الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة25 أغسطس 2019 17:40
للمشاركة:

الهجمات الجوية الإسرائيلية على العراق.. هل الأمن القومي الإيراني في خطر؟

أصدر معهد التبيين للدراسات الاستراتيجية دراسة بقلم الخبير في شؤون غرب آسيا علي نجات، في 15 أغسطس الجاري تناول بالتحليل فيها الهجمات التي تعرَّضت لها قاعدة الشهداء مقر تمركز الكتيبة 16 التابعة للحشد الشعبي في مدينة آمرلي في محافظة صلاح الدين لهجمات في صباح الجمعة 19 يوليو 2019. وهي الغارات التي لم يتبناها أي طرف إقليمي ودولي، على الرغم من التكهنات بضلوع إسرائيل بهذه الهجمات.

الدراسة التي عنونت بـ “الهجوم المحتمل لإسرائيل على قاعدة آمرلي العراقية؛ الأهداف والعواقب” خلصت إلى مقترح يهدف إلى تعاون ومساعدة من قبل القوات الجو-فضائية الإيرانية لقوات الدفاع الجوي العراقي لتعزيز شبكتها وتقويتها لكي تقوم بمواجهة مثل هذه الغارات.

كما حذّرت الدراسة من تهديد الأمن القومي الإيراني عبر هذه الغارات التي تهدف إلى إرسال رسالة إلى طهران بأن إسرائيل-والتي رجّح الباحث وقوفها خلف هذه الغارات-تستطيع الوصول إلى الحدود الإيرانية ومهاجمة مصالحها في أي منطقة.

  خلال الفترة الأخيرة انتشرت أخبار عن هجوم عسكري لإسرائيل على قاعدة آمرلي شمالي بغداد العاصمة العراقية. والتي أصيب وقتل على إثرها عدد من الأفراد. وبعد 38 عام، هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل الأراضي العراقية. وعلى الرغم من الأخبار المتفاوتة عن طبيعة وكيفية هذه العمليات، إلا أنَّ بعض الشواهد والقرائن تشير إلى أنَّ إمكانية قيام إسرائيل بهذه العمليات جادة؛ وخاصة أنَّ الإسرائيليين تبنوا مسؤولية هذه الهجمات. وبعيدًا عن مثل هذه الأمور، هنا النقطة التي تحوز أهمية، هي إرادة تل أبيب لاستهداف الفصائل العسكرية على الأراضي العراقية، والتي تشير إلى أهداف إسرائيلية خاصة، دفعت سلاح الجو الإسرائيلي للقيام بمثل هذه العمليات الخطيرة للغاية.

1/ أبعاد واحتمالات هجوم إسرائيل على قاعدة آمرلي

في 20 من يوليو نشر المركز الإعلامي للجيش العراقي تقريرًا كشف فيه عن تعرّض قاعدة الحشد الشعبي في آمرلي بمحافظة صلاح الدين صباح يوم الجمعة 19 يوليو لغارتين من طائرتين بدون طيّار مجهولتين. ووفقًا للتقرير وقعت الغارات على قاعدة الشهداء مقر تمركز الكتيبة 16 للحشد الشعبي، والتي قتل خلالها شخص وأصيب أثنين آخرين.

لم يتبن إلى الآن أي طرف إقليمي أو دولي مسؤولية هذه الغارات، إلا أنَّ الأخبار تشير إلى دور إسرائيلي، وخاصة أنَّ مسؤولي تل أبيب هدّدوا مرات بالهجوم العسكري على قواعد قوات “المقاومة” في العراق. فسابقًا وفي 3 سبتمبر 2018 قال وزير الحرب الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان، خلال مؤتمر في القدس بعد انتشار ادعاءات حول نقل صواريخ باليستية من إيران إلى العراق: “جميع المواقع العسكرية الإيرانية على الأراضي العراقية والتي تتشكك فيها إسرائيل، من الممكن أن تُستهدف بغارات جوية”. ويبدو أنَّ إسرائيل بدون ضوضاء وبتنسيق وضوء أخضر من أميركا قد فعَّلت هذه التهديدات. وخاصة أنَّ المجال الجوي العراقي تسيطر على القيادة المركزية للجيش الأميركي.

