الجادّة: طريقٌ في اتجاهين

قصة مترجمة: “خسرو” الأرنب

للمشاركة:

تستمرجاده ايرانمعكم في ترجمتها للجموعة القصصيةآدم ها، للكاتب الإيراني أحمد غلامي، واليوم تذهب بنا الزميلة ديانا محمود إلى زاوية من زوايا الطفل الإيراني.

IMG-20180810-WA0000

خاص جاده ايرانديانا محمود

أسنانه كالأرنب وأنفه مدور مفتوح للأعلى، عندما كنا نناديهأرنبأرنبكان يحرك أنفه كأنه يبحث عن شيء ليشمه، لكي نضحك، خسرو الأرنب كان أفضل أصدقائنا. كنا أطفال وكان البعض يحب الاذية، فيأتي أحدنا ويرفع يده عالياً وكأنه يريد أن يضربه، فنراه يتكور على نفسه ويغطي رأسه بيديه بدون إرادة منه أو وعي ونحن نضحك.

تلقى خسرو الأرنب ضرباً مبرحاً من أبيه، حتى أصبح يتخيل له أن كل يد ترفع إلى الأعلى تستهدفه، فيظهر ردة فعل استباقية ويتكور على نفسه. وفي إحدى المرات وقف المعلم على مقربة منه ورفع يده ليخرج القلم من جيبه فتكور خسرو على نفسه وضحك الجميع، سأل المعلم ما بك يا خسرو لماذا تتكور على نفسك هكذا، فأجاب أحد التلاميذلأنه أرنبوقال آخراستاذ بيحرك أنفه متل الأرنب وبيخاف متلو، صمت المعلم قليلاً، أما نحن أصدقاء الأرنب فقد تضايقنا. قال المعلم :”كيف تحرك أنفك؟أجاب خسرو: “هيك استاذوحرك انفه الأحمر كأنه يشم رائحة ما. انفجر الصف من الضحك، المعلم إيضاً ضحك وقال :” كتير ممتازثم قال أحد التلاميذ هناك شيء آخر قال المعلم ما هو، فطلب التلميذ منه أن يسمح له بالقيام بأمر ما فوافق المعلم، اقترب التلميذ من خسرو ورفع يده إلى الأعلى وحك رأسه، وكعادته سحب خسرو رأسه إلى الأسفل وغطاه بكلتا يديه وتكور على نفسه، بالطبع ضحك التلاميذ وأعاد زميلهم الحركة مرة ثانية وتكور خسرو من جديد، لكن المعلم لم يضحك وتغيرت ملامح وجهه وصرخ بالتلاميذبيكفي“.

بعد المدرسة كان خسرو يتجه مباشرة إلى ملحمة أبيه ليبدأ العمل بترتيب أسياخ الشواء، كانت يدا أبيه ملوثة بالدم دائماً وعينيه حمراوتين يجلس فوق كرسي معدني مرتفع يقطع اللحم بالسكين. كنا نمعن النظر بيديه وهو يقطع الكبدة ويفصل بمهارة الأغشية الرقيقة عنها ثم يأخذ نفساً من سيكارتهاشنوويلوث فلترها بالدماء.

لا أذكر يوماً أني رأيت والد خسرو دون يديين ملطختين بالدماء، ولم أراه يوما حسن الخلق، مهما كانت الساعة التي يصل فيها خسرو إلى الدكان يصرخ عالياً: “ليش تأخرت يا جحشيضع خسرف حقيبته في الزاويا ويبدأ العمل، يضع أسياخ اللحم مع الخبز على صينية ويقدمها للزبائن. لم نكن نجرؤ على الاقتراب من خسرو وهو في الملحمة إلا عندما يخرج أباه منها، كنا نذهب ونطلب الكبدة المشوية وخسرف كان سخياً يقدم لنا أفضل ما لديه مجاناً فتفوح رائحة الشواء حتى انتهاء الشارع، بالطبع طعم اللحم المشوي مع مشروب “كندا درايسيكون لذيذاً حتى ولو كان والد خسرو فوق رأسك، طبعاً لم ندرك أنه وصل إلا مع صراخهشو عم تعملو هون يا ولاد الكلابجمد الدم في عروقنا ولاذ كل واحد منا بالفرار من جهة مختلفة. فقط خسرو حوصر في الملحمة وكأنها مصيدة أرانب. أخذ أباه سيخ من على الطاولة وبدء بضربه وخسرو يصيحوالله غلطت يا ابي والله غلطتوأباه لا يسمع أي شيء فقط يلوح بالسيخ على ظهره وفخذيه وقدميه، أعوج سيخ الشواء فرماه وأخذ واحداً آخر بعصبية إلى أن جاء أصحاب المحال المجاورة لنجدة خسرو.

في تلك الليلة رأيت في الحلم أن والد خسرو وضعني على طاولة اللحم وأخذ يسلخ جلدي بهدوء، كانت عيناه حمراوتين ويداه ملطختان بالدماء وبين أصابعه سيكارة، استيقظت مرعوباً. انتظرت خسرو في المدرسة حتى أروي له ما رأيت لكنه لم يأت. في اليوم التالي لم يأت إيضأً ذهبت إلى دكان أبيه قال لي : “روح روح هلأ بيجي أبيذهبت إلى الطرف المقابل كنت انظر أليه وهو يقلد لي شكل الأرنب وأنا أضحك، ثم وصل أباه وصرخوين مخكوعندما لمحني من بعيد لذُت بالفرار.

أصبحت الدروس أصعب ولم اتمكن بعدها من رؤية خسرو، جاء الشتاء وكثر الثلج ولم يعد بالامكان الابتعاد عن المدفئة، في إحدى الليالي كنت ملتصقاً بالمدفئة عندما سمعت أبي وأمي يتهامسان عمداً كي لا اسمع، ولكن اسم خسرو جعلني استرق السمع لحديثهما، سألت: “خسرو الأرنبنظرت إليّ أمي وعيناها مليئتان بالدموع، ركضت خارج المنزل وأبي يصرخ: “لا تروحلكني لم أصغ لأحد.

الثلج غطى الشوارع وباب الملحمة كان مغلقا وعلق عليه نعوة مرفقة بصورة، أين خسرو؟! كنت أعرف منزله، قرعت الباب، فُتح الباب، وكان خسرو خلفه، كان بإمكاني أن أطير من الفرح، عيناه حمراوتان من الدموع التي ذرفها على والده. لم أتمالك نفسي قلت لهأرنب أرنبفحرك أنفه كعادته، عانقته وبكى. لكني كنت سعيداً جداً جداً، أركض في الشارع وأقفز لالتقط حبة الثلج الاجمل.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: