الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة21 نوفمبر 2019 19:22
للمشاركة:

وثائقٌ مسرّبة تكشف مشروع إيران التوسعي في العراق.. ما الحكاية؟

‎‎نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، مؤخرًا مضمون وثائقٍ استخباراتية إيرانيةٍ مسرّبة تكشف النقاب عن مساعي ومخططات إيران لتوسيع نفوذها في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003، وتحوي الوثائق التي حصل عليها في البداية ونشرها موقع “ذا انترسبت” الأميركي، مئات التقارير والمراسلات المكتوبة بأقلام ضباطٍ يعملون لدى وزارة الاستخبارات الإيرانية أو وزارة الداخلية، في الفترة ما بين 2014-2015.

‎وكشفت الوثائق المنشورة حديثًا والتي تتزامن مع انتفاضةٍ شعبيةٍ في العراق، أهداف زيارةٍ قام بها قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني إلى بغداد منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عقب اندلاع الانتفاضة، والمتمثلة في تثبيت أركان الحكم في العراق وإبقاء رئيس الوزراء العراقي الحالي عادل عبد المهدي، في مكانه.

‎ووصفت الوثائق المسرّبة مجهولة المصدر حتى اللحظة، حيث رفض المصدر الكشف عن اسمه مكتفيًا بالقول ” نريد إعلام العالم بما تفعله إيران في بلدنا العراق”، وصفت العملاء والمخبرين الذين عملوا لصالح إيران ب”الصبورين والمحترفين والعمليّين”. وتورد مهامهم الرئيسية المتمثلة في: “منع العراق من الانهيار، والحد من تواجد المسلحين السنّة على الحدود مع إيران، ومنع قيام حربٍ طائفية بين السنّة والشيعة،  كذلك منع خروج عن كردستان من تحت المظلة العراقية”.

‎الحضور الإيراني في العراق بعد الغزو الأميركي

‎تورد التقارير المسرّبة أنّ صعود إيران كلاعبٍ قويٍ في العراق كان نتيجة مباشرة لافتقار واشنطن إلى أيّ خطةٍ بعد غزوها للعراق، كذلك نتيجةً للسياسات الأميركية الكارثية بدءًا بقرار تفكيك القوات المسلحة العراقية، وحتى عملية “اجتثاث البعث”. فضلًا عن تخليّها عن العديد من عملاءها السريّين، وتركهم عاطلين عن العمل ومعوزين في بلدٍ قد تسبب لهم صلتهم بواشنطن في تلك الفترة بالقتل، ما دفع إيران لاستغلال ما لدى هؤلاء العملاء من معلوماتٍ حول عمليات وكالة الاستخبارات الأميركية في العراق، مقابل مبالغٍ من الأموال.

‎وتضيف التقارير أنّ إيران قد كافحت لكسب التأييد الشعبي في جنوب العراق، ففتحت مكاتب دينيةٍ في المدن العراقية المقدسة لدى أتباع المذهب الشيعي، ونشرت لافتاتٍ لمطلق الثورة الإسلامية الراحل آية الله روح الله الخميني في شوارعها، وقامت أيضًا وبدعم من بعض الأحزاب السياسية في الجنوب، بإرسال الطلاب الإيرانيين للدراسة في الحوزات العلمية العراقية، كما أرسلت عمال بناءٍ إيرانيين لبناء الفنادق العراقية وتجديد الأضرحة هناك.

‎”المصدر 134992″… المخبر العراقي المجهول

‎تؤكد الوثائق المسرّبة أنّ مخبرًا عراقيًا كان قد عمل لصالح وكالة الاستخبارات الأميركية لمدة 18 شهرًا، تقدّم بكل ما بجعبته من معلوماتٍ للاستخبارات الإيرانية بعد تركه العمل لدى نظيرتها الأميركية، حسب إحدى الوثائق المؤرّخة في تشرين الثاني/نوفمبر 2014. وكان المخبر يلقب ب”دوني براسكو”، عند عمله لصالح واشنطن إلا أنّ لقبه قد تغيّر إلى “المصدر 134992″؛ بعد تعاونه مع الاستخبارات الإيرانية.

‎ومن ضمن المعلومات التي أدلى بها “المصدر 134992” للاستخبارات الإيرانية، كانت: “أسماء الفنادق التي قابل فيها عملاء وكالة الاستخبارات الأميركية، أيضًا تفاصيل الأسلحة والتدريب على المراقبة، كذلك  أسماء العراقيين الآخرين الذين عملوا برفقته لصالح نفس الجهة”. المصدر ذاته كشف عن المبالغ والمكافئات التي حصل عليها من وكالة الاستخبارات الأميركية. وعاهد الإيرانيين قائلًا: “سأحيل إليكم جميع الوثائق ومقاطع الفيديو والصور التي لديّ من الدورة التدريبية، وسأحدد ملامح زملائي المتدربين ومرؤوسيَّ”.

الإقليم الجوي العراقي والأزمة السورية

‎تذكر الوثائق أنّ لقاءًا جمع الجنرال قاسم سليماني ووزير النقل العراقي في خريف عام 2014، للتباحث في حاجة إيران للوصول إلى المجال الجوي العراقي؛ لنقل طائراتٍ محملةٍ بالأسلحة وغيرها من الإمدادات لدعم نظام بشار الأسد في سوريا في معركته ضد “المتمردين الذين تدعمهم أميركا”. حيث قوبل الطلب الإيراني بالموافقة وموقفٍ وديّ بين الجنرال سليماني والوزير باقر جبر الزبيدي. وتنقل الوثائق أن مسؤولين من إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ضغطوا بقوةٍ على القيادة العراقية لإيقاف الرحلات الجوية الإيرانية عبر مجالها الجوي إلا أنّ تلك الضغوطات باءت بالفشل.

مسؤولون عراقيون بارزون ومأزقِ الولاء بين واشنطن وطهران

‎كشفت الوثائق عن علاقاتٍ سرية كانت تربط رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، بالاستخبارات الإيرانية، وفي التفاصيل فقد اجتمع العبادي مع ضابطٍ بوزارة الاستخبارات يدعى بروجردي في كانون الثاني/ يناير 2015. للتباحث حول الموضوع الأكثر حساسية في العراق ، ألا وهو “الانقسام السنّي_ الشيعي”، وتفيد التقارير أنّ العبادي أعرَب عن “موافقته الكاملة” بعد مناقشة بروجردي لاتخاذ خطواتٍ في هذا الشأن. كان ذلك على الرغم من تشكيك إيران في ولاءات العبادي قببل توليه رئاسة الحكومة.

‎وذهبت بعض الوثائق إلى كشف النقاب عن اللقاءات العديدة التي جمعت رئيس مجلس النواب العراقي السابق سليم الجبوري بالسفير الأميركي في بغداد آنذاك ستيوارت جونز. وتذكر الوثائق نقلًا عن أحد كبار مستشاري الجبوري السياسيين يدعى “المصدر “134832”، والذي كان يعمل لصالح إيران، أنّ الجبوري يستبعد أنّ يكون أيًّا من موظفيه عميلاً لإيران. وحث المصدر الاستخبارات الإيرانية على تطوير علاقاتٍ أوثق مع الجبوري، لعرقلة الجهود الأمريكية في “رعاية طبقةٍ جديدة من القادة السنة الشباب في العراق وربما لعرقلة تحقيق المصالحة بين السنّة والشيعة”. ونصح المصدر ذاته إيران بالتحرك للحيلولة دون “انزلاق الجبوري إلى موقع موالٍ لأميركا؛ لأن إحدى خصائص الجبوري هي المصداقية واتخاذ قرارات متسرعة”.

‎وبحسب ما تنقل الوثيقة عن تقرير صادر عن مستشار الجبوري، تسعى واشنطن للوصول إلى حقلٍ غنيٍ بالغاز الطبيعي في عكاز بالقرب من الحدود العراقية مع سوريا، وأوضح المصدر أنّ الأميركيين يطمحون في تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا.

‎كما وتكشف الوثائق أنّ الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما دفع باتجاه الإطاحة برئيس الوزراء نوري المالكي كشرطٍ لتجديد الدعم العسكري الأمريكي. وأعرَب عن اعتقاده أن سياسات المالكي الوحشية ضد السنّة العراقيين قد ساعدت في صعود المتشددين. وتذكر الوثائق أنّ المالكي، الذي كان يعيش في المنفى في إيران في الثمانينيات كان مفضلًا أكثر لدى طهران، من حيدر العبادي الذي تلقى تعليمه في بريطانيا، والذي كان ينظر إليه على أنّه أكثر وديةٍ للغرب وأقل طائفية.

‎وتورد الوثائق أنّ وزراء البلديات والاتصالات وحقوق الإنسان كانوا في وئامٍ تام ٍ وواحدٍ مع إيران، كذلك وزير البيئة رغم كونه سنّي. أيضًا كشفت الوثائق أنّ وزراء البلديات والاتصالات وحقوق الإنسان السابقين جميعهم كانوا أعضاءً في “منظمة بدر”، وهي مجموعة سياسية وعسكرية أسستها إيران في الثمانينات لمعارضة نظام الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين.

مذبحة جرف الصخر وتعميق الخلاف الطائفي

‎تؤكد الوثائق المسربة أنّ عملية جرف الصخر التي جرت عام 2014، عندما طردت الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران مسلحي تنظيم “داعش” من المنطقة، أدّت إلى تهجير العائلات السنية، حيث دمرت الميلشيات منازلهم، واقتلعت بساتين النخيل لمنع مسلحي التنظيم من اللجوء إليها. حيث وردت هذه العبارة في إحدى التقارير: “في جميع المناطق التي تدخل فيها قوات الحشد الشعبي، يفر السنّة، تاركين منازلهم وممتلكاتهم، مفضلين العيش في الخيام كلاجئين أو مقيمين في المخيمات”.

‎وتذكر التقارير أنّ منطقة جرف الصخر مهمّةٌ لإيران؛ لأنها تقع على طريقٍ يستخدمه الحجاج الشيعة للسفر إلى كربلاء لإحياء ذكرى وفاة حفيد النبي، الحسين بن علي. إذ قدمت إيران نفسها كحاميةٍ للشيعة في العراق منذ الغزو العراقي الأميركي على العراق عام 2003.

‎القوة الإيرانية الناعمة في العراق

‎تورد الوثائق المسرّبة أنّ إيران وضعت خططًا إنسانية لكسب “العقول والقلوب”، تقوم على إرسال أطباء متخصصين بأمراض الأطفال والنساء إلى القرى في شمالي العراق لتقديم الخدمات الصحية للفئات المعوزة هناك. وتكشف إحدى التقارير الميدانية أيضًا أنّ إيران مُنحت عقودًا لمشاريع مياه الصرف الصحي وتنقية مياه الشرب بعد دفعها لرشوةٍ بلغت قيمتها 16 مليون دولار لأحد أعضاء البرلمان العراقي، في إطار كفاحها للحفاظ على هيمنتها في العراق.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: