الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة14 نوفمبر 2019 08:24
للمشاركة:

قلقٌ إيرانيٌ جراء الاحتجاجات في العراق ولبنان.. كيف ستتعاطى إيران مع أزماتِ حلفائها؟

نشر “معهد دول الخليج العربية في واشنطن” مقالةً للزميل الباحث علي ألفونه، مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، تناول خلالها انعكاسات موجة الاحتجاجات الأخيرة في لبنان والعراق على إيران. وتحت عنوان “المخاطرة الإمبراطورية لإيران”، يرى ألفونه أنّ المرشد الإيراني علي خامنئي قد وقع في مأزقٍ بعدما اجتاحت الإمبراطورية الإيرانية “التي تحققت بشق الأنفس” النار؛ بفعل الاحتجاجات المستمرة في كلٍ من العراق ولبنان الحليفتين للجمهورية الإسلامية ما يشكل تهديدًا لها، وأضاف ألفونه أنّ أمام المرشد الإيراني خيارين أحلاهما مر، أولهما استخدام بلاده لمواردها الشحيحة نتيجة العقوبات الاقتصادية الأميركية المستمرة؛ لدعم استقرار حلفائها في المنطقة ما سيجعلها عرضةً لظروفٍ اقتصادية أسوأ واضطراباتٍ اجتماعية داخلية، أما الخيار الثاني وفق رأي ألفونه فيتمثل في أن يترك خامنئي حلفائه يتدبرون أمرهم بمفردهم ما سيدفع إلى خطر المواجهة مع الحرس الثوري الذي يعتمد بقاء خامنئي على دعمه.

واعتبر ألفونه أنّ تصريحاتِ قادة الحرس الثوري الإيراني تُظهر ميلًا لدعم حلفاء بلادهم في المنطقة، وبالمثل كانت تصريحات خامنئي الأولى، إلا أنّ الأخير يسعى في ذات الوقت إلى تقليل اعتماده على الحرس الثوري، إذ ظهر ذلك جليًا خلال إلقاءه لكلمته أمام أكاديمية ضباط الدفاع الجوي، نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والتي حاول خلالها إعادة تعريف دور الجيش النظامي الإيراني للتكيف مع التهديدات ضمن البيئة المحيطة. وحذّر ألفونه من أنّ خامنئي قد يصل إلى مستوىً من التوسع الامبراطوري يفضي إلى الانهيار الاقتصادي، حسب وصفه.

وحول الاحتجاجات المستمرة في العراق ولبنان منذ بدية الربع الأخير من العام الجاري، يرى ألفونه أنّ الاحتجاجات في العراق قد تطورت من مطالباتٍ بمكافحة الفساد ومعالجة البطالة، إلى مطالبات للإطاحة بالحكومة ووقف التدخل الإيراني، ولم تثنِ وعود الحكومة ولا بطشها المتظاهرين عن التواجد في الشوارع، في الوقت ذاته لم يتضح بعد إن كانت استقالة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي ستنجح في نزع فتيل الأزمة أم لا. كذلك في لبنان فقد بدأت الاحتجاجات نتيجة عدم الرضا الشعبي عن ميزانية التقشف التي وضعتها الحكومة ثم فرض ضريبة على مكالمات تطبيق”WhatsApp” المجانية، ما أدى إلى استقالة حكومة سعد الحريري على عكس رغبة الأمين العام لحزب الله حسن نصّر الله. وأشار الباحث إلى أنّ تلك الموجة من الاحتجاجات تشكّل مصدر قلقٍ كبيرٍ في إيران؛ ليس فقط لخشيتها على حلفائها ووكلائها في الدولتين، إنما خوفًا من امتداد هذه الموجة إلى الداخل الإيراني الذي تظاهر ضد سياسات حكومته نهاية عام 2017.

هل تتأثر إيران بحُمّى الربيع العربي

ويتابع الباحث فيرصد اتهاماتٍ لقادةٍ في الحرس الثوري الإيراني ضد جهاتٍ خارجية بالضلوع في الاحتجاجات بل واعتبارها الدافع الرئيس وراء قيامها، فيورد تصريحًا لمساعد قائد مقر “ثأر الله” التابع للحرس الثوري والمكلف بحماية الأمن الداخلي، العميد إسماعيل كوثري، قال فيه: “للمتظاهرين في لبنان والعراق مطالب مشروعة، لكن هناك للسعودية وأميركا والصهيونية رجالهم الذين يحرفون الاحتجاجات عن مطالبها”.

ونقل ألفونه كذلك تصريحًا لمساعد رئيس البرلمان الإيراني للشؤون الدولية، حسين أمير عبد اللهيان، شبّه فيه التطورات الحالية بمقدمات الحرب الأهلية في اليمن سابقًا، متهمًا أميركا وحليفتها السعودية بممارسة “الإرهاب السياسي”. أيضًا نقل ألفونه تصريحًا للسياسي الإيراني حسن هاني زاده لوكالة فارس للأنباء نهاية الشهر الماضي، حذّر خلاله من التآمر ضد محور المقاومة، مُدعيًا أن هناك أياديّ تابعةٍ لنظام البعث وبعض التيارات الشيعية الممولة من السفارة الأمريكية في بغداد قد ظهرت بكلٍ جليٍ خلال الاحتجاجات الأخيرة في العراق.

وفي قراءته لخطاب المرشد الإيراني علي خامنئي أمام أكاديمية ضباط الدفاع الجوي نهاية الشهر الماضي، يرى ألفونه أنّ خامنئي قد حثّ القلقين على العراق ولبنان إلى “معالجة حالة انعدام الأمن”، وأضاف أنّ “الطريق الوحيد أمام المحتجين لتحقيق مطالبهم المشروعة هو اتباع الأطر القانونية”. كما أشار خامنئي إلى تجربة بلاده في معالجة الاحتجاجات الأخيرة التي وصفها بخططٍ من الأعداء أحبطها دخول الأمة إلى الساحة في الوقت المناسب وجاهزية القوات المسلحة، مؤكدًا على الدور الخاص للقوات المسلحة في مواجهة ما وصفها ب”الفتنة”.

ويضيف ألفونه، “إنّنا لا نعلم إنّ كان اعتقاد كبار المسئولين الإيرانيين بنظريات المؤامرة حقيقةً، أم مجرد أداةٍ للدعاية، لكن اللافت للاهتمام هو تأكيد المرشد الإيراني على استعداد القوات المسلحة للقتال ضد الفتنة” ما يشير إلى دور جديدٍ للجيش النظامي في الداخل والخارج. إذ يرى الباحث في تصريحات خامنئي استعدادًا منه لكسر احتكار الحرس الثوري قمع المعارضة داخليًا، إضافة إلى العمل خارج حدود إيران، ويتابع “الحرس الثوري كان أداة بقاء النظام داخليًا، وذراعه الخارجية، بينما لم يستخدم النظام الجيشَ طوال أربعين عامًا من عمر الجمهورية الإسلامية لقمع المعارضين، كما كان تدخله في الأزمة السورية محدودًا للغاية، مثلما كان تدخل الشرطة محدودًا لقمع المظاهرات الداخلية”.

اللعبة الطويلة للديمقراطية الإيرانية

ويتابع الباحث قائلًا: “للأوقات اليائسة تدابيرها الخاصة، هذا ما يبرر كسر احتكارات الحرس الثوري الذي لن يعجبه ذلك، إلا إذا كانت فرصةً للاستفادة من القوة البشرية للجيش في ظل ضغوطٍ محليةٍ ودوليةٍ متزايدة”. ويضيف، ليست هذه المعادلة فحسب، فهناك أيضًا الواقع الاقتصادي، حيث تشير تقديراتٍ إسرائيلية بأنّ كلّفةَ التدخل في سوريا وعلى مدى سبعِ سنواتٍ قد بلغ 16 مليار دولار. ويتساءل ألفونه قائلًا: “مع الأخذ في عينِ الاعتبار الظروف الاقتصادية المتدهورة في أعقاب سياسة الضغط القصوى الأميركية، هل يمكن لإيران تحمل نفقات الدخول في صراعاتٍ جديدة في العراق أو لبنان؟ في حين أنّ كل دولارٍ تنفقه الحكومة من موارد البلاد لإطفاء نار الاحتجاجات في الخارج هي في أمس الحاجة إليه”.

ويخلص ألفونه في مقالته إلى أنّ المرشد الإيراني سيذهب باتجاه الخيار الأول، أي “استخدام موارد بلاده الشحيحة لدعم استقرار الخارج على حساب استقرار الداخل”، ويدلل الباحث على استنتاجه بالأنباء التي تشير إلى جهودٍ يبذلها قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني؛ لمنع الإطاحة برئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، إضافةً إلى استعداده الأكيد لمساعدة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.

وفي الختام، يشبّه ألفونه، المرشد الإيراني خامنئي في اختياره خيار تجاهل مشاكل بلاده الاقتصادية، بالقيادة السوفيتية التي حسب إيجور جايدار في كتابه عن انهيار الاتحاد السوفيتي، تجاهلت مشكلة انهيار أسعار النفط الخام في ثمانينيات القرن الماضي، بدلًا من معالجتها بتفكيك إمبراطورية أوروبا الشرقية أو القيام بتقليصٍ جذريّ في المجمع الصناعي العسكري، مما كان سيؤدي إلى اضطراباتٍ بين الحزب الشيوعي والجيش. إذ يرى الباحث أنّ خامنئي يسلك نفس السبيل، ويخاطر في نفس المصير.

طهران تستقبل احتجاجات لبنان والعراق بحذر وأمل
جاده ايران تلغرام
للمشاركة: