طهران تستقبل انتفاضات لبنان والعراق بحذر وأمل
يترقب الداخل الإيراني المستجدات على ساحات الحراك العربي في لبنان والعراق بحذر شديد، فالسياسة الخارجية التي اتبعتها طهران في المنطقة تبدو مهددة، بحيث أن خسارة حكومة الرئيس حسن روحاني للاتفاق النووي ستكون أمراً هامشياً أمام عجز الحرس الثوري والتيار المحافظ عن الحفاظ على الساحات العربية التي ربما تجر الداخل الإيراني نحو معادلة خاسر – خاسر.
مؤامرة ضد التوسع الإيراني خارج الحدود
تواجه طهران منذ انسحاب أميركا من الاتفاق النووي أيار/ مايو 2018 ضغوطاً اقتصادية وسياسية أثقلت كاهل اقتصادها من جهة وحاولت زجها بصدامات دولية من جهة ثانية عبر أزمة الناقلات النفطية وهجوم أرامكو، إلا أن الدبلوماسية الإيرانية تمكنت من القفز عنها رغم الصعوبات، لتصل إلى نيويورك بأمل تحقيق جولة رابحة، الأمر الذي لم يحدث بالفعل حيث عاد الرئيس روحاني من نيويورك خالي اليدين نهاية إيلول /سبتمبر الماضي.
كان على إيران أن تشهر سلاحاً آخر لمواجهة الضغوط الدولية فلوحت على لسان مرشدها علي خامنئي بنفوذها القوي في المنطقة كان تصريح الأخير واضحاَ خلال لقائه مع قادة الحرس مطلع تشرين الأول/ أكتوبر وأصدر أمراً واضحاً بأن تكون الجولة المقبلة على عاتق الحرس الثوري وذلك عبر سياسة توسيع التواجد الايراني خارج الحدود، عقب هذا التلويح سلطت إيران الأضواء بكثافة على رجل المهمات الخارجية في الحرس الثوري قائد فيلق القدس قاسم سليماني عبر لقاء إعلامي هو الأول من نوعه تمحور حول دور إيران في مواجهة العدو الصهيوني ثم جاء خبر إحباط محاولة اغتياله.
بوصلة إيران الخارجية اتجهت إذاً نحو المنطقة لتستخدمها كنقطة ثقل، لكن الحراك الشعبي العربي جاء ليربك الموازين، فاذا نجح في لبنان والعراق قد يضع ورقة قوية جداً لطهران في موضع التهديد.
على ضوء هذه القراءة يمكن تفسير اتهام دوائر قريبة من إيران للحراك بالمؤامرة والتواطؤ مع سفارات عدوة لها.
الحراك في الوقت الحرج
لم يكن المشهد الإيراني عشية الانتخابات البرلمانية المقبلة شباط / فبراير 2020 ينتظر أبداً مفاجأة الحراك العربي، فقد كان بعض المراقبين في إيران يرجحون مقاطعة جمهور التيار الاصلاحي للانتخابات لما مُني به من إخفاقات خلال الدورة الثانية لحكومة روحاني، فلا وعود تحققت ولا اقتصاد يعول عليه، فيما يشهد الشارع المحافظ بالمقابل خطوات جادة لكسب المعركة الانتخابية المقبلة والعودة إلى مقاعد السلطة التنفيذية.
هكذا كان المشهد قبل أسابيع لكن الانتفاضات في العراق ولبنان كان لها وقع مختلف على طهران، فبعض المحللين بدأ يلوح بفشل سياسة المحافظين الإقليمية وغدق الأموال، حسب تعبيرهم، على الحروب في المنطقة دون أي إيرادات.
المتحدث باسم حكومة روحاني، علي ربيعي اعتبر بوضوح ما يحدث في العراق مصداق مهم على أهمية صناديق الاقتراع، في دعوة جديدة للشعب لتمسك بخيار الانتخابات، ومن المحتمل أن يستثمر التيار الإصلاحي الحراك في المنطقة لصالح دعايته الانتخابية خلال الإيام المقبلة.
مشهد شعبي جديد
الجمهور الإيراني تبادل الأدوار فيما بينه، فمن كان يرفع شعارات الإقليم والمقاومة اتهم اليوم الشعوب بالخيانة والتواطئ والتورط مع أعداء إيران، وبدأ يشن هجمة تحريضية واسعة لاستنباط الهمم بين حلفائه، فيما أصبح التضامن مع الشعوب العربية دور الجمهور الآخر في إيران المعارض لسياسة بلاده في المنطقة، فالحراك العربي الأخير يتقاطع مع مصالحه ويشبه همومه وهواجسه.
سيغير الحراك العربي حتى ولو لم ينجح موازين الداخل الإيراني اليوم، فالشارع الايراني بشقيه المعارض والمؤيد يترقب الحراك العربي ليعيد لاحقاً ترتيب بيته الداخلي بمعطيات جديدة.