بين احتجاجات العراق ولبنان هل ستخسر إيران نفوذها في المنطقة؟
خبراء يقرأون الواقع ويستشرفون المستقبل
فرضت الاحتجاجات الشعبية في لبنان والعراق مطلع تشرين أول/أكتوبر من العام الحالي، تساؤلات حول إمكانية تراجع نفوذ إيران الإقليمي، في ظل العقوبات الأميركية وسياسة “الضغط القصوى” التي تدخل عامها الثاني. فعلى الرغم من أن الاحتجاجات في كلا البلدين خرجت بشعارات متشابهة تدعو لمكافحة الفساد والحد من أزمة البطالة، ومعالجة المشاكل الاقتصادية، وتحسين الظروف المعيشية اليومية؛ إلا أن المحتجين رفعوا لافتات تطالب إيران بوقف التدخل في شؤون بلادهم.
إيران التي أقلقتها التظاهرات لم تسعفها زيارة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سلمياني، إلى العراق في اليوم الثاني لاندلاع الانتفاضة الشعبية ضمن مساعي بلاده لتهدئة الأمور والحفاظ على النظام السياسي في العراق والإبقاء على رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، في منصبه.
فتدحرجت الأمور واشتد الغضب الشعبي بعد إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين وسقوط عشرات الضحايا في حين قام المحتجون بإحراق صور للمرشد الإيراني علي خامنئي.
أما في لبنان فقد رفع المحتجون شعار “كلّن يعني كلّن” تعبيرا عن رفضهم للطبقة السياسية من ضمنها “حزب الله” الحليف القوي لإيران داخل لبنان.
وعلى خلاف موجات الاحتجاج التي طالت عددًا من الدول العربية وعلى مدار السنوات الثمانية الماضية، تختلف الحالة الراهنة في كلٍ من العراق ولبنان إذ يشترك البلدان في النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية، واستحقاق المناصب العليا في الدولة بناءً على أسس دينية وطائفية، ما يمنح قيادات الطوائف فرصًا لتقاسم النفوذ وفقًا لمصالحهم الشخصية على حساب حقوق المواطنين، وما يفتح الباب أيضًا لتدخل أطرافٍ خارجية لحماية مصالح الأطراف المتحالفة معها داخل كل دولة.
في هذا التقرير يقرأ عددٌ من المختصين في العلاقات الدولية والشأن الإقليمي لـ “جاده إيران”، في مجريات التنافس الإقليمي بين طِهران وواشنطن ضمن الظروف الراهنة، وما يمكن أن يؤول إليه مستقبل النفوذ الإيراني في المنطقة في الأيام القادمة.
ملفاتٌ منفصلة وفرصةٌ لتعاملٍ إيراني أكثر حذرًا
مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان، اعتبر خلال مقابلةٍ مع “جاده إيران”، أنّ دعم إيران لمحور المقاومة في سوريا ولبنان والعراق، ينطلق من تعريفها للأمن الإقليمي الذي ينعكس على الأمن القومي الإيراني. وبناءً على ذلك فإنّ الملفين منفصلين، ولكن التطورات والأحداث قد تدفع إيران إلى التعامل بحذرٍ أكبر في المستقبل.
تآكل بنية النظام الإيراني الداخلية غاية الطموحات الأميركية
من جهته، قال الخبير الاستراتيجي عامر السبايله، لا شك أنّ تعاظم المشاكل في مناطق النفوذ الإيراني يؤثر بشكلٍ كبير على طهران، والتي تواجه هذه التحولات بعد سنواتٍ من استنزاف الحرب في سوريا والتراجع الاقتصادي الناتج عن العقوبات الأميركية؛ ما يعني أنّ الأمر لا يقتصر على ضرب مناطق النفوذ الايراني فقط بل خلق أجواءٍ مناسبة لانتقال مثل هذه الاحتجاجات بتعقيداتها السياسية والاجتماعية والأمنية الى الداخل الإيراني.
وتابع السبايله خلال حديثه لـ “جاده إيران” حول انتقال موجة الاحتجاج إلى إيران عقب قرار الحكومة رفع أسعار البنزين، قائلًا: “لا أعتقد أنّ الأمور ستؤول للانفجار بشكلٍ مفاجئ؛ فالاستراتيجية الأميركية ليست قصيرة الأمد، حيث تسعى إلى تآكل بنية النظام وربما يكون هدفها الأساسي جعل إيران منشغلة في داخلها”.
فرصةٌ ذهبية لإيران وحلفاءها للمراجعة والتقييم
في المقابل، يرى أستاذ القانون الدولي العام علي فضل الله، أنّ هناك سيناريوهين محتملين فيما يتعلق بمستقبل نفوذ إيران الإقليمي؛ الأول هو نجاح العقوبات الأميركية إلى جانب الاحتجاجات الشعبية في تحقيق نتائجٍ لصالح الطرف الأميركي وحلفاءه، مما سيتسبب بخسارة إيران لأصدقاء حلفاءها بشكلٍ مؤقت وليس لحلفائها أنفسهم. أما السيناريو الثاني فيتمثل بنجاح إيران وهي صاحبة الصبر والنفس الطويل؛ مما سيكسبها حلفاءً إلى جانب حلفاءها باعتبارها طرفًا رابحًا في هذه المعادلة الإقليمية. وأضاف فضل الله، أنّ أميركا ستنسحب من المنطقة عاجًلا أم آجلًا مستشهدًا على ذلك بتراجع دورها وزيادة الحضور الروسي والصيني، بينما تشكل إيران جزءًا أصيلًا ومركزيًا في الإقليم.
فضل الله لفت خلال حديثه لـ “جاده إيران”، إلى أنّ الإدارة السياسية المتحالفة مع إيران والتي حكمت في العراق بعد الغزو الأميركي لم تكن موفقة في مهمتها وعلى أكثر من صعيد. أمّا في لبنان فلم يتسلم حليفها “حزب الله” زمام الأمور بالمعنى الحقيقي بل انخرط في السلطة بشكلٍ تدريجي ونتيجةً لظروفٍ ومعطياتٍ معينة. وأضاف فضل الله أنّ الضغوطات الأميركية، والاحتجاجات الشعبية في كلٍ من إيران والعراق ولبنان قد تنعكس بشكلٍ إيجابي على تلك الدول، من خلال معالجة الفساد والقيام بعملياتٍ لمراجعة الأداء في الجوانب الخدمية والمدنية والحضرية وحتى على مستوى القضايا الفقهية المرتبطة بالسياسة والاقتصاد.
أذرع إيران الإقليمية سبيلها الوحيد لرفع العقوبات الأميركية
بدوره قال الباحث المتخصص في العلاقات الدولية حازم سالم الضمور، أنّ إيران لا تزال تؤكد حضورها الإقليمي سواءً بواسطة أذرعها الإقليمية، أو عن طريق تنفيذ عملياتٍ حيوية، كإسقاط الطائرة الأميركية المسيّرة في حزيران/يونيو الماضي، مشيرًا إلى مساعي طِهران في توظيف أذرعها لتعزيز نفوذها الاستراتيجي، والدفع من خلالها نحو رفع العقوبات الأميركية عن تصدير نفطها.
وأضاف الضمور خلال مقابلةٍ مع “جاده إيران”، أنّ الاحتجاجات في كلٍ من العراق ولبنان بصورةٍ متزامنة وتحت نفس المطالب بسيادة القانون واحترام سيادة الدولة وإنهاء أي تدخل خارجي لا سيما الإيراني منه؛ قد يحد من قدرة إيران على التحرك مطولًا، إذ كان لافتًا انتقال هذه الاحتجاجات إلى الداخل الإيراني، بصورة توحي أن هنالك تجرؤ على الدور الإيراني، إقليمياً وداخلياً. وخلص الضمور، إلى أنّ “الضعف الاقتصادي التي تعيشه إيران اليوم، يدفع بعض الفئات المجتمعية للتفكير بالاحتجاج، إلا أنّ التماسك المجتمعي والسيطرة الأمنية يحولان دون تنفيذ احتجاجات ضخمة، وعلى الرغم من الهزات الإقليمية، يبقى النفوذ الخارجي الإيراني الوسيلة الأبرز والأقوى لإيران للضغط باتجاه رفع العقوبات الأمريكية، أو لتجميدها في المرحلة الراهنة على الأقل”.
ارتفاع تكلفة ممارسة النفوذ الإيراني
في المقابل، يرى الباحث غير المقيم في معهد كارينغي للشرق الأوسط في بيروت، حارث حسن أنّ “التظاهرات في العراق ولبنان ومن قبل في سوريا ترفع من تكلفة ممارسة النفوذ الإيراني في تلك الدول، والمقصود بالتكلفة هنا هي في بعديها المادي والأخلاقي، فهي تكرس فكرة أنّ إيران تدعم نظمًا فاسدة ومرفوضة شعبيًا. لكن من جهةٍ أخرى، فإنّ الدعم الإيراني غير المشروط للقوى المهيمنة داخل هذه النظم، يجعلها أكثر ثقةً بالطرف الإيراني، بالشكل الذي يسمح لطهران توطيد نفوذها داخل مؤسسات وهياكل تلك النظم عبر وكلائها، ما يعمق العلاقة مع هؤلاء الوكلاء، ويؤسس للتماهي بين بقاء النظام الإيراني وبقائهم.
وتابع حسن، خلال حديثه لـ “جاده إيران”، أن المعلومات تفيد بانتشار عناصر تابعين لـ “منظمة بدر” العراقية في بعض مناطق غرب إيران؛ لإسناد النظام في مواجهته للمتظاهرين خلال احتجاجات البنزين الأخيرة.