الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة5 أغسطس 2019 15:55
للمشاركة:

نهاية عداوة، أوباما، إيران، والانتصار الديبلوماسي- الجزء السابع

في الجزء السابع من ترجمة “جاده إيران” لسلسلة كتاب “نهاية عداوة، أوباما، إيران، والانتصار الديبلوماسي” التي يقدّمها موقع “مشرق نيوز”، يظهر أن نظرة الإيرانيين إلى مخططات الغرب وتاريخه في المنطقة، بالإضافة إلى الضغوطات التي تعرّضوا لها، جعلتهم يصممون روايتهم الخاصة لنوايا أخصامهم.

يسجل بارسي في كتابه أنّ قيوداً داخلية واجهها المسؤولون الإيرانيون تمثلت برواية تقول إن “القضية النووية في النهاية ذريعة كان يستخدمها الغرب للضغط على إيران ولمنعها من الحصول على العلم.”
وُلدت هذه الرواية لدى الإيرانيين، بحسب بارسي، نتيجة دراسة للمخططات الاستعمارية الغربية للمنطقة التي كان يتوجب عبرها إضعاف إيران وتقوية جيرانها العرب، لتحقيق توازن إقليمي. كل ذلك إلى جانب أن البنية النفسية لآية الله خامنئي تجعل طهران تعتقد، وفق بارسي، أنّ القضية النووية هي أحدث فصول القائمة الطويلة التي يسعى الغرب عبرها لإخضاع إيران.

وطبقاً للرواية نفسها، فإن “التاريخ أثبت أن التعاون مع أميركا لن يوقف مساعي الغرب لإخضاع إيران”. والتاريخ هذا مليء بالنماذج التي كانت تشير إلى أن إجراءات إيران التصالحية أدّت فقط إلى تشديد السياسات الغربية.
من هذا المنطلق أصرّ خامنئي على أنَّ إيران إذا ما صمدت، ولم تبدِ استعداداً للتراجع، فسيؤدي في النهاية الى يأس العالم من العقوبات وإلى انهيار تلك السياسات، والغرب سيضطر أن يقف في صف إيران لمرة واحدة.
وبسبب التجارب السابقة لهذا البلد في التعامل مع الغرب، لم تكن هناك رواية منافسة (أمام استدلالات المرشد).
وينقل بارسي عن أحد المسؤولين البارزين في الجمهورية الإسلامية قوله: “على الرغم من أنّ النخب المعارضة قد تكون خارج النواة الرئيسية للدولة إلا أنه بإمكانهم أن يكون لديهم صوت وحضور، لكن من المؤسف القول إنَّ هذه الأصوات لا تحمل استراتيجية بديلة حول كيفية إصلاح سياسات الأمن القومي الإيراني. ومن ثمَّ فنواة مؤيدي خامنئي ليست فحسب الأقوى، وإنما الجماعة الوحيدة التي لديها استراتيجية”.

إن عجز منتقدي النظام في الداخل عن صك استراتيجية ورواية بديلة كان إلى حد ما نتيجة لعجز الدول الغربية في ترسيم ووضع سبيل آخر أمام إيران بشكل مقنع. فهؤلاء، بالنظر إلى أنهم كانوا يعرفون أنَّ واشنطن تمتنع عن تقديم تنازلات ذات معنى في مفاوضات 5+1، لم يكونوا قادرين على إثبات أن تلطيف موقف إيران في المجال النووي سيضمن خروجاً محترماً من النزاع النووي. ولم تقدّم 5+1 أي مؤشرات مقنعة تشير إلى أن إيران إذا ما غيّرت سلوكها، فإن تغيّراً آخر سيطرأ على أوضاع المفاوضات.
وعلى إثر ذلك، لم تتمكن استراتيجية العقوبات مطلقاً من تغيير حسابات إيران النووية، ولم تُظهر إيران أي مسلك يدل على تمهيد لتغيير في سياساتها. على العكس، بدا أنَّ العقوبات أصبحت سبباً في اتحاد نخبة إيران، وليس اختلافهم. علاوةً على ذلك، على الرغم من أنّ هذه العقوبات دمّرت القطاع الخاص في إيران، لكنّ الناشطين في هذا القطاع (خلافاً لما جرى توقعه في استراتيجية العقوبات) لم يكونوا في وارد الضغط لتغيير السياسات النووية، ويعود السبب في ذلك لانعدام الرؤية البديلة.

في المقلب الآخر، يبيّن الكاتب أن الموالين لاستراتيجية العقوبات في البيت الأبيض لم يعتقدوا أن سياسة العقوبات ستأتي بثمارها مباشرةً. وبناءً على ذلك كانوا متأكدين من أن إيران قادرة على المقاومة لمدة طويلة أمام العقوبات، لكنها ستستسلم فقط بعد وصول الضغوط إلى لحظة الحد الأقصى، هذه اللحظة التي سُمِّت لديهم “نقطة التحول”، لا يمكن تقييم فعالية العقوبات قبل الوصول إليها، ومن العوامل التي راهن هؤلاء للوصول إلى نقطة التحول هو ظهور تحديات تتمثل في قيام بعض القطعات، كالتجار، بالضغط على الحكومة لتغيير السياسات النووية.
وقد وضع هؤلاء المراهنون أواخر 2012 كموعد للوصول إلى تلك النقطة، وبرغم أنّ استراتيجية الضغط آتت ثمارها في الإضرار بالاقتصاد الإيراني، إلا أنها لم تنجح على الوجه آخر في الوصول إلى ما تأمله معدّو تلك السياسة، والسبب في ذلك وفقاً للكاتب يعود إلى عدم تمكن العقوبات من تغيير المعادلات النووية الإيرانية، لأنها افتقدت القدرة اللازمة لضرب الرواية الغالبة في إيران وإيجاد حافز في النخبة الإيرانية للإصرار على تغيير السياسات.

في سياق آخر، يشير الكاتب إلى أن المرشد الإيراني كان مطلعاً بالكامل على “التزوير في انتخابات 2009″، والذي انتهى بفقدان قطاعات عدة من المجتمع، بحسب تعبيره. وبناء على ذلك، صارت حكومة طهران تابعة أكثر للقطاعات المعدودة الباقية التي كانت تدعم النظام إلى الآن، وتعتقد بشرعيته.
هؤلاء الداعمون كانوا عبارة عن أفراد يؤمنون بالرواية التي كانت تعتبر أن المقاومة أمام الغرب ضرورية للحفاظ على استقلال إيران، وأنّ أيّ تغيير في هذه السياسة كان لِيُعتبر من قبل هؤلاء خضوعاً أمام مطالب الغرب، بما يعني نقض رواية المقاومة، وكان يمكن أن تهدد بقاء المرشد والنظام.

ربما الأهم من هذا كان القناعة السائدة لدى الإيرانيين أن الاستسلام هو تهديد أكبر لبقاء النظام، وفقاً لرأي خامنئي، حتى من المواجهة العسكرية مع الأميركيين. على الرغم من أن المرشد لم يعتقد أن بلاده يمكن أن تفوز بالحرب، لكنه يعتقد باطمئنان أن طهران يمكن أن تحافظ على نفسها، وحتى أن قوتها الداخلية بعد الحرب ستكون أكبر مما مضى.

وهذا العامل، كان أكثر الأسباب التي دفعت أميركا لتغيير موقفها من تخصيب إيران لليورانيوم، وأصبح هناك واقع آخر أمام متّخذي القرار في البيت الأبيض أوائل العام 2013: إنّ احتمالية الحرب مع إيران أكثر من احتمالية استسلامها أمام استراتيجية العقوبات.

الأطراف العمانية نقلت هذه الخلاصة خلال حوار مع الأميركيين، موضحة ذلك بالقول إن مسؤولي إيران مثل علي أكبر صالحي وزير الخارجية آنذاك يصرّون على أنّ بلادهم مستعدة لتدخل الحرب، لكنها لن تتخلى عن التخصيب. عُمان اعتقدت أيضاً أنَّ إيران تدرك بأنَّها ستخسر الحرب، لكنها تعتقد أن هذه الحرب ستعني انتهاء نفوذ أميركا في المنطقة.
مسؤولو إيران خلال سنوات 2010 إلى 2012 كانوا يقولون للكاتب وفق ما أورد إنَّ حرب العراق حوّلت أميركا من قوة عظمى إلى “غول مشلول”. ومن ثمَّ فإنّ حرباً أخرى في المنطقة كافية كي تقضي على عمل أميركا كقوة عظمى، وتغلق ملف سلطة هذه الدولة في الشرق الأوسط.
إيران أيضاً ستُدمّر بسبب الحرب، لكنها تستطيع خلال عقد أو عقدين أن تعود إلى النقطة السابقة، ثم ستستغل الفرصة السانحة من خروج أميركا من الشرق الأوسط، لتشكيل نظام جديد في المنطقة.

الجزء الأول

الجزء الثاني

الجزء الثالث

الجزء الرابع

الجزء الخامس

الجزء السادس

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: