الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة26 نوفمبر 2019 20:19
للمشاركة:

آن أوان إشهارِ السيوف…  أسرار “مؤامرةٍ إيرانية لمهاجمة السعودية” – وكالة رويترز

كشف تقرير أعدّه محررون في وكالة “رويترز” عن اجتماعٍ جرى في مكانٍ شديد التحصين في طِهران، جمع عددًا من المسؤولين وقادةً رفيعي المستوى في الحرس الثوري الإيراني، خلال شهر أيار/ مايو 2019، أي قبل 4 أشهرٍ من الهجوم الذي تبنّته جماعة “أنصار الله” (الحوثيون)على منشأتي النفط التابعتين لشركة أرامكو السعودية في محافظة بقيق وهجرة خريص شرق السعودية. غير أنّ وكالة “إيسنا” نقلت عن مصدر إيراني مطلع نفيه صحة هذا التقرير، حيث وصفه بأنه “كاذب ومجرد أوهام لا أساس لها، ويهدف لإيجاد شرخ بين الدول الإسلامية في المنطقة وتعميق الخلاف بينها”.

في ما يلي، نص التقرير الذي نشرته “رويترز” ونفت إيران صحة معطياته.

ويورد التقرير أنّ محور اللقاء كان “كيفية معاقبة واشنطن على انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني، وعودتها إلى فرض عقوباتٍ اقتصادية على طِهران”.  وينقل التقرير كلامًا عن أحد كبار قادة الحرس أمام قائده الجنرال حسين سلامي، مخاطبًا الحاضرين: “آن الأوان لإشهار سيوفنا وتلقينهم درسًا”، حيث ناقش المجتمعون، وفق رويترز، ضرورة “مهاجمة أهداف ذات قيمة عالية بما في ذلك القواعد العسكرية الأميركية”.  ويتابع التقرير أنّ ما تمخض عن الاجتماع كان “خطةً لا تصل إلى حدّ المواجهة الصريحة مع أميركا، إذ قررت طِهران استهداف منشآتٍ نفطيةٍ سعودية كضربةٍ موجعها لحليفتها واشنطن”، وهذا الاقتراح تابع مناقشته مسؤولون عسكريون إيرانيون في أربعة اجتماعات لاحقةٍ على الأقل.

ويستند التقرير إلى ثلاثة مسؤولين مطلعين على الاجتماعات التي ناقشت القرار، ومسؤولٌ رابع مطلع على عملية اتخاذ القرار في إيران، حيث شرح الدور الذي لعبته قياداتً إيرانية في التخطيط لشنّ هجوم في 14 أيلول / سبتمبر على منشآتٍ تابعة لشركة أرامكو السعودية. وقال هؤلاء المسؤولون إن المرشد الإيراني علي خامنئي وافق على العملية تحت شروطٍ مشددة، إحداها تجنب استهداف القوات الإيرانية لأيّ مدنيين أو أميركيين. الوكالة أشارت إلى امتناع متحدثٌ باسم الحرس الثوري عن التعليق على هذه المعلومات، فيما تصرّ إيران منذ وقوع الهجمات على عدم ضلوعها في الهجوم.

ينقل التقرير تصريحاتٍ أدلى بها لرويترز المتحدث باسم البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة في نيويورك علي رضا مير يوسفي، قائلًا: “إنّ إيران لم تلعب دورا في الهجمات، وانّه لم تنعقد أيّ اجتماعاتٍ لكبار المسؤولين الأمنيين لبحث مثل تلك العملية، وأنّ المرشد الإيراني لم يصدر تفويضًا بأي هجوم”. وقال مير يوسفي ردًا على أسئلةٍ تفصيليةٍ من “رويترز” حول دور خامنئي في تلك الاجتماعات:” لا، لا، لا، لا، لا، وكلا“.

في الأثناء، لم تتلقَ “رويترز” أيّ ردٍ من مركز التواصل الحكومي السعودي على طلب التعليق، فيما امتنعت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ووزارة الدفاع (البنتاجون) عن التعليق. كذلك لم يعلق أحد كبار المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مباشرةً على ما توصلت إليه “رويترز”، إلا أنّه قال “إنّ مسلك طِهران وتاريخها في الهجمات المدمرة على مدى عشرات السنين ودعم الإرهاب؛ هو السبب في أنّ اقتصادها في حالة فوضى”.

وكانت جماعة أنصار الله “الحوثية” المتحالفة مع إيران، قد أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم على منشآت النفط السعودية. ورفض مسؤولون أمريكيون وسعوديون هذا الإعلان حينها مشيرين بأصابع الاتهام إلى إيران نظرًا لتعقيدات العملية.

السعودية هدفٌ استراتيجيٌ إيراني

تعد السعودية الخصم التقليدي لإيران في المنطقة، فهي حليفٌ أمنيٌ مهمٌ لواشنطن، كما أنّها توصف بـ “عملاق صناعة النفط ” التي يعد إنتاجها حيويًا للاقتصاد العالمي. إلا أنّ حربها في اليمن والتي سقط خلالها آلاف المدنيين، كذلك مقتل السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول العام الماضي، تسببا في توتر علاقاتها مع عددٍ من أعضاء الكونجرس الأميركي. إذ شهد الكونجرس الأميركي موجة رفضٍ للتدخل العسكري في أعقاب الهجوم.

وكشف الهجوم الذي استغرق 17 دقيقة على منشأتين تابعتين لشركة أرامكو شنته 18 طائرة مسيرة وثلاثة صواريخٍ، عن مدى هشاشة أنظمة الدفاع لدى شركة النفط السعودية رغم المليارات التي أنفقتها المملكة على الأمن. وشبّت حرائق في منشأة خريص السعودية ومنشأة بقيق لمعالجة النفط وهي الأكبر من نوعها في العالم، وتسبب الهجوم في انخفاض إنتاج النفط السعودي إلى النصف بصفةٍ مؤقتة وعطّل 5% من إمدادات النفط العالمية. ما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية.

ودفع الهجوم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى اتهام إيران بالقيام “بعملٍ من أعمال الحرب”.  تلى ذلك فرض أميركا عقوباتٍ جديدة على طِهران. فيما صرّح مسؤولون أميركيون لـ “رويترز”، أنّ واشنطن شنّت هجماتٍ إلكترونية “سيبيريه” ضد إيران.

البحث عن هدف

قال المسؤول المطلع على عملية اتخاذ القرار في إيران لـ”رويترز”، إنّ الخطة التي وضعها القادة العسكريون الإيرانيون لضرب منشآت النفط السعودية تطورت على مدار عدّة أشهر. وأضاف: “نوقشت التفاصيل باستفاضةٍ خلال خمسة اجتماعاتٍ على الأقل، وصدرت الموافقة النهائية بحلول أيلول/ سبتمبر”.

فيما أفاد المسؤولون الثلاثة لـ “رويترز”، أنّ تلك الاجتماعات انعقدت في موقع محصنٍ داخل مجمعٍ واقعٍ في جنوب طهران، وأضافوا أن المرشد الإيراني حضر أحد تلك الاجتماعات في مقر إقامته الواقع أيضًا داخل المجمع.

وأشاروا إلى أنّ من بين من حضروا بعضًا من تلك الاجتماعات، كان أحد مستشاري خامنئي العسكريين ونائب قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني. فيما لم يتسن لـ “رويترز” الاتصال برحيم صفوي للتعليق.

وقال المسؤول المطلع على عملية اتخاذ القرار، وفق رويترز، إنّ من بين الأهداف المحتملة التي نوقشت في البداية كان مرفأً بحريًّا سعوديًّا، إلا أنّه لم يذكر تفاصيل إضافية، فيما قال المسؤولون الأربعة أنّه تم استبعاد هذه الأفكار في نهاية المطاف؛ بسبب مخاوف من وقوع خسائر بشريةٍ كبيرة، يمكن أنّ تؤدي إلى ردٍ قاسٍ من أميركا وتحفزٍّ من إسرائيل؛ ما قد يدفع بالمنطقة إلى حربٍ واسعة.

وأضاف المسؤول ذاته إلى أنّ “المجموعة استقرت على خطة مهاجمة منشأتي النفط السعوديتين، لأنّ الخبر حينها يمكن أن يحتل عناوين الصحف العالمية، فضلًا عن أنّ العملية ستلحق أضرارًا اقتصادية جسيمةٍ بالخصم، وستوصل في الوقت نفسه رسالةً قويةً إلى واشنطن”.  وأضاف: “جرى التوصل إلى الاتفاق على مهاجمة أرامكو بالإجماع تقريبًا؛ الفكرة كانت لاستعراض قدرات إيران العسكرية في الوصول إلى العمق”.

وكانت هجمات 14 أيلول/ سبتمبر 2019 هي الأسوأ على منشآتٍ نفطيةٍ في الشرق الأوسط، منذ أنّ أضرم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين النار في حقول نفطٍ كويتية خلال حرب الخليج الثانية عام 1991. وقالت عضو مجلس الشيوخ الأميركي، الجمهورية مارثا ماكسالي، والتي سبق لها العمل في القوات الجوية وزارت منشأة بقيق عقب الهجوم، أنّ “منفذي العملية كانوا يعرفون بدقةٍ أين ينبغي أن يضربوا لإحداث أكبر ضررٍ ممكن” وأضافت ماكسالي لـ”رويترز”  أنّ الهجمات “كشفت عن مخططٍ مدركٍ ولديه خبرةٌ في عملياتٍ مشابهة، وأنّ ما حدث ليس مجرد قصف أهدافٍ بناءً على صور أقمارٍ صناعية”. وذكرت أن الطائرات المسيرة والصواريخ “جاءت من قاعدة إيرانية”.

تصريح ماكسالي يتقاطع مع تصريحٍ لمصدرٍ شرق أوسطي، أطلعته دولةٌ تحقق في الهجوم على مجرياته، حيث قال لرويترز: “إن موقع انطلاق الصواريخ والطائرات هو قاعدة الأحواز الجوية جنوب غرب إيران”. ويماثل هذا التقييم ما قاله ثلاثة مسؤولين أمريكيين، وشخصان آخرين تحدثا لـ”رويترز” وهما مسؤول مخابرات ٍغربي، ومصدرٌ غربي يعمل في الشرق الأوسط.

وقال هؤلاء إنّه “بدلًا من الطيران مباشرة من إيران إلى السعودية فوق الخليج، أخذت الصواريخ والطائرات المسيرة مساراتٍ مختلفة غير مباشرة إلى المنشآت النفطية في إطار مسعى إيران لإخفاء تورطها في الهجوم”.  ووفقًا للمصدر الاستخباري الغربي فقد طارت بعض الطائرات المسيرة فوق العراق والكويت قبل أنّ تصل إلى السعودية وهو ما منح إيران فرصة الإنكار المعقول لتورطها في الأمر، حسب وصفه. وأضاف قائلًا: “الأمر سيصبح مختلفًا لو أنً الصواريخ والطائرات المسيرة شوهدت أو سُمعت وهي تطير في طريقها للسعودية فوق الخليج من مسار طيرانٍ جنوبي”.

وأطلع قادةٌ في الحرس الثوري الإيراني المرشد خامنئي على العملية الناجحة بعد ساعات من الهجوم، وفقًا للمسؤول المقرب من دوائر صنع القرار الإيراني. فيما عرضت وسائل الإعلام في شتى أنحاء العالم صور الحرائق المشتعلة في منشآت النفط السعودية، وتهاوت سوق الأسهم السعودية حيث قفزت أسعار النفط العالمية بنسبة 20% عقب الهجوم مباشرة، وتجمع مسؤولو شركة أرامكو السعودية في ما سميّ داخليًا “غرفة إدارة الطوارئ” بمقر الشركة. وقال أحد المسؤولين الذي تحدثوا مع رويترز إنّ نتيجة العملية قد أسعدت طهران، حيث وجهت ضربةً مؤلمةً للسعودية وهزأت بأميركا.

تقييم إمكانيات الرئيس الأميركي

يورد التقرير أنّ رد فعل المرشد الإيراني علي خامنئي، عقب انسحاب أميركا من الاتفاق النووي قد اتسم بالتحدي. ويسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتوصل إلى اتفاقٍ أفضل مع الإيرانيين، ما دفعهم إلى الشروع في استراتيجيةٍ على مسارين لتخفيف آثار إعادة فرض واشنطن للعقوبات على طِهران، والتي تسببت في شلّ حركة صادراتها النفطية وعزلتها عن النظام المصرفي العالمي بالكامل تقريبًا. فيما أبدى الرئيس الإيراني حسن روحاني استعدادًا لمقابلة المسؤولين الأميركيين بشرط رفع كل العقوبات الأميركية، بالتزامن مع تطوير بلاده لقدراتها العسكرية والتقنية.

وفي حزيران/ يونيو الماضي، أسقطت إيران طائرة استطلاع مسيّرة أميركية. كذلك احتجزت ناقلة نفط بريطانية في مضيق هرمز الذي يمر عبره نحو 20% من إنتاج النفط العالمي، فيما أعلنت طهران عن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم في إطار خفض التزاماتها بالاتفاق النووي عقب انسحاب أميركا منه، وعدم التزام الطرف الأوروبي بالتزاماته تجاه طِهران.

وكانت هجمات أرامكو تصعيدًا جاء في وقتٍ يعكف فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تنفيذ هدفه المعلن منذ وقت طويل بسحب القوات الأميركية من الشرق الأوسط، وبعد أيام فقط من إعلانه المفاجئ بسحب قواته من الشمال السوري. وكانت إدارة ترامب قد أعلنت في 11 تشرين الأول/  أكتوبر الماضي، أّنها سترسل مقاتلاتٍ وأسلحة للدفاع الصاروخي وقواتٍ إضافية قوامها 2800 جندي إلى السعودية لتعزيز دفاعات المملكة. وحذّر وزير الدفاع الأمريكي مارك اسبر طِهران في لقاءٍ صحفي قائلًا: “لا تهاجموا دولةً أخرى ذات سيادة ولا تهددوا المصالح الأميركية أو القوات الأميركية؛ وإلا سنرد”.

من جهته، قال مدير مشروع إيران بمجموعة الأزمات الدولية علي واعظ: “يبدو أنّ إيران وضعت حساباتها على أساس أنّ إدارة الرئيس ترامب لن تخاطر بهجومٍ شامل قد يزعزع استقرار المنطقة من أجل حماية النفط السعودي”، وأضاف واعظ أنّ المتشددين في إيران أصبحوا يعتقدون أنّ ترامب مجرد “نمرٍ على تويتر”، وبالتالي فلا ثمن دبلوماسيًا أو عسكريًا لأي ضغطٍ من جانبهم”.

بدوره، دحض مسؤولٌ رفيع المستوى في الإدارة الأميركية فكرة أنّ عملية إيران عززت قدرتها في التوصل إلى اتفاق لتخفيف العقوبات الأميركية عليها، قائلًا: “إيران تعرف تمامًا ما الذي يتعين عليها فعله لرفع العقوبات عنها”، حيث تقول الإدارة الأميركية أنّه يتعيّن على إيران إنهاء دعمها للجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، والخضوع لشروطٍ أشدّ صرامةً تقضي تمامًا على طموحاتها النووية، بينما ترد إيران أنّ لا علاقة تربطها بأيّ جماعاتٍ إرهابية، إذ لم يتضح ما إذا كانت إيران ستلتزم بالمطالب الأميركية أم لا.

وختم معدّو التقرير بنقل جملةٍ جاءت على لسان قائدٍ في الحرس الثوري الإيراني، خلال واحدٍ من آخر الاجتماعات التي عقدت قبيل الهجوم على منشآت النفط السعودية، “ثقوا أنّ الله سبحانه وتعالى سيكون معنا، وابدأوا التخطيط للهجوم التالي”، حيث نقل هذا التصريح المسؤول الإيراني المقرب من دوائر صنع القرار الإيرانية، والذي جرى اطلاعه على مجريات تلك الاجتماعات.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: