الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة28 أكتوبر 2019 09:22
للمشاركة:

هل ربحت إيران الصراع على مستقبل الشرق الأوسط؟

اعتبر كبير باحثي المجلس القومي الإيراني- الأميركي سينا توسي، أن الهجمات التي طالت حقول النفط في السعودية كانت بمثابة ضربة للنظام العالمي السائد، الأمر الذي يؤشر وفق قوله على مرور العالم بمرحلة تغيير كبرى مدفوعة من قوى كبرى كالصين وروسيا وقوى إقليمية في إشارة منه إلى إيران، مضيفاً أن هذه القوى تسعى لإحلال الهيمنة الأميركية.

سينا توسي، انطلق في مقاله بمجلة فورين بوليسي الأميركية من حرب لبنان 2006، التي وصفها بنقطة التحول، لأنها جاءت في سياق جيوسياسي يحمّل في حينه تهديد للحكومة السورية والإيرانية، مشيراً كذلك إلى أن الوجود الأميركي في العراق آنذاك كان يقطع الطريق بين إيران وحزب الله، مما عزز لدى إسرائيل التفكير باستغلال هذا الظرف الجيوسياسي لاقتلاع حزب الله والتغيير الديمغرافي في جنوب لبنان كما حدث مع المقاومة الفلسطينية في ثمانينات القرن الماضي.
في هذا الصدد، يلفت الكاتب الانظار إلى الحوار الأخير الذي أُجري مؤخراً مع قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني لتوضيح دوره خلال تلك الحرب التي أجهض فيها حزب الله بحسب سليماني ولادة مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، الذي بشرت به وزير الخارجية الأميركية آنذاك كوندليزا رايس. حيث يعتقد الكاتب أن فشل ولادة مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، تسبب بولادة أخرى.

ويؤكد توسي، أن جميع حروب الولايات المتحدة وحلفائها على إيران في السنين الماضية قد فشلت، ابتداءً بمحاربة حزب الله لإسرائيل، مروراً بنفوذ إيران في العراق وانتهاءً بانتصار إيران وحلفائها في الحرب السورية، ثم فشل سياسة “الضغط القصوى” لإدارة ترامب من النيل من إيران.
ليس هذا فحسب، بل يرى الكاتب أن الولايات المتحدة لم تعد هي المتحكم الوحيد بمجريات الأمور بصفتها على رأس نظام عالمي أحادي القطب، حيث اعتبر محاولة القوى العالمية الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران أحد الأدلة على رغبة هذه القوى في نظام دولي مبني على التعددية، لافتاً إلى سياسات ترامب المضطربة زادت الأمور سوءً، لأنها جعلت من أميركا حليف غير موثوق به للمنطقة، مما تسبب بتسارع وتيرة البحث عن توازن عالمي بعيدا عن المصالح الأميركية، على حد قوله.
في هذا الإطار، يوضح الكاتب مشهد الشرق الأوسط، فيشير إلى أن أميركا لم تعد تتشارك الرؤى مع حلفائها الأوروبيين كما حدث في سوريا وفي الموقف من الاتفاق النووي، كما أن عدم رد الولايات المتحدة على الهجمات الأخيرة، المتهمة بها إيران، ورفضها نشر قواتها ساهم في اتضاح الرؤية لدى الحلفاء الخليجيين، مما دفعهم لمراجعة سياساتهم الأمنية على ضوء الانسحاب الأميركي من المنطقة.
المراجعة الخليجية، برأي الباحث قادت الإمارات للبدء في ترميم علاقاتها مع إيران، كما أن السعودية التي تعتبر قائدة المعسكر المعادي لإيراني على حد قوله، أبلغت طهران رغبتها في حلحلة وإنهاء حرب اليمن.

حقيقة الزائر الإماراتي الذي حل ضيفاً على طهران

برغم الأثار السلبية التي يتكبدها حلفاء أميركا في المنطقة نتيجة سياسات ترامب، إلا أن سينا توسي يعتقد وجود جانب إيجابي من هذه السياسات سيظهر في إمكانية تحول هذه السياسات إلى مكاسب استراتيجية تتمثل في تحمل دول الخليج مسئولية أمنها، وتحمل القوى العالمية مسئولية أمن الخليج وإمدادات الطاقة، بعد أن كانت الولايات المتحدة توفر هذه الخدمة المجانية لدول الخليج، فضلاً عن أن دول كالهند والصين واليابان استفادت من مجانية أمن طاقتهم، بينما لم تتحصل الولايات المتحدة على أكثر من 10% من الهيدروكربونات الخليجية.
كما اعتبر الكاتب أن “أقلمة” قضية الأمن الخليجي قد يساعد على قيام نظام أمني جماعي في منطقة الخليج وهو ما سيخفف من المعضلات الأمنية بين إيران والعراق ودول الخليج، ومن شأنه كذلك أن يساعد على قيام اتفاقيات لمنع الاعتداء والحوار المشترك، واتفاقيات لضمان إمدادات الطاقة الخليجية، إلى جانب اضطلاع المجتمع الدولي وقوى مجلس الأمن بالضغط لتعزيز هذا الحوار الإقليمي.

مقال توسي اختتم بالعودة لمقابلة سليماني، حيث رأى الكاتب أن الدرس المستفاد منها هو إدراك أن الحروب ليست حلولاً قابلة للحياة بالنسبة للولايات المتحدة، بل إنها البيئة المناسبة لتمكين خصوم الأخيرة، وتركها في مستنقعات صنعتها غطرسة إداراتها التي تهدف دوماً لصناعة الشرق الأوسط الممتلئ بعقبات تمنع إيجاد إجابات سهلة لتحديات الولايات المتحدة فيه.
بناءً على ما سبق، يدعو الكاتب واشنطن للدفع باتجاه الحوار وإيجاد حلول إقليمية لمشاكل المنطقة، معتبراً أن هذا هو الحل الوحيد لتقليل مساحة “سليمنة” العالم (نسبة إلى قاسم سليماني باعتباره ممثلا للحل العسكري المناوئ).

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: