الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة28 سبتمبر 2019 13:52
للمشاركة:

عبد الناصر همتي… رَجُل الأزمات الاقتصادية

شخصيات إيرانية.. 360 ْ كما لم تعرفها من قبل

أعادت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية أخيرًا محافظ البنك المركزي الإيراني عبد الناصر همتي إلى الأضواء، خصوصًا بعد تصريحاته التي قلّلت من شأن هذه العقوبات، حيث اعتبرها دليلاً على قلّة حيلة واشنطن، مشدداً على مرونة الاقتصاد الإيراني. همتي الذي يشغل منصبه الحالي منذ تموز/ يوليو 2018، تنقّل بين المؤسسات الإيرانية لنحو أربعة عقود، بدءاً من الإذاعة والتلفزيون إلى العمل المصرفي وحتى المسار الأكاديمي، وليس انتهاءً بالسلك الدبلوماسي… فما أبرز محطات مسيرته حتى اليوم؟

الولادة والدراسة

ولد عبد الناصر همتي في مدينة كبودر آهنغ بمحافظة همدان عام 1957، ودرس البكالوريوس في الاقتصاد بجامعة طهران عام 1978، مُستكملاً دراساته العليا في التخصص والجامعة نفسهما، إذ حصل على المرتبة الأولى في مرحلة الماجستير، ليختتم مسيرته الأكاديمية بشهادة الدكتوراه عام 1993 من جامعة لندن.

البداية من الإذاعة والتلفزيون

كان همتي في الثالثة والعشرين من عمره مديراً عاماً لقسم الأخبار في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الوطنية، وعندما اندلعت الحرب العراقية – الإيرانية تولى الشاب مسؤولية عمليات التبليغ والدعاية الحربية حتى انتهاء الحرب. بعد ذلك، شغل منصب نائب مدير مؤسسة الإذاعة والتلفزيون للشؤون السياسية حتى عام 1994، لينتقل بعدها إلى مرحلة جديدة من حياته.

من الإعلام إلى العمل المصرفي

عام 1994 تولّى همتي رئاسة مؤسسة التأمين المركزي وبقي في هذا المركز 11 عاماً، وقد لُقِّب حينها ب”والد التأمين الخاص” في إيران، لمساهمته في وضع خطط الخصخصة ودعم آليات السوق الحر. ثم شغل منصب المدير التنفيذي لبنك سينا الإيراني حتى عام 2013، مُثبتاً جدارته، إذ نجح في رفع العقوبات الغربية عن المصرف بعد قرار محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ.
في تشرين الأول/ اكتوبر 2013 اقترح وزير الاقتصاد الإيراني آنذاك علي طيب نيا على الجمعية العامة للبنك الوطني الإيراني أن يحل عبد الناصر همتي مديراً تنفيذياً للبنك بدلاً من فرشاد حيدري، وتمت الموافقة على تعيينه، ليستمرّ في هذه المسؤولية حتى عام 2016.
بعد ذلك شغل همتي مرةً أخرى منصب رئيس إدارة التأمين المركزي حتى حزيران/ يونيو 2018، قبل أن يقتحم الرجل المصرفي، السلك الدبلوماسي سفيراً مفوّضاً لبلاده لدى الصين، لكنّه لم يمارس مهامه هناك سوى عدة أسابيع.
شغل همتي عضوية اللجنة الاقتصادية لمجلس الأمن القومي لمدة خمس سنوات عندما كان حسن روحاني أميناً للمجلس. وكان قد اقترح خلال فترة رئاسة محمد خاتمي تأسيس صندوق “مخزون العملة الصعبة”.

عبد الناصر همتي… رَجُل الأزمات الاقتصادية 1

رئاسة البنك المركزي… تتويج المسيرة

في 25 من تموز/ يوليو 2018، وقبل أشهرٍ من فرض واشنطن للحزمة الثانية من العقوبات الاقتصادية على طهران، صادق مجلس الوزراء الإيراني على تعيين عبد الناصر همتي محافظاً جديداً للبنك المركزي، خلفاً للمحافظ ولي الله سيف. الرئيس روحاني أشاد بالمحافظ الجديد ووصفه بأنّه “يمتلك خبرات قيّمة في قطاع المصارف والتأمين”، مطالباً أعضاء حكومته بالتعاون معه في مهامه الجديدة.
وفي الوقت الذي كانت فيه حكومة روحاني تتلقى سهام النقد من الرأي العام والمعارضة، بسبب الارتفاع غير المسبوق في أسعار الذهب والعملات المعدنية وعدم الاستقرار الاقتصادي، اعتمد همتي توصيات رئيسه في معالجة الأزمة، والتي تقوم على “أولوية إصلاح النظام المصرفي، وتحسين العلاقات المصرفية مع العالم، وتوسيع نطاق المعاهدات النقدية الثنائية والحفاظ على احتياطيات النقد الأجنبي وحمايتها”.

سياسة همتي النقدية .. إجراءات داخلية وخارجية

عقب تطبيق واشنطن للحزمة الثانية من عقوباتها على طهران في كانون الأول/ نوفمبر 2018، والني طالت قطاعات النفط والطاقة والنقل البحري، انخفض سعر صرف الريال الإيراني وتراجع تداول النقد الأجنبي عبر السوق الإيرانية الموازية (السوق السوداء)، ما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم بنسبة أكثر من 30%. بدورها، فوّضت الحكومة الإيرانية البنك المركزي بالتدخل في سوق النقد الأجنبي وإدارتها، فتقدم همتي بمقترح يقوم على حذف أربعة أصفار من العملة الوطنية، مُعرباً عن أمله في تطبيقه في أسرع وقتٍ ممكن، بعد أن تتم الموافقة عليه من الجهات المسؤولة في البلاد.
وضمن إجراءاته لإصلاح النظام المصرفي وتنظيم سوق النقد في البلاد، أعلن البنك المركزي الإيراني مطلع أذار/مارس الماضي دمج البنوك العسكرية الخمسة التابعة للقوات المسلحة الإيرانية في بنك “سبه” الحكومي، الذي يُعتبر أول بنك إيراني. البنوك هي “أنصار، قوامين، حكمت إيرانيان، مهر اقتصاد، ومؤسسة الكوثر للتمويل”. وجاءت خطوة المركزي الإيراني بهدف تركيز إمكانيات وقدرات تلك البنوك لجعلها أكثر فاعلية واستقراراً، بعد انتقاد الرئيس روحاني كثرة الفروع البنكية المنتشرة في البلاد، ونصيحته بضرورة “تشغيل المصادر المالية المحبوسة في تلك الفروع لتحريك عملية الإنتاج”.

وفي منتصف أيلول/ سبتمبر الجاري، أعلن همتي قيام الارتباط المصرفي بين البنوك الإيرانية ونظيرتها الروسية بعيداً عن منظومة الاتصالات المالية العالمية بين البنوك “سويفت” للمراسلات المالية، والتي كانت قد أعلنت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 عن قطع خدماتها عن بعض المصارف الإيرانية، امتثالاً للعقوبات الأميركية على طهران.

سبق ذلك إعلان المركزي الإيراني عن تشكيل سوقٍ جديد لعرض العملات الأجنبية، في أيار/ مايو 2019. حينها أوضح همتي في حديث لوكالة فارس أنه “تم تأسيس شركة معنيّة وانتخاب مدير تنفيذي لها وبدأت عملها تجريبياً، حيث سيتم تدشينها رسمياً في مرحلة لاحقة”. وستعمل هذه السوق الجديدة إلى جانب المنظومة الإلكترونية “نيما” التي يُطرح عبرها العملة الصعبة المتأتية من عوائد التصدير.
على المستوى الإقليمي، ساهم همتي في تقوية أواصر العلاقات الاقتصادية الإيرانية مع كلٍ من سوريا والعراق، فخلال العام الجاري وقع البنك المركزي الإيراني مع نظيره السوري اتفاقيةً لإنشاء بنكٍ مشترك مقره دمشق، تبدأ بعده “البنوك المركزية للجانبين بالتبادل المصرفي، على أساس العملة الوطنية للبلدين، وتوفير إمكانية استخدام البطاقات المصرفية بين العاصمتين”.
أما مع العراق، فقد حرص همتي على “المزيد من التعاون بين البلدين وبالأخص في المجال المصرفي”، كان ذلك في زيارته الرسمية لبغداد في شباط/ فبراير 2019، وبعد أن وقع الطرفان على اتفاقية لتسديد العراق ديون مستحقة لصالح إيران بقيمة ملياري دولار، كانت مقابل واردات العراق من الغاز والكهرباء وبعض السلع.

عبد الناصر همتي… رَجُل الأزمات الاقتصادية 2
لقاء همتي بنظيره العراقي

الإنجازات والمؤلفات

رَفَدَ أستاذ الاقتصاد في جامعة طهران عبد الناصر همتي المكتبة الإيرانية والعالمية بالعديد من المؤلفات في مجال الاقتصاد والتنمية، منها: الاقتصاد الكلي (مقدمة في السياسات النقدية والمالية) وهو أحد أكثر الكتب الأكاديمية انتشاراً في مجال الاقتصاد، والذي صدر منه أربع طبعات، أيضاً كتابه التنمية الاقتصادية، اقتصاديات النفط، مشاكل العالم الثالث الاقتصادية، المبادئ النظرية والعملية للتأمين، اقتصاديات الطاقة في إيران. وقدّم همتي عشرات الأوراق البحثية في المؤتمرات المحلية والدولية، تتعلق بتطوير قطاع التأمين في الاقتصاديات النامية، وعواقب الاقتصاديات القائمة على النفط.

لمتابعة ملف الانتخابات الرئاسية (إيران 21: حصاد المواجهات)، إضغط هنا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: