الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة3 سبتمبر 2019 21:15
للمشاركة:

الخطوة النووية الإيرانية الثالثة.. توصيات عدة وتوقعات أكبر

من المقرر أن تنتهي يوم الخميس المقبل المهلة الثانية التي أعطتها إيران للطرف الأوروبي من أجل منح إيران الامتيازات اللازمة للاستفادة من الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وستبدأ طهران يوم الجمعة الخطوة الثالثة من خفض التزاماتها بالاتفاق النووي إذا لم يبادر الأوروبيون بأي خطوة تجاه إيران. المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي أعلن قبل أيام، أنَّ الخطوة الثالثة لإيران قد صُممت، وجاهزة للتنفيذ، موضحاً أنه من المقرر أن تكون تلك الخطوة أكثر إحكامًا من الخطوتين الأولى والثانية، كي تخلق توازنًا بين حقوق إيران وواجباتها في الاتفاق النووي، على حد قوله.
في هذا السياق، قدّم معهد التبيين للدراسات الاستراتيجية عدّة توصيات لصانع القرار في إيران بخصوص الخطوة الثالثة التي من المقرر للإيرانيين القيام به صبيحة الجمعة 6 أيلول/ سبتمبر الجاري في محاولة منهم لدفع أطراف الاتفاق النووي لاتخاذ موقف ضد الإجراءات الأميركية المفروضة على إيران، بما يوفر للأخيرة مصالحها، بعد أن تضررت جراء العقوبات الأميركية التي تتابع عليها منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في أيار/ مايو 2018.
المعهد أشار قبل الولوج في التوصيات إلى سلوك طهران في التعاطي مع الأحداث منذ توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمرسوم الخروج من الاتفاق النووي، فلفت إلى أن إيران اختارت في البداية الرد بمنهج “الصبر والانتظار”، فهي من جهة صبرت على عقوبات واشنطن، ومن جهة أخرى انتظرت إجراءات الاتحاد الأوروبي لإحباط هذه العقوبات من أجل انتفاع إيران بامتيازات الاتفاق النووي.
كما بيّن المعهد أن إيران قرّرت بعد عام من الضغط الأميركي، أن تقوم بإجراءات فنية تُخفض بموجبها التزاماتها بالاتفاق النووي وأعلنت طهران في حينها أن هذه الحزمة هي المرحلة الأولى. هذه الخطوة الإيرانية اعتبرها المعهد تعديلاً لسياسة “الصبر والانتظار”، قبل أن تكون تحذيراً للطرف الآخر، لا سيما وأنها جاءت بعد أيام من عدم تمديد الإعفاءات النفطية الأميركية الممنوحة لأكبر 8 مستوردين للنفط الإيراني، فضلًا عن تأخر الأوروبيين في تنفيذ وعودهم لإيران، سواءً بسبب عدم استطاعتهم أو عدم رغبتهم.

انتهجت إيران منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي سياسة “الصبر والانتظار”


كذلك لفت المعهد، إلى أن السياسة الإيرانية الفاعلة أمام العداء الأميركي ومماطلة وتعلل الأوربيين، قادت طهران نحو الخطوة الثانية التي تضمنت اجتياز المستوى المحدد للتخصيب التي حددها الاتفاق النووي بـ 3.67%.
معهد التبيين، أوضح أنَّ الروح الحاكمة لإجراءات إيران خلال الخطوتين الأولى والثانية لا تعد انتهاكًا أساسيًا للاتفاق النووي، وإنما توقف “جزئي” و”غير مؤثر” لبعض تعهدات الاتفاق. فعلى سبيل المثال، تجاوزت احتياطيات اليورانيوم المخصب من 300 إلى 300 وعدّة كيلوجرامات أو زيادة معدّل التخصيب من 3.67% إلى 3.69، بيد أن المعهد رأى في ذات الوقت أن هذه الخطوة الإيرانية تؤشر لوجود قرار وإرادة لدى الإيرانيين للرد، لكنه بحسب المعهد لا يؤثر في حسابات الطرف الآخر بالشكل المطلوب.
واعتبر المعهد أنه بالرغم من مجيء الرد الإيراني بطريقة محسوبة، إلا أن الروح الحاكمة للإجراءات الإيرانية الأولى والثانية، أوجدت لدى حكومة ترامب استنتاجاً مفاده أن سياسة العقوبات واستمرار حملة الضغوط القصوى لم تتمكن من ترك التأثير المطلوب على إيران. كما خلفت لدى الأوربيين نفس الفكرة، الأمر الذي جعل الطرفان يقدران انزعاج واستياء طهران.
على هذه الخلفية، حث المعهد على تصميم الخطوة الثالثة بشكل يستطيع ترك التأثير اللازم على الحسابات الغربية، فضلاً عن إكمال الخطوتين الأولى والثانية، كما دعا المعهد إلى ضرورة أن تكون بنية هذه الخطوة على النحو الذي يجعل أميركا تستخلص أنَّ سياسة زيادة الضغوط قد فشلت، وبما يجبر أوروبا وخاصة الدول الرئيسية فيها مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا على أن يقوموا بإجراءات أبعد من إبداء مواقف أو الوساطة أو العمل على تشغيل الآلية التي تُعد لأجل تبادل السلع غير المحظورة أميركيًا مع إيران.
تقرير المعهد قدم 6 توصيات في شكل وفحوى الخطوة الثالثة التي أكّد على أنها ينبغي أن تتطابق مع التعهدات الدولية الأساسية الإيرانية خاصة ما يندرج في معاهدة عدم انتشار السلاح النووي والسياسة الخارجية الأساسية، حيث جاءت على النحو التالي:
أولًا: أن تكون أكثر سياسيةً من الخطوتين الأولى والثانية: فنظرًا لأن هاتين الخطوتين كانتا بدرجة فنية أكثر من السياسية، فمن اللازم أن تكون الخطوة الثالثة بدرجة سياسية أعلى، كما أنها يجب أن تكون متمركزة حول إرسال رسالة، وليس اجراء فني كالذي تم في الخطوتين الأولى والثانية.
ثانيًا: أن تخدش القراءة الذهنية للطرف الآخر بأن إيران تحتاج إلى الاتفاق النووي تحت أي ظرف: إذا ما كان الطرف الآخر سواء أميركا أو أوروبا يتصوران أنَّ إيران تحتاج للاتفاق النووي في ظل أي ظروف، ولن تتوجّه مطلقًا نحو الإيقاف الكامل لتعهدات الاتفاق النووي وتدميره في نهاية المطاف، فبالتالي من المحتمل للغاية ألا تُجبر أميركا على التراجع، ولا أن تتحفز أوروبا للقيام بالإجراءات المطلوبة منها، ولذلك يلزم أن تضم الثالثة اجراءات تبدد هذه القراءة الذهنية المحتملة.
ثالثًا: التهديد بوضوح أنَّ الاتفاق النووي على شفا حفرة: من البديهي الاختلاف ما بين أنَّ الاتفاق النووي يتحرك نحو شفا حفرة، وما بين أنَّ الاتفاق النووي على شفا حفرة بالفعل، فكلاهما يرسل رسائل منفصلة. الخطوتان الأولى والثانية ارسلتا أن الاتفاق النووي يتحرك نحو شفا حفرة، في حين أنَّ الخطوة الثالثة يتعين أن تؤشر إلى أن الاتفاق النووي بالفعل يتموضع على شفا الحفرة والدمار الكامل.
رابعًا: أن تخلص أوضاع تدلل على أن إيران في طريقها لتجاوز الاتفاق النووي: من اللازم أنَّ تكون الخطوة الثالثة على النحو التي تصوّر بأكثر الأشكال صراحة ووضوحًا أن إيران تخلق أوضاعًا لتجاوز الاتفاق النووي، لأجل التأثير في حسابات وإجراءات الطرف الآخر وخاصة الأوربيين بحد أقصى.
خامسًا: ألا تقتصر على الاتفاق النووي وأن تكون عابرة له حتى ولو بصورة رمزية: من حيث أن الحكومة الأميركية قررت بدء حرب اقتصادية وعداء شامل لم يقتصر على الاتفاق النووي، وإنما تجاوزته لأبعد منه، لذلك يتوجب العمل بمبدأ توازن الإجراءات، الأمر الذي لا يجعل رد إيران يقتصر رد إيران ج على الاتفاق النووي، وحريَّ أنَّ تكون هذه الخطوة شاملة لهذا الأمر.
سادسًا: فتح الطريق أمام إجراءات أكثر من قبل إيران: السمة الأخيرة التي يتعين أن تتمتع بها الخطوة الثالثة ألَّا تبث هذا الاعتقاد في ذهن الطرف الآخر أنَّ إيران ايديها قد فرغت بعد قيامها بهذه الخطوة، وهي عاجزة عن القيام بإجراءات أخرى. يتعين أن تضع الخطوة الثالثة الطرف الغربي ما بين خوف وأمل؛ خوف من إجراءات أكثر من إيران وأمل بإيقافها من خلال التراجع أو القيام بإجراءات جادة لأجل انتفاع إيران بمصالحها في الاتفاق النووي.

ما هي أبرز التكهنات بالخطوة الثالثة؟


دارت أغلب تكهنات المحللين الإيرانيين حول عدد من الرؤى والتوقعات للخطوة الثالثة من تقليص إيران لالتزامها بالاتفاق النووي. إذ ذكرت الصحفية في جريدة “اعتماد” الإصلاحية سارة معصومي أنَّ الخطوة الثالثة التي من المؤكّد قيام إيران بها قد تشمل التحلل من القيود المفروضة على الأبحاث والتنمية العلمية النووية. سارة معصوبي أشارت إلى تلك التوقعات بالرغم من تأكيدها على أوروبا قامت بتخصيص خط ائتماني لطهران بقيمة 15 مليار دولار، من أجل تسهيل الشراء الآجل للنفط الإيراني، أو آلية مشابهة لذلك، لكن الاتفاق على التفاصيل هو ما تبقى، على حد قولها.
من جانبه، تكهّن الخبير في الشؤون الدولية محمد علي بصيري، خلال مقابلته مع صحيفة “آفتاب يزد” أن تتضمن الخطوة النووية الثالثة رفع نسبة التخصيب إلى 20%، وقد اتفق الخبير في الشؤون الدولية عماد ابشناس مع هذا التوقع، حيث قال إن إيران قد ترفع نسبة التخصيب إلى 5.5 أو دفعة واحدة إلى 20%.
هذه التوقعات، تقاطعت مع ما ألمح إليه المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي، عن استعداد الهيئة لرفع مستوى التخصيب إلى 20% خلال يومين من إصدار القرار بذلك.
أبشناس توقع أيضًا إعلان إيران بدأها في تجديد مفاعل آراك للماء الثقيل، وهو الاجراء الذي قد لا يجرح كثيرًا الاتفاق النووي. إلى جانب إمكانية زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي الفعّالة والتي من الممكن أن تلحق أضرارًا بالغة بالاتفاق النووي.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: