الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة28 يوليو 2019 07:48
للمشاركة:

المعلن وغير المعلن في زيارة وزير الخارجية العُماني لطهران

حطّ وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي رحاله في طهران، قادماً من الضفة الأخرى للخليج المستعر منذ فترة بأزمة غير مسبوقة، وسط آمال في أن يكون حاملاً معه مبادرة سلام تعمل على وقف طبول الحرب التي تكاد تُقرع في المنطقة، لا سيّما أنه يمثل الوسيط الاستراتيجي في ملفات طهران الحساسة وفي لحظاتها الحاسمة.

ما إن وصل بن علوي الى إيران، حتى برزت معطيات بالغة الأهمية، جعلت من توقيت الزيارة مميزاً مقارنةً بزيارات سابقة للوزير نفسه الذي لطالما حمل في جعبته قضايا هامّة، فالتوتر  لم يعد مقتصراً على طهران وواشنطن، بل تعدّاه ليصل بين إيران وبريطانيا على خلفية أزمة الناقلات النفطية، وباتت المخاوف تتعدى التهديدات العسكرية المتبادلة والتحشيد العسكري الأميركي، إلى الخشية الجدية من وقوع مواجهات شاملة براً وبحراً وجواً.
وزير الدبلوماسية العماني وفور وصوله إلى طهران حاول ترطيب الأجواء مع الإيرانيين، مؤكداً خلال اللقاء مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، على أهمية استمرار المشاورات بين البلدين، واستعرض معه كذلك مجالات التعاون الثنائي، وتطرق اللقاء بحسب ما كتب الوزير ظريف في تغريدة على موقع “تويتر”  إلى نتائج العقوبات الأميركية التي تمارسها الولايات المتحدة ضد إيران.

وبطبيعة الحال لم تغب التطورات الإقليمية والدولية عن قائمة العناوين التي بحثها بن علوي مع بقية المسؤولين الإيرانيين، فقد أكد خلال لقائه أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني على ضرورة الاستفادة من التجارب السابقة لمنع إثارة المزيد من التوتر في المنطقة، والوقوف بوجه اتخاذ خطوات عسكرية ستزيد من حالة عدم الاستقرار، داعياً إلى ضرورة التزام جميع الدول بالقوانين في منطقة مضيق هرمز وابتعادها عن كل إجراء من شأنه تعقيد المشهد.

في المقابل، وجهت طهران رسالة تحذيرية على لسان شمخاني خلال لقاء الضيف العماني، مفادها بأن إيران لن تميز بين الدول التي لا تراعي قوانين الملاحة، مجددا تأكيد بلاده على أن احتجاز ناقلة النفط البريطانية من قبل السلطات الإيرانية “إجراء قانوني”، لأنه جاء تنفيذاً للقوانين الهادفة لحماية الملاحة البحرية.
وأشار شمخاني إلى أن بعض دول المنطقة تقضي على أرضية التفاهم والحوار وإمكانية إدارة أزمات المنطقة باتخاذها سلوكاً مستعجلاً.

ماذا يوجد خلف الكواليس؟
لقاءات الوزير بن علوي بالمسؤولين الإيرانيين، واكبتها بعض وسائل الإعلام الإيرانية بالحديث عن فحوى وتفاصيل الملفات التي تتوقع أنه قد ناقشها في طهران خلف الأبواب المغلقة، فكشف موقع “نادي الصحفيين الشباب” التابع للتلفزيون الإيراني، عن رسالتين هامّتين حملهما بن علوي من لندن وواشنطن للمسؤولين الإيرانيين.
وأفاد حساب ذات الموقع على “تويتر”، بأن الرسالة الأولى تضمّنت عرضاً بريطانياً يقضي بأن تفرج إيران عن ناقلة النفط البريطانية المحتجزة لديها، على أن تُفرج لندن في المقابل عن الناقلة الإيرانية المحتجزة في مضيق جبل طارق بعد تنفيذ الخطوة الإيرانية بساعات.
أما الرسالة الثانية، فقد أوضح “نادي الصحفيين الشباب” أنها أُرسلت من واشنطن، فتعهد فيها مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، بأن تفرج الولايات المتحدة عن أموال إيرانية مجمدة لديها، مقابل تراجع إيران عن موقفها إزاء صفقة القرن.

هذه التسريبات، ورغم انتشارها بدايةً في عدة وسائل إعلام محلية وعالمية، إلا أن مصادر موثوقة نفت صحتها لموقع “جاده إيران”، مؤكدة بأن بن علوي لم يحمل في جعبته أي رسالة أميركية أو بريطانية من هذا النوع.

ومابين النفي والتأكيد، فمن الواضح أن زيارة وزير الدبلوماسية العمانية تأتي استكمالاً للدور الذي تقوم به بلاده منذ سنوات، والذي أدى بشكل أو بآخر لتسهيل التوصل للاتفاق النووي وللتفاهم بين طهران من جهة وواشنطن وعدد من الدول الأوروبية والأمم المتحدة من جهة أخرى.

ورغم عدم وضوح تفاصيل النقاشات التي خاضها بن علوي خلال زيارته الثانية إلى طهران في أقل من شهرين، إلا أنها ستؤثر بالتأكيد على التوتر الحاصل بين طهران وواشنطن من جهة وعلى العلاقات الإيرانية البريطانية من جهة ثانية، خاصة بعد وصول بوريس جونسون إلى مقعد رئاسة الوزراء.
وفي هذا السياق، رأى موقع “مشرق نيوز” الإيراني أن زيارة بن علوي تأتي ضمن سلسلة تحركات ديبلوماسية، تقوم بها أطراف إقليمية ودولية للعب دور الوساطة بين طهران والغرب، بهدف نزع فتيل التصعيد بينهم، فقد سبق الوزير العماني إلى طهران رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، إلى جانب إجراء اتصالات ديبلوماسية مكثفة استقبلها مسؤولون إيرانيون في الفترة الماضية.
كما لفتت مواقع إخبارية عدة إلى تسريبات إعلامية كشفت عن وجود مساعٍ فرنسية وقطرية وسويسرية، بغية تخفيف حدة التوتر الحاصل أيضا.

والجدير بالذكر أن هذه التحركات السياسية تتزامن وتوجهات ديبلوماسية أميركية تسعى للحوار مع إيران، وهو ما يمكن قراءته من تصريح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي أبدى استعداده للذهاب إلى طهران لإجراء محادثات مع المسؤولين هناك إذا لزم الأمر ودون شروط مسبقة.
وجاء ذلك بعد أن بحث هذا الأخير مع نظيره البريطاني دومينيك راب، تطورات الملف النووي الإيراني.
ويبدو أن كل هذه الوساطات المختلفة تتقاطع لمنع انزلاق الأمور نحو الهاوية، وتسعى لإيجاد حلول مناسبة قد تردع أي مواجهة محتملة في المياه الخليجية والشرق الأوسط، كما تريد إنقاذ الاتفاق النووي، علّ ذلك يخفف من التصعيد.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: