الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة17 نوفمبر 2019 07:29
للمشاركة:

هل سترضخ إيران لسياسة “الضغط القصوى” الأميركية في عامها الثاني؟

نشر موقع “Foreign Affairs” الأميركي، مقالةً للخبير في السياسة الخارجية الإيرانية هنري روما، يوم الثلاثاء 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، ناقش خلالها مخرجات سياسة “الضغط القصوى” الأميركية على إيران تزامنًا مع مرور عام على تبنيها العلني من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وذلك بعد خروج أميركا من الاتفاق النووي الإيراني (5+1). وتحت عنوان “إيران تتعافى.. أنشطتها الإقليمية وبرنامجها النووي سيجتازا العقوبات كما اجتازتها البلاد”،  خالف روما أراء العديد من المختصين الذين توقعوا دخول إيران في “دوامة الموت” وانحسار خياراتها بين الاستسلام أو الانهيار، أيضًا آراء البعض ممن اعتقدوا بنجاحِ مساعي العقوبات الأميركية في الحد من صادرات النفط الإيرانية، وإعاقة وصول إيران إلى النظام المالي الدولي. إذ يرى روما أن إيران تدخل عامها الثاني في ظل العقوبات الأميركية المستمرة إلا أنّها تبدو واثقةً في الوقت نفسه من استقرارها الاقتصادي ومكانتها الإقليمية، كذلك يبدو على قيادتها العزم على مواصلة المسار الحالي، والمتمثل في “تهذيب سوق النفط بالتوازي مع تعزيز اقتصادها غير النفطي، وتوسيع برنامجها النووي بالتوازي مع رفض الحوار مع واشنطن”، حسب وصفه.

وحول دور أصدقاء إيران في دعم اقتصادها، يرى روما أن هذا الدعم لن يتحقق أبدًا؛  بسبب الضغوطات الأميركية واقتصار آلية المساعدة المالية  الأوروبية على التجارة الإنسانية، لعدم استطاعة الدول الأوروبية إجبار الشركات الخاصة على تحدي العقوبات الأميركية. أما الأطراف الأخرى مثل روسيا والصين والهند، فيعتقد روما أنّها لن تقدم أيّ مساعدةٍ لطهران تجنبًا للركود الاقتصادي، ويدلل روما على رأيه بأنّ هذه الدول الثلاث تعطي الأولوية لتفادي أيّ توترٍ إضافيٍ في  العلاقات مع أميركا؛ فللمحادثات التجارية والعلاقات الاستراتيجية الخارجية أهمية عظمى للصين، أما روسيا فتحاول تجنب عقوبات جديدة على الكرملين يفرضها الكونغرس، بينما تحاول الهند الإبقاء على العلاقات العسكرية القوية مع واشنطن لاسيما عقب توترها الأخير مع باكستان”. ويتابع روما مؤكدًا أنّ هذه الدول الثلاث لن تلجأ للمخاطرة بمساندة طهران في ظل تدني أسعار النفط ووفرة العرض، “فعلى الرغم من أن مشتريات الصين، أول مستوردٍ للنفط الإيراني تعتبر ضئيلةً نسبيًا، ألا أنّها اتجهت إلى السعودية لتلبية احتياجاتها النفطية تزامنًا مع بدء العقوبات الأميركية،  أما الهند فلديها العديد من مصادر النفط الرخيص، بينما تعمل روسيا بالفعل مع منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” لتقليل حجم الانتاج في سوق اليوم”، ويتساءل روما “فلماذا المخاطرة؟”.

ويتصدى روما في مقالته للأرقام الصادرة عن الإدارة الأميركية والتي تعتبرها دليلًا على نجاعة العقوبات، بأرقامٍ أخرى مدعمةٍ بتوقعاتٍ من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ويورد روما في هذا السياق أنّ إيران التي عانت من العزلة الدولية وانخفضت صادراتها النفطية من 2.4 مليون برميل نفطٍ يوميًا إلى أقل من 500 ألف برميل يوميًا، وفقدت عملتها نحو 60% من قيمتها، يتوقع لها البنك الدولي انخفاضًا في نسبة التضخم من 35.7% هذا العام إلى 31% عام 2020. ويضيف أنّ العملة الإيرانية قد استقرت في حدود 115000 إلى 120000 مقابل الدولار مستعيدةً بعض الهدوء الذي تحتاجه المعاملات اليومية، إضافة إلى التوقع بالانتعاش من حالة الركود الاقتصادي إلى نموٍ يقارب الصفر مع دخول عام 2020.

ويؤكد روما على أنّ الاقتصاد الإيراني سيكون في العام القادم كما كان في 2015 أي قبل توقيع الاتفاق النووي مع دول (5+1) إلا أنّه سيكون أكثر استقرارًا؛ بسبب تنوع هذا الاقتصاد والمحافظة عليه جزئيًا، فالنفط الخام شكّل في عام 2017 ما نسبته 43% من الصادرات الإيرانية مقابل 78% من صادرات السعودية على سبيل المثال، إذ يرى روما أنّ هذا التنوع لا تبصره الإدارة الأميركية، ولهذا السبب تمكنت مختلف القطاعات الصناعية والزراعية من تخفيف ضربة العقوبات الأميركية وأبدت مرونة كبيرة تجاهها. كل هذا يدفع بالإدارة الإيرانية إلى التأكد من قدرتها على تحمل العقوبات المفروضة عليها. وفق رأيه.  أن الوضع الاقتصادي ما زال يعاني من مشكلات كالبطالة وضعف النظام المصرفي وفقر القطاع الخاص، إلا أنّ هذه المشاكل تُعالج بفضل الخطوات الاستباقية التي يتخذها المسؤولون الإيرانيون، فالحكومة تخطط لميزانية تستثني عوائد النفط، كما يمكن لاحتياطيات البلاد البالغة 100 مليار دولار أن تسد الفجوات وتضمن استمرار الإنفاق الاجتماعي الذي يتوقعه الإيرانيون، وهذا ما سيدعم استقرار الاقتصاد الإيراني خلال العام المقبل.

وحول دور إيران الإقليمي، اعتبر روما أنّه من بين أهداف حملة “الضغط القصوى” الأميركية، رفع تكلفة “مغامرات إيران الإقليمية”، إلا أنّ  إيران تدخل عامها الثاني في ظل العقوبات بموقعٍ إقليمي قوي بالفعل، ويؤكد روما على ذلك بتراجع واشنطن عن دعم حلفائها الأكراد في الشمال السوري الذي سبب فراغًا يمكن لإيران ملؤه. أيضًا تأكيد الإدارة الأميركية على عدم استخدامها للقوة العسكرية  إزاء استفزازات إيران، لاسيما بعد إسقاط الطائرة الأميركية بدون طيار، والاعتداء على ست سفنٍ في المياه الخليجية، والاستيلاء على ناقلة نفط، وضربات 14 سبتمبر “الحوثية” التي استهدفت نصف إنتاج النفط السعودي. وحول إرسال أميركا جنودًا إضافيين إلى الشرق الأوسط، يقول روما: أنّ الرسالة واضحة لجميع الدول، “ترامب يستفز الدفاعات لكنه غير قادر على القتال”.

ويخلص روما في مقالته، إلى أنّ طهران تمتلك فرصةً عظيمةً لتعزيز منافعها مع الحد الأدنى من المعارضة العسكرية أو الدبلوماسية، وتوقع أنّ تستغل إيران الانفتاح الحالي بالتصعيد لتعطيل تجارة النفط، وأن تتخذ خطواتٍ استفزازية أكبر في الإنتاج النووي، كما يؤكد روما على “استمرار إيران في التدخل بالشؤون الداخلية للدول المجاورة لاسيما في العراق التي تقتل القوات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني فيها المحتجين وتعظّم من نفوذها السياسي”. ويلفت روما في هذا الإطار إلى أنّ إيران كانت تتمتع بنفوذٍ كبيرٍ في العراق منذ عدّة سنوات، إلا أنّ فك الارتباط الذي قامت به أميركا مع العراق، سيسهم في القيام بدورٍ مباشر في تعزيز النفوذ الإيراني هناك.

ويختتم روما مقالته بأنّ “موت إيران” بسبب العقوبات لم يحدث وهذا ما يؤكده حال البلاد وأنشطتها الإقليمية، إلا أنّ ما أُصيب في مقتلٍ كانت العلاقات الدبلوماسية بين إيران وأميركا، على الرغم من مساعي الأطراف المتعددة لإعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات، والتي باءت بالفشل. ويعتقد روما أنّ المرشد الإيراني علي خامنئي يرى أنّ “أوضاع بلاده المحلية والإقليمية مستقرةً؛ لذلك لا حاجة للاجتماع مع العدو”، لاسيما مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية العام المقبل. ويضيف “لا الانهيار ولا الدبلوماسية”، بل مواصلة السلوك الاستفزازي خلال العام الثاني من حملة الضغط القصوى، والتي قد تكون أكثر اضطرابًا من سابقتها.

هل نجحت سياسة “الضغط القصوى” الأميركية في لي ذراع إيران إقليمياً؟
جاده ايران تلغرام
للمشاركة: