متى تستطيع أميركا التأثير على صناعة القرار الإيراني؟
نشرت مجلة “Foreign Affairs” الأميركية، مقالةً للباحثين دانيال بنجامين المنسق الأسبق لقسم مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية، وستيفن سيمون، المدير الأسبق لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي، ناقشا خلالها العلاقات الأميركية الإيرانية بعد 40 عامًا من الثورة الإسلامية. وتحت عنوان “شيطان أميركا الأكبر”. أكد الكاتبان على أنّ إيران هي الدولة الوحيدة المصنّفة لدى واشنطن بالعدو على مدار العقود الماضية، وأضافا أنّ سياسة ترامب التصعيدية حيالها لا تأتي من فراغ؛ بل امتداد لسياسةٍ عدائية مستمرة منذ اربعين عامًا.
وفي الوقت الذي تحدث فيه الكاتبان عن احتمال قيام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمحاولاتٍ لتحسين العلاقات مع إيران، لافتين إلى تصعيده في السياسات العدائية تجاه طهران بشكل دراماتيكي، تحت وطأة الضغوط الإسرائيلية والحوافز السعودية، ما دفعهم للتحذير من خطر الحسابات الخاطئة نتيجة هذا النهج، نظرًا لأن أيّ حربٍ مع إيران ستكون مكلفة ومعدومة المنفعة، وفق رأيّهما.
وشدّد الكاتبان على ضرورة أنّ تعيد واشنطن النظر في بعض “الفرضيات” المتعلقة بإيران. معتبرين أنّ الصقور في البيت الأبيض يبالغون في “حجم التهديد الذي يشكله الإرهاب الذي ترعاه إيران”، في حين أنّ “الإرهاب الجهادي الذي تتسامح معه وتموله أحيانًا الدول السنّية الحليفة لواشنطن، هو أخطر بكثير”، حسب وصفهما. وتابع بنجامين وسيمون، قائلين إنّ دعم باكستان للجماعات الإرهابية التي تستهدف الهند، وقيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم يشكل خطرًا أكبر على الاستقرار العالمي مقارنة مع “أنشطة إيران”. مشيرين إلى أنّ واشنطن تتعامل مع طهران على أساس أنها دولة “منبوذة”، بينما تحافظ على العلاقات مع إسلام اباد وموسكو. الكاتبان استنتجا من ذلك وجود عوامل تقع خارج إطار المصلحة الاستراتيجية في مسألة العلاقات الأميركية الإيرانية.
هذا وأضاف الكاتبان بأنّ الكثير من المحليين الأميركيين لا يلتفتون إلى “دوافع إيران الحقيقية” والتي تتمثل في حماية مصالحها الأمنية في بيئة عدائية. كما قالا إنّ “الخطيئة” الاولى في العلاقات الاميركية الإيرانية كانت عملية الانقلاب ضد رئيس الوزراء الإيراني الأسبق محمد مصدق. كذلك ذكّرا بأنّ إدارة رونالد ريغن دعمت صدام حسين في الحرب مع إيران.
الكاتبان اعتبرا أيضاً أنّ استمرار العداء الأميركي لإيران على مدى أربعين عامًا هو أمرٌ مثيرٌ للاهتمام، مقارنة مع العلاقات الدبلوماسية التي عادت بالكامل بين أميركا وفيتنام عام 1995، وذلك بعد مرور عقدين فقط من مغادرة آخر الطائرات المروحية الأميركية الأراضي الفيتنامية. كذلك ذكّرا بأنّ حرب فيتنام أودت بحياة أكثر من 58,000 أميركي. وعلى الرغم من إشارة الكاتبين إلى أنّ عدد الوفيات الأميركية التي يمكن ربطها بإيران لا يصل إلى 500 حالة، إلا أنّهما لفتا إلى أن الشارع الأميركي يعتبر إيران أكبر عدوٍ لبلادهم بحسب خمسة استطلاعات رأي أجرتها مؤسسة “Gallup” خلال العقدين الأخيرين.
وفي إطار حديث بنجامين وسيمون عن إرتفاع حدة العداء الأميركي تجاه إيران تزامنًا مع ازدياد نفوذ المسيحيين الإنجيليين داخل الحزب الجمهوري وزيادة الدعم الشعبي للكيان الإسرائيلي داخل أميركا، أشار الكاتبان إلى أنّ أستطلاع للرأي نظمته مؤسسة “Gallup” للأبحاث عام 1989 كشف أنّ ما نسبته 49% من الشعب الأميركي يدعمون إسرائيل، بينما إرتفعت هذه النسبة اليوم إلى 69%.. كما لفتا إلى إرتفاع نسبة تأييد إسرائيل لدى الجمهوريين المحافظين، حيث وصلت هذه النسبة إلى 87% العام الماضي. كذلك إرتفع وفقا لنفس الإستطلاع دعم الديمقراطيين لإسرائيل حيث أصبحت النسبة 62%.
ووفق رأي الكاتبين، فإنّ التأثير الإسرائيلي على السياسة الأميركية تجاه إيران ازداد بشكلٍ ملحوظ منذ عام 2012، بينما ساهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في جعل بلاده حليفةً قويةً للحزب الجمهوري. وبناءً عليه اعتبر الكاتبان أن ّ أميركا في ظل حكم إدارة دونالد ترامب سلّمت السياسة الأميركية المتبعة في الشرق الاوسط إلى إسرائيل والسعودية أكثر من أيّ وقتٍ مضى. وأشارا في هذا السياق إلى أنّ إدارة ترامب سمحت لإسرائيل تنفيذ غارةً جوية في العراق خلال شهر آب/اغسطس الماضي، على الرغم من كون ذلك يتناقض والمصلحة الأميركية “باستقرار الأوضاع في العراق”. وأضافا بأنّ العداء الأميركي لإيران مكلف ويجب تجنب قيام حربٍ أميركية جديدة في الشرق الأوسط. كذلك حذر الكاتبان من أنّ المقاربة الأميركية الحالية إزاء إيران تحمل معها خطر إيجاد فجوة بين أميركا وأوروبا، إذ أشارا إلى أنّ الأوروبيين يفضلون التفاوض مع إيران على النزاع. وتابعا بأنّ العداء الأميركي الإيراني يشكل تهديدًا للاستقرار الإقليمي. حيث أشارا في هذا السياق إلى أزمة اللاجئين والضغوط على الدول المجاورة في حال إنهارت الدولة في إيران.
مع ذلك استبعد الكاتبان حدوث تغييرٍ في مسار السياسة الأميركية المتبعة حيال إيران خلال فترة إدارة ترامب، مبررين توقعاتهم بداعمي ترامب في الحزب الجمهوري الذين لا يزالون يدعمون سياساته المتشددة ضد إيران. كما أردفا بأن إيران من جهتها ستشكك بمدى إلتزام ترامب بأي اتفاق. كذلك لفت الكاتبان إلى ضرورة التوصل إلى “تسويةٍ مؤقتة” مع إيران على غرار ما حصل مع الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة. كما تحدثا عن ضرورة العمل الدبلوماسي الجريء لإدارة ديمقراطية مستقبلية، وضرورة تخطي إعتراضات الحزب الجمهوري والحكومة الإسرائيلية.
واختتم الكاتبان مقالهما بالحديث عن هدفٍ أميركي يتمثل في “التأثير على سياسة إيران الخارجية من أجل الحد من مخاطر اندلاع المواجهة بين الطرفين”. وأوضحا أنّ ذلك يتطلب فتح قنوات اتصالٍ عسكرية مع إيران، بحيث يكون الهدف في البداية منع وقوع حوادث صدام. وتابعا بأنّ الامور قد تتطور من هناك بحيث تجرى محادثات متعددة الاطراف حول مسائل تقنية ومن ثم محادثات سياسية تشمل مجالات التعاون المحتمل، على أنّ تتوج العملية بتطبيع العلاقات الدبلوماسية. وأضافا أنّ واشنطن لن تستطيع التأثير على صناعة القرار في إيران إلا عندما يعاد افتتاح سفارتها في طهران.