الجادّة: طريقٌ في اتجاهين

“مينا” من سلسلة القصص القصيرة المترجمة “آدم‌ها”

للمشاركة:

زاوية أخرى تتطرق اليها هذه القصة من سلسلة “آدم‌ها” للكاتب الإيراني “أحمد غلامي”، في عُرف البعض الحديث عنها قد يكون محرماً، لكن غلامي يدق هنا بسلاسة باباً شائكا يستحق إستطلاع ما خلفه.

"مينا" من سلسلة القصص القصيرة المترجمة "آدم‌ها" 1

خاص جاده ايران – ديانا محمود

منذ انفصالها عن زوجها لم يأت أحد لخطبتها، كانت عاملة في شركة نسيج وراتبها ضئيل جداً فأوضاع النساجة تتدهور كل يوم أكثر، و الكثير من المصانع أغلقت. حظ مينا في الحياة اختصر في ورشة النسيج هذه التي كانت لرجل ورثها عن أبيه، وعلى الرغم من قلة مردوها إلا إنه استمر في العمل، كانت مينا تأخذ أجراً زهيداً يكفي لسد الرمق وتنتظر أن تفتح لها طاقة الفرج ويأتي فارس أحلامها وتستقر حياتها. زوجها الأول لم يكن يتحمل ضحكتها العالية وكان يعتبر سعادتها الساذجة خارج الأعراف والتقاليد، وعلى الرغم من توبيخه الدائم لها لكي تصبح أكثر رزانة ووقاراً إلا إنها لم تتغير أبداً وفي نهاية الأمر طلقها ولم يبق لها من إرتباطها الأول سوى كنار هندي غالي الثمن كان نصيبها من مهرها. لو كانت مينا خانم تعرف مسبقاً أنها لن تحصل على زوج ميسور آخر لما انفصلت عنه أبداً، لكنها كانت تعتقد “ما في أكتر من الرجال”، كان هذا باكورة اخطائها.

صحيح أن الرجال كثر كما كانت تعتقد مينا، إلا إن ذلك الرجل الذي يتحمل مسؤولية منزل وإمرأة وحياة مشتركة غير متوفر فالجميع يرغب أن يكون وأن لا يكون، لذلك كان خيار زواج المتعة فقط هو المفتوح والعامر أمام مينا. في البداية عرض عليها عامل نسيج أعور زواجاً مؤقتاً إلا أن الست مينا المسكينة ضحكت من تحت عباءتها المزينة وقالت “ألف بعيد من هون، والله لو كان الملك أعور ما بصير مرتو”. وكان هذا خطأها الثاني فهذا العامل تزوج من إمرأة ثانية زواجاً مؤقتاً وبعد فترة أعلن زواجه الدائم منها وفتح لها منزلاً ليحرق قلب مينا ولا تعيد مثل هذا الكلام الفارغ مرة ثانية. لم تكن تتوقع أن يقبل الرجال السالمين بهكذا مسؤولية حتى يقبل بها عامل أعور. تنهدت بعمق ووافقت على عرض زواج مؤقت من شخص آخر وأصبحت زوجة سائق باص يحمل ركابه من شيرازإلى طهران، كان شيرازيا يعاقر الخمر، وكان هذا خطأ مينا الثالث. حين رافقت معشر السائقين، لم تعرف أن المسافر يبقى مسافراً ومآله الرحيل. فسائق الباص الشيرازي مع ولعه الشديد بمينا إلا أن مسير حافلته تغير وأصبح شيراز – بندر عباس فاقترح على مينا أن تأتي معه ويجهز لها بيتاً في بندر عباس إلا أن الست مينا كانت تعشق طهران، ورفضت ولم تذهب وذهب السائق وعقد زواجاً مؤقتا على إمرأة أخرى ليصرف ماله معها مع أنها لم تكن في الجمال والأناقة بمستوى ظفر من أظافر مينا، وكان هذا خطأها الرابع.

سائق شيراز – بندر عباس أرسل رفيقه لخطبة مينا، التي ارتكبت خطأها الخامس ووافقت على رجل جنوبي شديد السمرة يصرف كل دخله على النساء، كان “همايون” كما يقول زملاؤه عنه “كبير كتير” لم يرفض طلباً لأحد أبداً وفي إحدى المرات خلع معطفه وأعطاه لرفيقه وبقي في البرد حتى أصابه المرض، لكن هذا الكلام لم يكن نافعاً، وجاء سائق آخر من مسير طهران – شيراز لخطبتها وكان جنوبياً إيضاً من أهل عبادان ولإن الست مينا لم ترغب في تكرار خطأها أبت الزواج منه لمدة لكنها في النهاية ارتكبت خطأها السادس وأصبحت زوجة لرجل حشاش فَشار مهرّب يأخذ أحياناً ثمن سكائره من زوجته، هذه المرة شكرت الست مينا ربّها على زواجها المؤقت فهي كانت تعرف أنه يحق للمرأة أن تفسخ عقد هذا الزواج إذا لم تكن راضية عنه، وإلا كانت ستهدر مالها لسنة كاملة.

كذلك جاء لخطبتها “أسطى تلييس”، ووافقت مينا وهي نفسها لا تعرف لماذا فالرجل المسكين لم يكن يتكلم الفارسية، تركي لكنه تركي ذكي، فكان لديه زوجتان دون علم مينا ولا أحد يعلم كيف يخفي فضائحه إلى أن جاءت نساء المعلم “حيدر” إلى منزل مينا ونشبت معارك ضارية. كان هذا الخطأ السابع، وأدركت حينها مينا أن “المليس” لم يكن تركياً بل فارسياً أباً عن جد وتعلم التركية ليظهر مواهبه في الخداع، ضحكت يومها الست مينا وقالت “أمان أمان يا ربي من هالرجال”.

جارات مينا ضاقوا ذرعا بها وبأزواجها المتعاقبين، ورمينها بالكلام إلا أنها كانت “أذن من طين وأذن من عجين”، وتجيبهم “ما عملت شي غلط، واللي ع راسو بطحة يحسس عليها” وكان هذا خطأ مينا الثامن، فهي تدرك جيداً أنها تضرب الناس في الظاهر ونفسها في الباطن.

في هذه الأثناء أحبت مينا شاب يصغرها بست سنوات وتقدم لخطبتها، ووافقت وكان خطأها التاسع. فقد جاءت أمه وأبيه وسحبا ابنهما من أذنه خارج بيت مينا بعد معركة نسائية، ومرة جديدة عادت مينا وحيدة في منزلها.

لم تنته زيجات مينا، وقع حظها هذه المرة على رجل لا بأس به، طويل القامة حسن الشكل، عاشا بهناء وسعادة لمدة شهر كامل وكان يبدو على الرجل رغبة في الاستقرار. في أحد الصباحات استيقظت مينا من النوم لتدرك أنها ارتكبت خطأها العاشر، رحل الرجل مع الكنار الهندي الثمين، حصتها من مهرها الأول، حاملاً قفصه معه. كان ذلك آخر عهد مينا مع الرجال، مُذ ذلك لم تكلم ذكرا قط.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: