رئيس وزراء بريطانيا الجديد بين التصعيد والمواربة مع إيران
ما إن تسلّم بوريس جونسون منصب رئاسة الوزراء في المملكة المتحدة خلفاً لتيريزا ماي، حتى تحدّث كثر عن الملفات الصعبة على طاولة الرجل وسيناريوهات كيفية تعامله معها، ولعل أبرزها تلك التي تشغل الساحة الدولية في الوقت الراهن، ألا وهي أزمة الناقلات المشتعلة بين طهران ولندن، والتطورات المتعلقة بالاتفاق النووي، الذي انسحب منه الرئيس الأميركي دونالد ترامب العام الفائت.
شبيه ترامب في الشكل والتصرفات كما يراه البعض، لم يُخفِ انتقاده للاتفاق النووي، وسبق أن قال إنه اتفاق واهٍ، ودعا لتحجيم السلوك الإيراني المزعزع للاستقرار الإقليمي حسب رأيه، وأشار صراحة إلى أنه يجب التواصل مع الإيرانيين والسعي لإقناعهم بأن عدم تطوير برنامج للتسلّح النووي سيكون السبيل الصحيح.
ومع ذلك، كان جونسون قد أدلى بتصريحات مغايرة على الضفة الأميركية، فهو من ذكر في اتصاله مع وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون إنّ سائر ممارسات إيران لم تتغير، لكن بريطانيا تعتقد بأن الاتفاق النووي جعل العالم مكاناً اكثر أمناً.
وقد بدا أثناء مناظرة شارك فيها في استحقاق انتخابات رئاسة حزب المحافظين الحاكم مرجحاً للحل الدبلوماسي، فرأى أن الدبلوماسية أفضل طريقة لإحراز تقدم مع طهران، على عكس ما يبدو في أن الدخول في حرب ضد إيران قد يمثل خياراً معقولاً للغرب، مؤكدا على عدم نيته دعم السيناريو العسكري ضد إيران في حال وصوله لمقعد رئيس الوزراء، دون أن يتخلى عن التلويح بسيف إعادة فرض العقوبات إذا ما استمرت طهران بتخصيب اليورانيوم بمعدل يخالف الاتفاق النووي.
“بوريس جونسون: بريطانيا تعتقد بأن الاتفاق النووي جعل العالم مكاناً اكثر أمناً. “
أما قضية احتجاز الحرس الثوري الإيراني لناقلة النفط البريطانية والتي تلت احتجاز ناقلة إيرانية في مضيق جبل طارق، فقد تكون التحدي الأصعب الذي سيواجه جونسون فيما يخص ملف طهران على الطاولة البريطانية.
فمازال رئيس الوزراء الجديد متريثاً في إبداء تصريحات في هذا الشأن، مع أن وزارة الدفاع البريطانية كانت قد أعلنت تكليف البحرية الملكية بمرافقة السفن التي ترفع العلم البريطاني خلال عبورها مضيق هرمز، غداة وصول جونسون لمقعده الجديد.
وفي ظل التوتر السائد حاليا بين لندن وطهران، توقعت بعض وسائل الإعلام البريطانية تقارباً بين طريقة تعاطي جونسون المستقبلية وسياسة ترامب التصعيدية، مرجّحة استجابة سياساته لمطالب البيت الأبيض، مستندة في ذلك إلى تصريح سابق دعا فيه للتيقظ من تصرفات إيران التي اتهمها بالتورط في ملفات المنطقة، مؤكدا على ضرورة تعاون لندن مع كل من واشنطن والاتحاد الأوروبي لتفادي شرّ طهران في المنطقة، حسب تعبيره.
أما صحيفة “الغارديان” البريطانية فقد توقعت أن يلعب جونسون دورا مغايرا، فربما يستطيع أن يستفيد من تقاربه مع ترامب لتهدئة الأزمة بشأن إيران، على غرار الدور الذي تحاول فرنسا لعبه.
وكانت صحيفة اعتماد الإصلاحية قد أجرت لقاءا مع السفير البريطاني لدى إيران روب ماكير، نوه لذات اتجاه احتمال أن تساهم بريطانيا بتخفيف الضغط، وجاء ذلك في معرض حديثه عن الهدف من وراء السعي لتشكيل تحالف بحري في الخليج، فذكر صراحة إن لندن لا تدعم سياسة الضغط التي تمارسها أميركا على إيران وبأنها تريد تخفيض مستوى التوتر الإقليمي، وشدد السفير البريطاني على أنّ بلاده لن تنضم إلى تحالف ضد ايران، مؤكداً أنّ هدفها حفظ أمن وحرية الملاحة البحرية في مياه الخليج ومضيق هرمز، على حد قوله.
مقابل ذلك كلّه، وجهت إيران رسائل تحذيرية بالجملة لجونسون والحلفاء الأوروبيين والأميركيين معاً، مؤكدة على لسان مسؤوليها أنها تنوي حماية مياه الخليج في ظل استمرار أزمة احتجاز الناقلات.
سياسياً، سارع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى تهنئة رئيس الوزراء البريطاني الجديد في تغريدة كتب فيها بوضوح شديد أن طهران ستحمي مياهها الجنوبية.
أما السفير الإيراني في لندن حميد بعيدي نجاد الذي هنّأ جونسون كذلك، فعبّر عن أمله في أن تنتهج بريطانيا سياسة الحد من التوتر وتحسين العلاقات الثنائية، فهذا الأخير كان قد أجرى زيارة استثنائية لطهران وأجرى فيها محادثات مباشرة مع كبار مسؤوليها.
حينها كان وزيرا للخارجية، واستقبله المسؤولون في طهران بحفاوة، مع أن الأمور لم تسر كما اشتهى، فلم ينجح بإطلاق سراح الصحفية البريطانية من أصول إيرانية نازنين زاغري، والتي تتهمها السلطات الإيرانية بتهديد الأمن القومي وتدريب صحفيين محليين، وهو ما ترفضه أسرتها ولندن.
ووسط التوقعات التي تدور حول مستقبل سياسة جونسون، والتي تتعامل معها طهران بدبلوماسية بالتزامن وتشددها إزاء الخطوط الحمر ، يبدو أنه ليس من السهل التكهن بطبيعة سياساته إزاء الشرق الأوسط عموما وإيران خصوصاً، فهو ذاته من أظهر في السنوات الماضية مواقفا متناقضة من قضايا مختلفة من قبيل تأييده للانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وقبلها كان يتغنّى بدعمه للاتحاد وأدائه.