الخبير في الشؤون الأمنية العراقية هشام الهاشمي، قال: تأكيد البنتاغون على أنَّ القصف هذا لم يكن عملًا أميركيًا، يرجّح بشدة احتمالية ضلوع إسرائيل في هذه الحادثة، وخاصة أنَّ تل أبيب هدّدت قبل ذلك باستهداف مصانع ومخازن السلاح للحشد الشعبي للحفاظ على أمنها. المستشار السابق لرئيس الوزراء العراقي إحسان الشمري، لم يعتبر احتمالية تورّط إسرائيل في الهجوم على قاعدة آمرلي وتحديدًا بعد تهديدات تل أبيب السابقة بعيدة عن الانتظار.

مصادر إسرائيلية وخبراء في الشأن الإسرائيلي أشاروا أيضًا إلى ضلوع تل أبيب في هذه العمليات. القائد السابق للقوات الجوية الإسرائيلية عاموس يدلين، قال إنه من المحتمل أن يكون هذا الهجوم عمل إسرائيلي. وأضاف: “القوات العسكرية الإسرائيلية تعمل في العراق، لكن لا يتعين أن تتبنى مسؤولية مثل تلك الهجمات؛ لأن هذا الأمر من الممكن أن يؤثر على العلاقات بين تل أبيب-واشنطن”.

الأستاذ بجامعة تل أبيب إيال زيسر، أكّد على أنَّ الهجوم على المواقع الإيرانية في العراق يتناغم من السياسات المعلنة لإسرائيل. ولم ينف محلل الشؤون العربية في صحيفة “معاريف” جاكي حوجي، تورط إسرائيل في هذه الغارات، وقال إن طريقة تنفيذ هذه الغارات توضح وقوف إسرائيل وراءها، لأنها من نفس نسق الغارات الإسرائيلية في سوريا.

2/ أهداف إسرائيل من الهجوم على قاعدة آمرلي    

تهدف إسرائيل من وراء الإغارة على قاعدة آمرلي العراقية؛ أولًا: بث الفرقة والخلاف بين قوات الحشد الشعبي. في ظل تشكل الحشد بجانب الشيعة، من العشائر السنّية والمسيحية العراقية. خاصة أنَّ الإسرائيليين برروا هجومهم هذا بوجود مخزن للصواريخ الباليستية الإيرانية. وذكرت صحيفة “هاآرتس”: “الصواريخ التي خزّنتها إيران في العراق، أكثر دقة من الممنوحة إلى حزب الله، والنفوذ العسكري الإيراني المتزايد في العراق تهديد لتل أبيب”.

ثانيًا: استغلال بنيامين نتنياهو الانتخابي لها بالنظر إلى اقتراب انتخابات الكينست الإسرائيلي، خاصة أنَّ آخر استطلاعات الرأي الانتخابية أشارت إلى رجحان كفة تحالف الأبيض والأزرق بزعامة بيني غانتس على حساب حزب الليكود بزعامة نتنياهو. وفي هذا الإطار نشر رئيس وزراء إسرائيل فيديو دعائي بعد الهجوم على آمرلي أيّد فيه تلميحًا هجوم الكيان الصهيوني على العراق.

ثالثًا: مواجهة ممر طهران-بغداد-دمشق. خلال السنوات الماضية كان إغلاق هذا الممر واحد من الأهداف الرئيسية للكيان الصهيوني. فالعراق جسر تواصل وحلقة وصل إيران مع سوريا وبعدها إلى لبنان وفلسطين والأراضي المحتلة. حيث تستشعر أهمية العراق أكثر من السابق مع انخفاض مستوى أمن الطرق البحرية الإيرانية إلى سوريا. لذلك إذا تضاؤل دور ومكانة العراق في هذا المحور لأي سبب من الأسباب، فسيتأثر تواصل طهران مع حلفاءها في المنطقة.    

رابعًا: مواجهة نفوذ إيران في العراق. بعد إسقاط النظام البعثي في العراق، سعت إسرائيل إلى منع نفوذ إيران في العراق بأي طريقة؛ لأن تقارب حكومة العراق مع إيران سيؤدي إلى تقوية أكبر لمحور “المقاومة” الذي تقوده إيران. وكانت قمّة التحليلات بشأن قلق المؤسسات الأمنية الإسرائيلية من نفوذ إيران في العراق ما نشره مركز دراسات الأمن القومي والذي أُكّد خلاله على أنَّ تل أبيب عليها تجهيز نفسها لهجمات صاروخية من القوات التابعة لإيران في العراق.

خامسًا: مساعي ورغبات تل أبيب لإثارة الرأي العام العراقي ضد الحشد الشعبي وإيران. في الواقع تسعى إسرائيل إلى إرسال هذه الرسالة إلى العراقيين أنَّ اتباع بغداد لمحور المقاومة سيجعل العراق يتحوّل إلى ميدان معركة وجبهة جديدة. ومن ثمَّ فالإعلام الإسرائيلي مع إعرابه عن الاطمئنان لضلوع إسرائيل في الهجوم على قاعدة الحشد الشعبي في آمرلي، أعلن أنَّ هذا النوع من الهجمات سيستمر طالما استمر حضور إيران في العراق، وسيتحول العراق إلى جبهة جديدة لتل أبيب لمواجهة التثبيت العسكري لإيران.

سادسًا: إثارة إيران للعمل العسكري بهدف بدء معركة عسكرية في المنطقة. الكيان الصهيوني لاعب يرحب بالتوتر في المنطقة؛ لأن إسرائيل في عقيدتها الأمنية والاستراتيجية تسعى دائمًا لإيجاد النزاعات والاشتباكات العسكرية في داخل وفيما بين دول المنطقة.  

ويعتقد في هذا الإطار وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي صاحي هانقبي، ضمن ترحيبه بالتوتر بين إيران وأميركا أنَّ هذه التوترات سينتج عنها نتيجتين كلاهما سيكون جيدًا لتل أبيب: “إما أنَّ يقبل الإيرانيون شروط أميركا، ويأتون إلى طاولة المفاوضات، والحصول على اتفاق جديد، وإما وقوع معركة عسكرية”. كما يعتقد أيضًا بعض الخبراء العسكريين أيضًا أنَّ الفرصة ستكون مناسبة للغاية للهجوم على المنشآت العسكرية والنووية في إيران إذا ما تعرَّضت إسرائيل للهجوم.

3-رسائل وعواقب هجوم الكيان الصهيوني على قاعدة آمرلي لحكومة العراق

أحد الرسائل المهمة للهجوم الإسرائيلي على قاعدة آمرلي هو نقل رسالة زيادة التكاليف لاستمرار نشاط الحشد الشعبي في العراق. أمَّا الرسالة الأخرى للهجوم فهي تحذير حكومة العراق لإضعاف دور الحشد الشعبي. ورغبة تل أبيب في نقل رسالة إلى الحكومة العراقية عبر القيام بغارات على الحشد الشعبي أنَّ استمرار نشاط هذه القوات سيكون مكلفًا.

أمَّا التبعات والعواقب السلبية لهذا الهجوم على الحكومة العراقية؛ فأولها إيجاد خلل في مسار إعادة الإعمار. خاصة أنَّ بغداد تسعى إلى تقوية الاستثمار وجذب الشركات الأجنبية للتعاون في قطاع الطاقة والصناعة والبناء، ومع استمرار هذه الغارات من الممكن أن تواجه عملية إعادة الإعمار في المناطق المحررة من قبضة داعش.

ثانيًا: تشديد نشاطات الجماعات الإرهابية؛ فاستمرار إسرائيل بهجماتها على العراق سيؤدي إلى عودة داعش مجددًا. لأن الفراغ الأمني الناجم عن الهجمات الإسرائيلية من الممكن أن يهيئ المجال لاستعادة داعش لقوتها.

ثالثًا: تهديد المصالح الأميركية في العراق. علاوة على قوات الحشد الشعبي، الكثير من العراقيين من السياسيين إلى جماهير الشعب تعارض التواجد الأميركي على الأراضي العراقية. ويعتبر أحد أسباب عدم تأييد الحكومة العراقية وصمتها حيال الغارة على آمرلي هو الخوف من الانعكاس السلبي لهذا الأمر على تهديد المصالح الأميركية في العراق؛ حيث في حال تأييد الحكومة ضلوع إسرائيل في هذه الهجمات، فهذي يعني تشكل احتجاجات ضد حضور القوات الأميركية في العراق وتهديد المصالح الأميركية.

4– رسائل وتبعات الهجوم الصهيوني على آمرلي بالنسبة لإيران

تحمل الغارة الصهيونية على قاعدة آمرلي في العراق رسائل وتبعات لإيران أيضًا؛ أولها سعي تل أبيب نقل رسالة إلى طهران في أوج التوتر بين طهران وواشنطن بتمتعها بقدرات الهجوم على مصالح طهران.

ثانيًا: إبلاغ طهران بأن مقاتلات F-35 لديها القدرة على الوصول والدخول إلى حدود إيران.

ثالثًا: وقوف إسرائيل بجانب أي توتر ومعارك أمريكية ضد إيران، وأنها ستشارك في التحالف ضد إيران في حال تشكَّله.

أمَّا تبعات هذا الهجوم بالنسبة لإيران فهي متعددة أيضًا؛ أولها تشكيل تهديد أمني لإيران ناجم عن عودة واستقواء داعش من جديد في العراق في خضم الاضطرابات المتزايدة المحتملة في حال انكسار قوة الحكومة والجيش والحشد الشعبي. فمن الممكن لعودة داعش إلى العراق أن تسفر عن زيادة الحضور العسكري الأميركي فيها والتغيير في توزان القوى الإقليمي، وإضعاف الخطاب الشيعي في العراق، وخفض العمق الاستراتيجي والقدرات الملهمة لإيران على مستوى المنطقة، وزيادة تحركات الجماعات الإرهابية والفصائل الانفصالية على الحدود الإيرانية.

ثانيًا: تقليب الرأي العام العراقي على الحشد الشعبي وإيران.

الاستنتاج

نادرًا ما تبنى إسرائيل الهجمات العسكرية ضد الدول، وإنما تتبنى ذلك بمرور الوقت. والهجوم على آمرلي العراقية أيضًا أدى لما يتمتع به من حساسية خاصة ألا يؤيد المسؤولون الصهاينة رسميًا هذا الهجوم؛ لأن تأييد الغارة سيؤدي إلى تنسيق واتحاد الآراء العراقية بشأن خروج العسكريين الأمريكيين من العراق، ما يمكن أن يخلق توترات في العلاقات بين تل أبيب وواشنطن.

من الممكن الإشارة إلى عاملين محتملين حول التزام الحكومة العراقية الصمت وعدم إدانة إسرائيل؛ أولًا الضغوط المباشرة من واشنطن والسفارة الأميركية في بغداد بشأن ضرورة التزام الصمت. وثانيًا خوف الحكومة العراقية من تشكل موجة احتجاجات جديدة ضد أميركا. وعلى الرغم من ذلك لا يتعين على بغداد تهديد أمنها ومصالحها القومية بهدف استرضاء واشنطن والحفاظ على المصالح الأميركية. وفي غير هذه الحالة، إسرائيل ستعتدي مستقبلًا على الأراضي العراقية، وخاصة أنَّ الكثير من الخبراء السياسيين والعسكريين الإسرائيليين اعتبروا صمت العراق مؤشر على رضاه.

وفي نهاية المطاف، يتعيّن ذكر أنَّ القوات الجوية العراقية تواجه عائق جاد في مواجهة الغارات الإسرائيلية بسبب فقدان التكنولوجيا الفاعلة والقوية لأجل حراسة الأجواء؛ ومن ثمَّ فالقوات الجو-فضائية الإيرانية تتمتع بالقدرة على المساعدة ونقل تجربتها الناجحة إلى قوات الدافع الجوي العراقية، بما يمكنه الحيلولة دون الاعتداء العسكري الإسرائيلي على العراق.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: