على الصعيد الاقتصادي، اعتبرت نارواني أنّ الإيرانيين قد شعروا بخيبة أملٍ كبيرة جراء عدم تحقيق حكومة الرئيس حسن روحاني لوعودها، وعلى الرغم من ذلك فإنّ قرار خفض دعم البنزين “دواء مُر” لا بد منه، وخطوةٌ تحسب لحكومة الرئيس روحاني بغض النظر عن سوء إدارته بشكل عام. حيث انخفضت شعبيته لتصل إلى 42% في تموز/أغسطس. إذ يعتقد 54% أنّ حكومة الاعتدال لا تتخذ إجراءاتٍ جادة لمحاربة الفساد، على الرغم  من أنّ ما نسبته 73% يعتقدون أنّ القضاء الإيراني نزيهٌ ويقوم بمحاربة الفساد.

أمّا على الصعيدين السياسي والعسكري، فيراقب الإيرانيون أنشطة الحرس الثوري داخليًا وخارجيًا، ويبدون نتائج إيجابية، إذ يدعمون حضور بلادهم في العراق وسوريا؛ لأسبابٍ أمنية أهمها التصدي للإرهاب وتأمين دور إقليميٍ حقيقيٍ لإيران.  وتخلص نارواني وفي ضوء الأرقام الموثقة، إلى أنّه لا يوجد “ربيع إيراني يحوم في الأفق”؛ نظرًا لعدم وجود انقسامٍ حاد  بين الحكومة والشعب حول عددٍ كبير من القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية الرئيسية، وأضافت أنّه “يمكن للمعلقين الأجانب أن يسردوا ويصوروا الأحداث في إيران كما يشاؤون لكن حتى الآن، وكما هو الحال في كل مرةٍ، يختار الإيرانيون النظام على الفوضى”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: