الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة9 أكتوبر 2019 20:43
للمشاركة:

ماذا تعني عملية شرق الفرات لإيران؟

لطالما ارتبط حديث البيت الأبيض عن الانسحاب الأميركي من منطقة شرق الفرات بنوايا تركية لشن عملية عسكرية في ذات المنطقة للقضاء على ما تسميه أنقرة بـ “التهديد الكردي”، الأمر الذي يثير حفيظة طهران التي تعد الداعم الإقليمي الرئيسي للنظام الحاكم في دمشق، والذي يرفض بصورة مطلقة أي تدخل تركي في أراضيه، فضلاً عن أنه يعتبره اعتداءً يستوجب المواجهة والمقاومة.
برغم تقدير إيران للمخاوف التركية من الخطر الذي يمثله أكراد سوريا في تلك المنطقة على الأمن القومي التركي، إلا أن طهران لا تزال ترى في التنسيق التركي- السوري حلاً لهذه الهواجس، مذكرةً هذه المرة في اتصال هاتفي بين وزير خارجيتها محمد جواد ظريف ونظيره التركي مولود جاووش اوغلو باتفاقية أضنه كمدخل لإزالة التوتر بين سوريا وتركيا، كما أن ظريف أبدى استعداد بلاده للمساهمة في تهيئة الأجواء من أجل إعادة العمل بهذه الاتفاقية التي تنص على حق تركيا بدخول الأراضي السورية حتى عمق 5كم في حال إخفاق دمشق عن القيام بدورها في منع الأنشطة العسكرية الكردية في تلك المنطقة.

الرئيس الإيراني حسن روحاني، من جهته أكد على ما أبلغ به ظريف نظيره التركي، كما أظهر في ذات الوقت تفهماً إيرانياً للقلق التركي، داعياً لضرورة تبديد مخاوف الحكومة التركية من حدودها الجنوبية، حيث بيّن أن الانسحاب الأميركي من تلك المنطقة وعودة الجيش السوري لها بنظر طهران هو الحل الأفضل لإزالة مخاوف أنقرة التي تقودها لتدخل عسكري في سوريا.


على ضوء موقف إيران المعلن من النوايا التركية بشن عملية عسكرية في الأراضي السورية، تطرح الأوساط المهتمة بالشأن الإيراني تساؤلاً مفاده “ماذا تعني عملية شرق الفرات لطهران؟”

  • فرصة محفوفة بالمخاطر

برغم وقوف تركيا طوال العقود الماضية في صدارة مشهد التصدي للتطلعات الانفصالية الكردية في سوريا والعراق وتركيا، إلا أن أنقرة لا تقيم هذا “الخطر الكردي” بدرجة تفوق خطورة التقييم الإيراني لهذه المسألة، حيث عمِل البلدان معاً لوأد مشروع الانفصال الذي بدأه إقليم كردستان العراق عام 2017.
كما أن التحالف الكردي مع القوات الأميركية على الأراضي السورية، لم يوفر لإيران أي أرضية للدفاع عن الوضع السياسي للأكراد في سوريا، ولذلك فإن الموقف الإيراني على لسان الرئيس روحاني جاء متفهماً للقلق التركي، بعد أن كانت “طهران الداعم الأكبر للأكراد في المنطقة”، بحسب الكاتب الإيراني سالار سيف الديني، الذي اعتبر في مقاله بصحيفة “شرق” الإصلاحية، أن “فشل التطلعات الكردية في سوريا والعراق وتركيا يحتم على الأكراد تعيين أهداف جديدة وتغيير تحالفاتهم بما يخدم مصالحهم”.
هذه الانعطافة من الجانب الكردي لا تبدو أنها قريبة الحدوث، خصوصاً في ظل غياب جسور التلاقي بين هذه المكونات الكردية والنظام الحاكم في دمشق، فضلاً عن أن قوات قسد العسكرية أعلنت خيارها القاضي بمواجهة العملية العسكرية التركية.
وعليه، فإن قضاء تركيا على الأحلام الانفصالية الكردية سيصب في خدمة هدف إيران القاضي بضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، لكن ما الذي يضمن لطهران انحصار تداعيات هذه العملية تحت سقف مواجهة الأكراد؟
تعدي هذا السقف سيؤثر بصورة كبيرة على المصالح الإيرانية في سوريا، الأمر الذي يُبقي لدى إيران حالة من الحذر تدفعها لتفضيل خيارات الحل الدبلوماسي المُتوفرة في عودة الجانبين السوري والتركي إلى اتفاقية أضنة الموقعة بينهما منذ عام 1998.

  • تهديد لخط طهران- بيروت البري

لم تتوقف إيران في كل مناسبة عن المطالبة بانسحاب القوات الأميركية من منطقة شرق الفرات، كما أنها دأبت بين الحين والآخر على التهديد باستهداف هذه القوات على أيدي فصائل تابعة لها تقاتل في سورية، لكن تأخر سيطرة الجيش السوري وحلفائه الروس والإيرانيين على إدلب أخر المواجهة المحتملة بين الجانبين، حيث ارتبط انطلاقها بانتهاء العمليات في منطقة إدلب كما تحدث بذلك الرئيس الإيراني حسن روحاني قبل أكثر من عام.
إلا أن استباق واشنطن حسم ملف إدلب بالانسحاب من شرق الفرات قد يساهم في إطالة أمد بقاء هذه المنطقة خارج سيطرة الدولة السورية، لعدة أسباب منها سعي طهران الحثيث لتجنب الاشتباك المباشر أو غير المباشر مع أنقرة، فضلاً عن أن إيران لا ترى مشكلة سوريا في شرقها أو شمالها، وإنما تعتقد وفقاً للرئيس روحاني أن المشكلة السورية الأساسية في إدلب.
وبذلك فإن هذه الخطوة التركية قد تصب في خدمة الأهداف الأميركية والإسرائيلية الرامية لمنع إيران من الاستقرار في مناطق الشرق السوري، لما لهذا الاستقرار من دور في تأمين خط العبور البري الذي يربط طهران بحلفائها في كلٍ من بيروت ودمشق.
عطفاً على ذلك، فإن إيران لا تسقط من حساباتها إمكانية عودة تنظيم داعش للعمل في هذه المنطقة جراء العمليات التركية، لا سيما في ظل حديث القوات الأميركية والكردية عن وجود سجون تضم أعداداً من مقاتلي التنظيم الذين اعتقلوا جراء العمليات العسكرية لتلك القوات خلال السنوات الماضية.
في حال عودة الحياة لتنظيم داعش في تلك المنطقة فإن خط طهران- بيروت البري سيبقى تحت التهديد العسكري، وهذا بدوره سيساهم في تأخير تنفيذ إيران لمشاريعها الهادفة لتعزيز تواجدها العسكري في سوريا.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: