الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة8 أكتوبر 2019 04:47
للمشاركة:

الجمهورية الاسلامیة الايرانية… في انتظار الشاه عباس الکبیر

يشبه تاریخ الجمهورية الاسلامیة الإيرانية، على نحو كببر، تاریخ الدولة الصفوية في إيران علی أکثر من صعيد.
فآية الله الخمیني بما قام به و بما شهدته فتره ولايته، يشبه إلى حدٍّ ما الشاه إسماعیل الصفوي، و إن اختلفت طبیعة الرجلين ونهايتهما. لکنهما يتفقان في حقيقه دامغة، وهي أنّ کلاً منهما قد أسّس دولة اتسمت بخصائص وسمات الامبراطوريات وإن لم تتمکن في إدراك الوجود الامبراطوري الذی تمتعت به ایران في العصرين الهخامانشي (الأکميني) و الساساني.
کلاهما دخل في حروب کانت لها آثارها المباشرة علی الدولة الوليدة (تشالدران بین اسماعیل الصفوي وسلیم الاول العثماني)
و (الحرب العراقية الإيرانية في عصر الخمینی) مع اختلاف جوهری هو أنّ اسماعیل الصفوي کان قد أراد الحرب بینما فُرضت علی الخمیني.
يشبه آیة الله السید علي خامنئي بشکل کبیر الشاه طهماسب الصفوي، الذي تمکن من تحقیق الإستقرار داخل الدوله الصفوية ومن ترسيخ أرکانها، وأسسها مما کان سببًا مباشرًا لبقاء الدوله الصفوية بعد وفاته قرابة قرنين من الزمن، معوضًا ما کانت إيران قد خسرته بسبب حرب تشالدران.
هو عین ما قام وما زال يقوم به السید خامنئي في إيران منذ ثلاثين عامًا، وهي نفس الفترة التي تولی طهماسب حکم إیران فيها (35 سنة) تقريبًا .
يتشابه الرجلان أيضًا في عدم ثقتهما بالغرب الاستعماري (بريطانيا و ألمانيا و فرنسا آنذاك) والدول الثلاث نفسها اليوم إلى جانب أميركا.
في هذا الصدد، يمکننا أن نستدعي مقولتين للرجلين..
فطهماسب کان يقول: “لا حاجة لنا في التعامل مع الکافرین” أي الغرب.
أما خامنئي فيقول: “إیران تستطيع العیش مئة عام من دون علاقات مع أميركا والغرب”.
کل هذه المعطيات وغیرها من الوقائع التي نشاهدها علی مستوی الداخل الإيراني، وکذلك المستويين الإقليمي والدولي، تؤکّد لنا وبشکل کبیر علی أننا في صدد دولة ستحکم في إيران ربما لقرنين أو ثلاثه قرون قادمة، خصوصا إذا ما أضفنا البعد المذهبي الشيعي الذی تتميز به الدولتان من جانب، والمکانة المتميزة التي کانت(وما زالت) تتمتع بها المؤسسة الدينية الحاکمة في إيران من جانب آخر.
فإذا ما أضفنا تمتع الجمهورية الإسلامیة الإيرانية بالخبرة و الدروس المستفادة من أخطاء الدوله الصفوية، وفي مقدمتها عدم السقوط في مستنقع الإمتيازات الأجنبية من جهة ووعيها (الجمهورية الاسلامیة الايرانية) بأهمية وضرورة امتلاك العلوم والتکنولوجا و التقنيات التصنيعية إلى جانب البعد التام عن الغرق في دوامات الديون الأجنبية؛ لأدرکنا أننا بالفعل في صدد میلاد إمبراطورية هی الأقرب إلى الامبراطورية الهخامانشيه و لیس الامبراطورية الساسانية.
هذه الإمبراطوريه الجديده تحتاج إلي رجل من اثنين هما: داریوش الکبیر أو الشاه عباس الکبیر.
کلاهما تمکن من تعظیم قدرات إيران الشاملة إلى حدٍّ لم یکن يتوقعه أحد من حکام العالم الذین عاصروه.
کلاهما أیضا دخلت إيران في عهده في مرحلة الحصاد وجني الثمار لدرجة أنّ مدینة أصفهان کانت توصف في عهد الشاه عباس الکبير من جانب الرحالة الأوروبيين آنذاک ب: أصفهان نیم جهان، أي أصفهان نصف العالم.
کذلك کانت إيران في عهد داریوش موطنا ومرکزًا عالميًا للعلوم والفنون والتکنولوجيا والطب والفلسفة على نحو لم يبلغه حاکم إيراني بعده حتی الآن.
ما يقوم به الآن خامنئي تمهيد الطریق لمن سيعقبه في تولي إدارة مستقبل (الجمهورية الاسلامیة الايرانية)ولیس مستقبل إيران، ذلك أنه يرى بأن الوقت قد حان لأن تکون إيران هي (دار الإمامة) للعالم الإسلامي بأسره.
هو يري أن مکة المکرمة کانت دارًا للنبوّة والمدينة المنورة کانت دارًا للوصاية (وصاية النبي محمد لعلي بن أبي طالب بالخلافه من بعده في إشاره إلى حادثه غدیر خم) و من ثم فقد حان الوقت لکي تکون إيران هی دارًا للإمامة التي هی من الأسس الرکينة للمذهب الشيعي.
من هنا يکون من المهم للجمهورية الاسلامية الايرانية ألا ترتبط بعلاقات دولية مقيدة لطموحاتها ودورها ورسالتها خاصه مع أميركا وبريطانيا، وکذلك من الضروره الحتمية التي لا شك فیها (في قناعاته و ثوابته) العمل علی سقوط وإزالة إسرائيل لیس فقط من منظور دینی مذهبي عقائدي، بل من منظور جيوبولتيکي استراتيجي يقوم في طبيعته و ماهيته وفقًا للأسس والمبادئ والعقائد التي حددتها مقدمه الدستور الإيراني، وکذلك المواد الدستورية التي اشتمل علیها الفصلان الأول والثاني من الدستور.


د.مدحت حماد
استاذ اللغه الفارسیة و الدراسات الايرانبة بکلية الآداب جامعة طنطا.
استاذ زائر في أکاديمية ناصر العسکرية العليا.
مدیر مرکز الفارابي للدراسات والاستشارات والتدريب.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: